الموقف السياسي
يكتبها عبداللطيف الفراتي
الحق في التمرد،، حق من حقوق الإنسان
تونس / الصواب/ 07/2013
حضرت منذ يومين أو ثلاثة وسط جمع، خرجت منه مذهولا، ليس من قيمة النقاش أو ضعفه ، ولكن وللأسف من قلة العقلانية فيه.
ليلتها قيل في ما قيل ، إن الفريق الأول عبد الفتاح السيسي يجري مفاوضات للخروج من الورطة التي أوقع نفسه فيها، وذلك لإعادة الرئيس السابق (أمج استعمال كلمات المخلوع والمعزول) ، والبحث عن مخرج لنفسه وللمجموعة التي كانت معه، وكان الاقتناع لدى هذا الجمع بحيث ارتفع إلى مستوى العقيدة. وكان يقال إنه وبعد ساعتين فإن الرئيس مرسي، سيعود إلى موقعه وإلى قصره.
ولقد استغربت أن يكون جمع مثل هذا، جماعة منه تحمل شهادة دكتوراه، أي في خيالي تتمتع بأسلحة المنهجية العلمية، المستندة إلى ما تعلمناه عن ديكارت ، ومن قبله من الفلاسفة العرب، ومن بعده من المفكرين العرب وفي مقدمتهم طه حسين، من إخضاع كل شيء للبحث والتمحيص والشك.
ولكن لله في خلقه شؤون، ولعل انعدام الاخضاع ، للبحث ، وغياب العقلانية تدفع للمواقف غير العقلانية، إلا إذا كانت تلك المواقف تخضع لاعتبارات أخرى بعيدة عن العلم ،وما يستوجبه من استعمال لأسلحة العقل، أي للتفكير السياسي البدائي.
**
فالاسلاميون في تونس ولكن خاصة في مصر، وأكثر من ذلك في ليبيا، يعتقدون أو أظن حتى لا أكون جازما أكثر مما يجب، ومطلقا لنظريات جامدة كما هو شأنهم، يعتقدون أنهم يحملون رسالة إلهية، ولذلك فإن لديهم حقيقة مطلقة، لا يأتيها الباطل لا من أمام ولا من خلف.
وبالتالي فإنهم يحملون رسالة معينة ، لا بد لهم من تأديتها، ولذلك كانت إزاحتهم ، أو إزاحة قيادتهم المركزية في مصر ( و التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وقلبه في القاهرة ) من السلطة هي مانعا من تأدية تلك الرسالة، وهي رسالة مقدسة ، أو على الأقل لدى أتباعهم.
أما بالنسبة لتلك القيادات ، فإن الحكم ليس وسيلة لخدمة الشعب ورفع شأنه، بل لا يعدو إلا أن يكون غنيمة ، لا بد من أن تدر عليهم ، ومن هنا يتضح سبب ذلك الاستعجال في الهجوم على المواقع الأهم في الدولة لتغيير ملامح المجتمع، والقبض عليه من خلال القبض على السلطات، التي هي سلطات الدولة كل الدولة بما تعني الدولة، وليست سلطات حزب.
هذا حصل في تونس، ولكن بصورة أكبر في مصر.
**
و لذلك ومن وجهة نظري فإن شباب "تمرد" المصري بقيادة جيل قيل إنه تحت الثلاثين، قد استطاع بداية أن يجمع 22 مليونا، طلبوا أن يخضعوا صحتها حتى من الأجهزة الدولية للفحص والتأكد، واستطاعوا أن يجمعوا في الميادين والساحات في القاهرة وفي الإسكندرية وكل المدن والقرى والنجوع في مصر ،الملايين، وإذا لم يكونوا 33 مليونا كما قالت س ن ن وكما قالت واشنطن بوست، وفق ما تردد بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فلعلهم لم يكونوا يقلون عن 20 أو 22 مليون.
ولقد اعتمدنا على "إرث قوقل" التي لا يمكن لأحد أن يشكك في مصداقيتها، لتحديد مساحة الميادين التي ضمت المعتصمين منذ يوم 28 حزيران يونيو في القاهرة ، ووصلت للتعبئة الكاملة يوم 30 حزيران يونيو، وأيام 1 و2 و3 تموز يوليو بالوصول للعدد المعلن طبعا باَلإضافة إلى ميادين مئات المدن والقرى والنجوع :
- ميدان التحرير مع الشوارع المحيطة 26 ألف متر مربع
- ميدان طلعت حرب ومحيطه 8 آلاف متر مربع
- ميدان القصر العيني والشوارع المحيطة 9 آلاف متر مربع
- ميدان المتحف القومي مع الشوارع المحيطة 15 ألف متر مربع
- محيط كوبري قصر النيل 10 آلاف متر مربع
- ميدان عمر مكرم 6153 متر مربع
- ميدان قصر الاتحادية 13 أل و893 متر مربع
- ميدان قصر القبة 9500 متر مربع
أي في المجموع 97 ألف متر مربع
في المقابل احتل أنصار الرئيس السابق مرسي ميدان رابعة العدوية الذي تبلغ مساحته مع محيطه وشوارعه 6735 متر مربع.
يستخلص من هذا أن العدد كان بالملايين، ممن كانوا يطالبون بصرف الدكتور محمد مرسي، ولنا أن ننظر في العدد الذي ناله الدكتور مرسي في انتخابات العام الماضي الرئاسية :
ففي الدورة الأولى نال الدكتور محمد مرسي 5 ملايين و764 ألف صوت من 23 مليون ناخب،
وفي الدورة الثانية نال الدكتور محمد مرسي 13 مليون و230 ألف صوت من بين 25 مليون ناخب.
وبكل المقاييس فإنه هو الفائز في تلك الانتخابات باعتباره حصل على 51.73 في المائة، لكن المحللين السياسيين لا يمتنعون من القول ، أن وزنه الحقيقي هو 5 ملايين و700 ألف صوت، أما البقية فقد جاؤوه بين دورتين لا حبا فيه بل رفضا لخصمه، وهذا لا يقلل من شرعيته الانتخابية، وهو أمر متفق عليه ولا يمكن التشكيك فيه.
هذا في يوم الانتخاب وكل الفترة بعده الممتدة حتى صباح يوم 30 حزيران يونيو 2013.
ففي ذلك اليوم خرج للشارع ملايين أكثر بكثير، أسقطوا بخروجهم شرعية الصندوق ، وخلقوا شرعية أخرى ، هي شرعية ثورية أو مشروعية تفوق الشرعية وزنا، وسواء كانوا 17 مليونا أو 22 مليونا أو 33 مليونا، فهي أكبر مظاهرة في تاريخ البشرية وفي كل مكان، وهذا ما اتفقت بشأنه كل أوساط المراقبين السياسيين وغير السياسيين.
هذه الجحافل البشرية الكثيفة خلقت وضعا، كان على الرئيس محمد مرسي، أن يتفاعل معه، خصوصا وهو الذي سبق له أن أجاب على سؤال طرح عليه ـ طبعا قبل الانتخابات الرئاسية ـ وقبل أن يفوز فيها، مفاده أنه إذا خرج الشارع بالملايين ضده ، قائلا ما معناه أنه سيستقيل فورا.
الشرعية الانتخابية أو شرعية الصندوق تكون قد انتهت عندما خرجت أغلبية عددية لتقول له ارحل، أي إنه لو قرأ الدرس في 30 حزيران يونيو ، كما ينبغي أن يقرأه رجل ديمقراطي لكان استقال وكفى المؤمنين شر القتال، كما فعل في السنوات الأخيرة والأمر ليس ببعيد رؤساء حكومات إيطاليا واليونان وإسبانيا وإيرلندا، وربما غيرهم.
ولكن وأيضا لننظر في النظريات العالمية المعتمدة، ففضلا عما قاله أفلاطون وتعرضنا له في المقال الذي سبق لنا نشره على أعمدة هذه المدونة الأسبوع المنقضي تحت عنوان "الصدمة"،يمكننا أن نجد حق التمرد كحق من حقوق الإنسان منذ كتابات الفيلسوف " هوبس" أو الفيلسوف "لوك" وحتى "كنت".
ويعرف المنظرون التمرد " L’INSURRECTION" بانتفاضة مسلحة أو غير مسلحة، على الحكم القائم، ويدعى الذين يشاركون في التمرد المتمردين.
و كان إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789 في فصله الثاني قد نص على حق مقاومة الظلم كواحد من أربعة حقوق غير قابلة للسقوط بمرور الوقت.
وقال الميثاق الخاص بحقوق الإنسان والمواطن الصادر في سنة 1793 في فصله الخامس والثلاثين، عندما تخرق الحكومة حقوق الشعب، فإن التمرد بالنسبة للشعب أو أي جزء من الشعب، يصبح حقا من الحقوق الأكثر قدسية، والواجب الأكبر.
**
تبعا لكل ذلك يصبح أمر الشرعية في جانب شعب تمرد ، وفقا للحق في التمرد، وتسقط الشرعية عن الحاكم المنتخب، وذلك سواء باعتبار الأسباب التي أدت إلى التمرد، أو بسبب المد الشعبي الكبير.
ووفقا لتلك النصوص المرجعية لحقوق الإنسان، من أن التمرد يمكن أن يكون مسلحا أو لا ، فإن انحياز القوات المسلحة المصرية إلى جانب الشعب جاء تطبيقا لتلك المبادئ السامية التي كان أول من جاء بها ، هم منظرو الثورة الفرنسية، وسبقهم إليها أفلاطون وهوبس ولوك وفترات النور لما بعد فترة النهضة الأوروبية.
**
وللواقع ما ذا كان الخيار الممكن أمام القوات المسلحة المصرية، والذي كان يساير المنطق ويدفع القوات المسلحة المصرية يوم 30 حزيران يونيو وما بعده من الأيام العصيبة، إلى القيام بما قامت به.
كان أمامها أحد أمرين:
** إما أن تتولى قمع الشعب بملايينه الكثيرة ، وضبطه، وهو ما لم تفعله في شباط فبراير2011 إبان الثورة المصرية في موجتها الأولى، لا هي ولا القوات المسلحة التونسية بقيادة رشيد عمار، والتي كان يمكنها أن تقمع الشعب، وتشارك في عملية التقتيل.
** أو إنها تضع نفسها في خدمة حماية الشعب، وبالتالي تنهي تسلط من خرج الشعب لإنهاء تسلطه.
تلك معاني التمرد ، كما جاءت بها النصوص المرجعية لحقوق الإنسان والمواطن.
والمهم أن الجيش المصري ، ينبغي له أن يترك العمل السياسي للسياسيين المدنيين، وهو ككل جيش لا يحسن الفعل السياسي ، كما إنه لم يحسن قط الفعل الاقتصادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق