Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

اقتصاديات - المديونية هل تأكل حرثنا

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
المدونية
تونس/ الصواب/2013
خلال الثلاث سنوات الأخيرة ارتفع حجم مديونية البلاد التونسية من 40 في المائة من الناتج إلى أكثر من 47 في المائة من ذلك الناتج، الذي يجد عناء كبيرا في التطور وهو ما يفسر الوضع الاقتصادي المتدهور أكثر فأكثر في البلاد.
و للواقع فإن هذه النسبة ليست كبيرة أكثر من اللزوم، في المطلق، ولكن عندما نضعها تحت المجهر نكتشف أنها تشكل خطرا كبيرا.
و بعكس ما كان يحدث قبل الثورة، فإن المديونية كانت تذهب لمجالات إنتاجية، أي تزيد من حجم الثروة، وبالتالي فإنها تخلق ما يمكن من سدادها أصلا وفائدة، بدون أعباء جديدة لا على البلاد ولا على المواطنين، وتوفر فرص عمل ولو ليس بالعدد الكافي بل أقل منه بكثير.
غير أن الأمر تغير منذ أن أصبحت بلادنا تلجأ للتداين، لا للاستثمار وتطوير حجم الثروة، بل للاستهلاك ، أو لتغطية السداد للمديونية القديمة أو الجديدة، وتغطية الهدر المتمثل في دعم بغير حدود لا هو اقتصادي ولا عادل ولا منصف.
فقد أدى انزلاق عجز الميزانية العامة للدولة (أكثر من 6 في المائة فيما لا ينبغي أن يفوق 3 في المائة) إلى التداين لتغطية ذلك العجز، الذي يذهب عموما لأهداف استهلاكية، تتمثل في التبذير المفرط، وتغطية نفقات متعاظمة للحكومة، لا مبرر لها، فضلا عن ترك الدعم يأكل الأخضر واليابس فعن قلة .
الأدهى والأمر أن البلاد أصبحت تثقل كاهلها بالديون لتغطية عجز مدفوعاتها الخارجية، في سباق محموم وكارثي، أمام قصور في موازنتها التجارية، وتراجع السياحة والخدمات، وانخفاض حجم إرساليات العمالة التونسية في الخارج لأسباب ظرفية وهيكلية.
ولكن هل يعني هذا كما يقول البعض، إلى أن يؤدي الأمر إلى إلغاء ديون البلاد، والكف عن السداد.
و الذين يدعون لذلك ينطلقون من تجارب سابقة وكانت نتائجها سيئة، ويعتمدون على مبررات عدة وواهية أهمها:
-         أن الديون السابقة في عهد الأنظمة القديمة، لا تتمتع بالشرعية ولا بالمشروعية، لأنها ديون تعاقدت بشأنها حكومات غير منتخبة، وبالتالي لا حق لها، أن تكون ممثلة للشعب، وقد جاء الوقت لرفض الاعتراف بها وبالديون التي تعاقدت بشأنها.
-         أنها لم تصرف في وجوهها التي انعقدت من أجلها، ولم تستعمل في زيادة ثروة البلاد.
-         أنها مفروضة تبعا لذلك على الأجيال اللاحقة التي من حقها أن ترفضها أو ترفض الاعتراف بها، وبالتالي تكف عن سدادها.
-         وكل هذه الأقوال ليس هناك ما يؤكدها حتى يأتي ما يقيم الدليل عليها.
ووفقا لمقال سابق قرأته في مجلة لوبوان الفرنسية فإن الحديث عن المديونية اللاشرعية وغير المتمتعة بالمشروعية، وتدعى كذلك مديونية العار، يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما عمدت لها حكومة المكسيك رافضة دفع الديون التي ترتبت عليها، وقادت بتلك المبادرة  البلاد بعدها إلى حضيض الحضيض، غير أن أول من نظر (بتشديد الظاء وفتحها) كان وزيرا روسيا بعد الثورة البلشفية، مما اعتبر كعملية قطع طريق.
و من هنا فإن التجارب العالمية أثبتت أن عدم سداد الديون لا يعد إلا أن يكون من الناحية الأخلاقية عملا مستهجنا، لأن الأصل في الدول، هو أن تحترم تعهداتها من جهة، وأن تلتزم بأمر مهم في القانون الدولي وهو استمرار الدولة، وتواصل احترام أجهزتها لتعهداتها السابقة.
ولعل السؤال الذي يطرح حقا، هو هل يمكن أن تواصل الحكومة التونسية الاستدانة المنفلتة، التي تشكل عبئا ثقيلا لا فقط على الجيل الحالي بل الأجيال المقبلة، وهل جاء الوقت للقيام باللازم لوقف نزيف خطير، نتيجة سوء تصرف، وهدر للمال العمومي، تلك هي مسؤولية الحكومة أي حكومة والحكومة التونسية بالذات، وكل ما هو غير ذلك يمثل عجزا فادحا وخطيرا، ويقوم دليلا على أن الدولة لا تخضع في سلوكها للحكم الرشيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق