من الذاكرة
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
الصراحة
تونس/
الصواب/ 11/10/2013
وأنا أتصفح
صورا قديمة، سقطت بين يدي ، التقطت صورة للرئيس السابق الحبيب بورقيبة، وكنت
عليها، حفرت في ذاكرتي لأتعرف عن المناسبة.
لم أكن في
تلك الفرصة وحدي مع " المجاهد الكبر" ، ولكن كان هناك عدد من الشخصيات،
من بينهم الدبلوماسي المتميز، وأحد أحسن المحللين السياسيين الذين عرفتهم وزارة
الخارجية التونسية، والذي تولى لاحقا إدارة المعهد الدبلوماسي، صلاح الدين
عبدالله، وكان أيامها يشغل منصب كاتب دولة للأخبار كما كان يقال وقتها، وهو الاسم
الذي غيره لاحقا مصطفى المصمودي المتوفي قبل أسبوعين، عندما كان تولى المنصب، أسوة
بما كان سائدا في المنطقة العربية، أي وزارة الإعلام.
المناسبة كانت
انعقاد القمة العربية في الجزائر، في شهر
تشرين الأول أكتوبر 1973، عقب الحرب مع إسرائيل، وعقب العبور في 6 تشرين الثاني
اكتوبر.
وكان وزير
الخارجية أيامها محمد المصمودي، ولعله كان الألمع من بين وزراء الخارجية العرب،
ويمكن القول إنه كان رئيس الوفد الفعلي لتونس، فالرئيس بورقيبة ( وهو مريض) كان لا
يحضر القمة إلا صباحا، ثم يركن للراحة، بينما كان المصمودي يلعب أدوارا أولى، كان
دائما محل اهتمام فلا تراه إلا وقد أحاط به القادة العرب، الذين كان يحوز رضاهم.
كانت تلك قمة
تاريخية، فقد تسنى فيها للعرب أن يرفعوا رؤوسهم، وكانت جاءت متزامنه مع الحظر
البترولي العربي ، وارتفع سعر برميل البترول 4 أو 5 مرات دفعة واحدة، وبات العالم
يخطب ود العرب، وجاء موبوتو رئيس
الزايير(الكونغو) آنذاك كضيف شرف إفريقي
على القمة نيابة عن زملائه من القادة الأفارقة، وأحسب أنه كان رئيسهم أيامها
باعتبار عقد آخر قمة إفريقية تلك السنة في
بلاده، وكانت إفريقيا وقتها تنتظر الكثير من العرب "الأغنياء"، وتأسس في
هذه القمة العربية البنك العربي للتنمية الإفريقية، واختيرت له الخرطوم كمقر دائم
والشاذلي العياري كمدير عام بعد أن كان وزير تربية وتعليم عالي ووزير اقتصاد
وتخطيط، كما تم تشكيل وكالة للتعاون الفني، تولى الإشراف على إنشائها وإنجازها
وقتها في القاهرة ، امحمد شاكر نجل الشهيد الهادي شاكر، وهو الذي سيتولى لاحقا عدة
مناصب وزارية من بينها وزارة العدل التي استلمها لمدة 5 سنوات.
وكانت تونس
تحظى أيمها هي وكوادرها باحترام كبير.
كان حديث
السياسيين والصحفيين أيامها في الجزائر لا يكف عن الفيللا التي تم فيها إسكان
الرئيس أنور السادات، فقد كان رقمها 101، ورقم 101 قد يكون يشير إلى النقطة
الكيلومترية على طريق السويس، التي جرت فيها المفاوضات مع الإسرائيليين بعد الثغرة
في الديفرسوار، وبعد أن استطاع الجيش الإسرائيلي مخاتلة الجيش الثالث المصري ، والاستدارة من وراء ظهره، لاحتلال قطعة من الأرض المصرية، و
محاصرة عدة آلاف من الجنود والضباط المصريين.
وسيقول
الفريق سعد الدين الشاذلي الذي كان من كبار ضباط الأركان وأحد أبطال حرب أكتوبر،
إن الثغرة كانت مؤامرة مع الولايات المتحدة، حتى لا تكون هزيمة إسرائيل كاملة،
وحتى يتمكن شارون من حفظ ماء الوجه.
والنقطة 101
كانت تشكل بادرة أول اتصال مصري إسرائيلي استهجنه العرب، الذين هزتهم نخوة انتصار
العبور.
ومن هنا فإن
إسكان السادات في الفيللا 101 في ضاحية نادي الصنوبر، قرب الجزائر العاصمة، كانت
بمثابة إشارة وتعريض بالرئيس السادات.
ولما كان
الرؤساء يتزاورون في مقرات إقامتهم، إن زيارات مجاملة، أو زيارات ذات أبعاد
سياسية، فقد تلقى الرئيس الحبيب بورقيبة ، بوصفه أحد أكبر الرؤساء سنا، ويعتبر
عميدهم، تلقى من بين من تلقى من الزائرين الرئيس هواري بومدين مستضيف القمة ورئيس
الدولة المضيفة، جرى حديث خفيف بين الرجلين وأذكر أن من بين ما قيل ردا على سؤال
للرئيس بورقيبة، لا أذكر كيف تم طرحه، أن أمر الصحراء الغربية لا يعنينا
كجزائريين، كان ذلك قبل عامين من حصول ما حصل بين الجزائر والمغرب بشان الأمر.
ومما أذكر،
أن الرئيس بومدين وقد بدا متحفظا ويقال إن ذلك هو طبعه الدائم، وقد لبس كعادته فوق
بدلة جيدة، برنسا أنيقا من وبر الجمال ، لا كآخرين، وباعتبار طول قامته وصلابة
جسمه بدا مهيبا، كان غير مستقر وكان يستعجل الذهاب، فبعد دقائق بادر بالوقوف،
معتذرا من الرئيس بورقيبة، قائلا إنه مضطر للذهاب إلى وسط مدينة الجزائر، لاستقبال
الملك الحسن الثاني في الميناء أي بعيدا عن مقر الإقامة القريب من المطار.
ولم يتأخر
الرئيس بورقيبة بحضور بديهته للقول، أن الملك أصبح يخاف من الطائرة منذ مؤامرة
الصخيرات على ما أعتقد، عندما حصلت محاولة
الإطاحة بالملك الحسن الثاني، تمثلت في محاولة إسقاط طائرته، وهي مؤامرة تورط فيها الجنرال أوفقير الذي كان الرجل القوي
في المغرب ودفع فيها هو وآخرين حياته ثمنا لها.
تجهم وجه
بومدين، ولعله لم يكن يحبذ سماع مثل هذا الكلام بحضور الكثيرين، وانسحب سريعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق