Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

الموقف السياسي: من سيكون رئيس الحكومة وهل يقبل به المرزوقي؟

الموقف السياسي
 يكتبه عبد اللطيف الفراتي
ماذا بعد بدء الحوار؟
تونس/الصواب/25/10/2013
انطلق الحوار المنتظر، 3 أشهر متأخرا عن موعده، ثلاثة أشهر عاشتها البلاد بلا مقود، وبدون أشرعة.
فحكومة علي العريض سقطت بمجرد سقوط الحاج محمد البراهمي مضرجا بدمائه، بفعل رصاصات غادرة لم نعرف لليوم حقيقة من كان وراءها، كما لم نعرف حقيقة من كان وراء اغتيال شكري بلعيد في 6 شباط فبراير 2013.
وكنا على أعمدة هذه المدونة كتبنا بتاريخ 27 تموز يوليو ما يلي:
"..والحكومة القائمة استقالت أو لم تستقل، سقطت بحكم عناصر عديدة:
أولا: أن الدم الذي انفجر من شرايين محمد البراهيمي، ليس ماء، وأن مسؤوليته تقع على عاتق الحكومة،  والمقصود ليس الحكومة في القصبة ولكن توابعها في قصر قرطاج وفي باردو ،وأي حكومة قائمة في العالم وبعد حالة مثل هذه (...)لا بد أن تذهب وترحل.
ثانيا: لأنها حكومة فاشلة كسابقتها التي اعترف رئيسها بفشلها في لحظة مصارحة للشعب لا تتكرر كثيرا، ولعل أبرز مظاهر الفشل يتمثل في هذه الاغتيالات المتكررة، هذا الداعية القلال ، وهذا السياسي لطفي نقض، وهذا الزعيم بلعيد، وهذا النائب في التأسيسي البراهمي، ومن يدري الدور على من في المرة المقبلة؟
ثالثا: لأنها حكومة لا تحترم وعودها وتعهداتها، لا الانتخابية فقط، التي أطلقتها بمناسبة الحملة الانتخابية، والتي طال عليها العهد، ولكن حتى تلك التي جاءت في خطاب التنصيب والقسم، والتي كان قوامها أربعة وعود لم تحقق منها شيئا.(...)
إذن لا تنتظروا سقوطها، فهي سقطت فعليا,ولو بقيت في القصبة، ولو بقيت في قرطاج ، ولو بقيت في باردو، سواء بصلاحياتها التأسيسية أو التشريعية-الرقابية، أو التنفيذية بشقيها الرئاسي أو الحكومي.
و التعامل معها لم يعد تعاملا موضوعيا ، بل فقط تعاملا  واقعيا بما يقتضيه التعامل لا غير.
و هي إن أصرت على البقاء، (وهذا المتوقع منها بفروعها كلها، لأنها لا تتمتع بإدراك سياسي، وتعرف أنها لو خرجت من الحكم وقد خرجت فعلا)، فإن الناس تم تطعيمهم وتلقيحهم من إعادة التجربة معهم. (...)هذا الاستنتاج منبثق عن استقراء الواقع الحالي، والقائم على:
-         تعبئة جماهيرية لم يسبق لها مثيل في تونس تذكر مع الفارق النسبي بما حصل في القاهرة في 30 يونيو حزيران الماضي، ويوم 26 تموز يوليو الماضي.
-         خطأ خطير في التقدير بشأن الشرعية الانتخابية، فهناك الشرعية الانتخابية ولا شك، ولكن هناك أيضا الشرعية التوافقية، وأيضا الشرعــــــــــــــــــية التـــــــــــمردية( insurrectionnelle) التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  ومصادر عديدة أخرى ، وفي تونس نجد أن هذه الشرعيات بصدد الوقوف على رجليها على أنقاض الشرعية الانتخابية
-          عدم القدرة على مواجهة التيار الجارف والذي يمكن أن تكون له أساليبه.
**
كان هذا ثاني مقال لنا نشرناه بعد الاغتيال، ولم يكن لنا فضل في استنتاج كهذا ، فالواقع المعاش كان فرضه، ويكفي أن يكون للمرء بصر فقط ، وليس بصيرة ليتنبأ بما سيحدث.
واليوم فالحكومة التي أفلت من يدها كل شيء منذ 25 تموز يوليو وباتت مكتفية في أحسن الأحوال بتصريف أعمال، بدون إدارة تعد لها وتدفعها وتنفذ قراراتها، ولا مجتمع يأتمر بأوامرها ، رفعت يديها استسلاما، وركنت للقبول بالمطلب المجتمعي – بعد معاندة ومكابرة- فأعلنت عن مبدأ استقالتها خلال ثلاثة أسابيع ، فماذا بقي لها من سلطة ، ومن قرار، والوزراء يعلمون أنهم منصرفون، والإدارة تعلم أنهم مغادرون.
أولا: لنعلم أن تعبير رئيس الحكومة عن استقالته في موعد معين، يعني استقالة كل الوزراء، ومن هم بمثابة الوزراء في حكومته، من مستشارين مستوزرين.
ثانيا : لنعلم أيضا، أننا نجرب كما هو شأن البلدان الديمقراطية كيف نعيش بلا حكومة، ففي الديكتاتوريات فقط لا تنصرف حكومة إلا وحكومة أخرى جاهزة تأتي لتأخذ مكانها.
ثالثا : لنستنتج أن عملية لي الذراع التي حاولت النهضة ممارستها، مع المجتمع التونسي ، لم تنته بانتصار لها، وإنما بتراجع، متواصل وغير مرتب الخطوات، حتى لا نقول كلمة أخرى ربما تعتبر جارحة.
فخلال ثلاثة أشهر مضت انطلقت عملية تحدي ليست من المعارضة وحدها، بل من شرائح واسعة من المجتمع.
وإذ  انخرط  حوالي 60 نائبا في انسحاب جماعي من المجلس التأسيسي، فإنه أمكنهم وهم الذين لا يمثلون إلا أقل من ثلث أعضاء المجلس بكثير، أن يشلوا عمله سياسيا وواقعيا، وخلال مناسبات عديدة استطاع المجتمع أن يتجند في مسيرات طافحة خاصة يومي 6 و13 آب أغسطس، كما إن الاعتصام الدائم، في باردو، ومظاهر التضامن الشعبي قد أدت دورها، وأنتجت شللا في أعمال الدولة، وبروز أزمة سياسية لم يعد يخفيها أو يحاول إخفاءها أحد ولا حتى النهضة ، في الأثناء وقد اشتد الخناق ضغطا، تم السكوت عن مشروع قانون تحصين الثورة الاقصائي، وسافر الشيخ راشد الغنوشي للقاء الباجي قائد السبسي في باريس، حيث ما زالت أطراف  تتحدث على حصول صفقة سياسية بينهما.
كان من نتيجة ذلك أن اهتز الانضباط داخل حركة النهضة، واتضحت الصورة بين صقور وحمائم، وارتفعت الأصوات لأول مرة في حضرة الغنوشي,
**
 بعد أخذ  ورد وميلودراما سيئة الإخراج، جاءت الوثيقة المنتظرة والتي لحد يومين كانت متعسرة ولادتها، تقضي كما جاء فيها:"ومن هذا المنطلق فإني كرئيس للحكومة أجدد موقفي المتمثل في التعهد باستقالة الحكومة في الآجال التي حددتها خارطة الطريق"
لنقف عند أمرين إثنين أو ثلاثة:
أولهما التنصيص على أن علي العريض يسعى للمحافظة حاليا على صفته كرئيس للحكومة، وهو أول من يعرف أنه لم يعد كذلك، وأن استقالته قائمة ولو كانت مؤجلة.
ثانيهما، وباعتبار أن خارطة الطريق قد حددت 3 أسابيع لصرفه، فإن الواقع الفعلي أنه لم تعد له سلطة فعلية على أي شيء.
ثالثهما، أنه ترك رئيس الجمهورية معلقا في الهواء، ألم يخطب  المرزوقي ـ دون أن يسأله أحد عن عمره ـ يوم 23 تشرين الأول أكتوبر ، بعد وقت قصير من خطاب علي العريض، ليقول إنه سيتولى تعيين رئيس جديد للحكومة بعد إنهاء المسار كاملا ، أي إتمام الدستور وإنجاز القوانين السياسية، وعند استقالة رئيس الحكومة، ضاربا عرض الحائط بمقتضيات خارطة الطريق، في تناغم كامل مع حزبه "المؤتمر من أجل الجمهورية" المفتت ، والذي تراجع وزنه في عمليات سبر الآراء إلى أدنى المستويات.
وقد جاءت رسالة العريض إلى حسين العباسي ، لـ - واعذروني فلم أجد كلمة أخرى – لتسفهه، وتسقط توجهه أي الرئيس الذي لم يطلب منه أحد أن يعبر عنه، باعتبار موقعه في الدولة كرجل بلا صلاحيات تذكر.
**
ولكن ما هي حظوظ نجاح هذا الحوار المطروح عليه لا فقط تشكيل حكومة جديدة، ولكن أيضا مسار تأسيسي وآخر تشريعي، يعود كل منهما كما المصادقة على الحكومة الجديدة ، إلى السلطة التأسيسية ، ولكن بحسب خارطة الطريق ، بالاستعانة بمجموعات من الخبراء، وأيضا بعد إدخال تعديلات على النظام الداخلي للمجلس واحتمالا على الدستور الصغير.
أ‌)       بالنسبة لرئيس الحكومة المحايدة وذات الكفاءة والممنوع عليها الترشح في الانتخابات المقبلة، فإن المهمة تبدو صعبة، والأمر في غاية التعقيد، فخلال سبعة أيام ينبغي إيجاد رجل أو امرأة ، يستجيب إلى هذه الشروط، وينبغي أن يحظى أو  تحظى في نفس الوقت برضا النهضة بصقورها وحمائمها، ورضا جبهة الإنقاذ بكل مكوناتها.
وفي برنامج تلفزيوني قال صلاح الجورشي إن هذا الشخص لا بد أن يتمتع  بـالمواصفات التالية: أن يكون رجلا كاريزماتيا، أن تكون له سلطة فعلية أي صاحب قرار، أن يكون اقتصاديا لامعا، أن يكون قادرا على مواجهة الوضع الأمني والإرهاب ، وأن يكون له حضور عربي ودولي، وبعبارة واحدة أن يكون رجل دولة لا يشق له غبار.
أين يوجد مثل هذا الطائر النادر،؟ و إن وجد فمن هو العاقل الذي يقبل بالدخول على راس حكومة في مثل هذه الظروف التي تعيشها البلاد.
و لكن وإذا تم الافتراض بهذا الوجود، فمن أدرى التونسيين بان يقبل رئيس الجمهورية بدعوته لتشكيل الحكومة الجديدة.
هناك افتراضان في مثل هذه الحالة أي امتناع الرئيس عن تكليفه:
-         إما أن ترشحه النهضة بوصفها دائما الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد، وبالتالي فإنه يفترض لا فقط أن تكون راضية به النهضة، بل مشترطة له.
-         أو أن يقع دفع رئيس الجمهورية لمغادرة القصر، وقد بدأ الحديث عن ذلك، وهو ما لا يطيقه، ويمكن أن يقبل بكل التنازلات للبقاء في القصر، خصوصا وأنه لا أمل له في العودة إليه في انتخابات بالاقتراع العام، وللبقاء أخذ يعلن أنه لا ينوي الترشح مجددا للمنصب.
المسالة الأخرى متمثلة في المسار التأسيسي والمسار التشريعي، وتلك قضية أخرى لعلنا نتناولها في مناسبة قادمة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق