الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
إلى أين؟
تونس/الصواب/07/10/2013
منذ مساء
الأحد بدت ضبابية قاتمة على الوضع السياسي في البلاد، ليتقشع الأمر شيئا ما صباح
الاثنين.
كانت خارطة
الطريق التي تم توقيعها من 18 حزبا وطرفا السبت بعد أخذ ورد وتحفظ وسحب للتحفظ من
قبل حركة النهضة، ورفض حزب المؤتمر التوقيع، بسبب الخوف من أن يكون رئيس الجمهورية
مستهدفا بالإقالة هو الآخر، كانت إذن تقوم على 3 محاور من 9 نقاط، يمكن تلخيصها
في:
-استئناف
المجلس التأسيسي أشغاله وإنهاء أعماله خلال 4 أسابيع في أجل لا يتجاوز 4 أسابيع من
تاريخ الجلسة الأولى للحوار الوطني( هل هي السبت 5 أو الاثنين 7 أو الخميس 10
تشرين الأول أكتوبر؟)
- إنهاء
اختيار أعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات وتركيزها في اجل أسبوع واحد
- إنهاء إعداد
وإصدار القانون الانتخابي في أجل أسبوعين.
- تحديد
الآجال الانتخابية في أجل أسبوعين من تركيز الهيئة.
- المصادقة على الدستور في أجل 4 أسابيع
بالاستعانة بلجنة خبراء في أجل 4 أسابيع.
- بالتوازي
مع عودة المجلس التأسيسي تنطلق المشاورات لاختيار شخصية وطنية مستقلة لتكليفها
بتشكيل الحكومة في أجل أقصاه أسبوعا واحدا.
- تتولى
الشخصية المعينة مشاوراتها وتشكيل الحكومة في أجل أقصاه أسبوعان
- تقدم
الحكومة القائمة استقالتها وجوبا في أجل أقصاه 3 أسابيع من تاريخ الجلسة الأولى
للحوار الوطني.
- يتولى
المجلس التأسيسي المصادقة على تكليف الحكومة الجديدة (تكليف(؟)وبدون موعد)
وفي ما عدا
ذلك فإن الديباجة اتخذت إحتياطات عديدة
ومنها طبيعة الحكومة ومنع أعضائها من حق الترشح، وإتمام وتنقيح التنظيم المؤقت
للسلط ، وعدم القدرة على إسقاطها إلا بثلثي أعضاء السلطة الدستورية بما يعني
تقييدها.
**
ماذا يعني
هذا النص، وما هو مدى الزاميته ، وهل يرتفع إلى مستوى يفوق مستوى الإلتزام
الأخلاقي، إلا إذا نص تعديل في الدستور الصغير. وهل يمكن فعلا الالتزام بالمواعيد
الضيقة التي حددها؟
وما هو
الموقف من الجهات الثلاث من بين الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي التي لم توقع
عليه.
كل هذه كانت
أسئلة مطروحة يوم السبت ويوم الأحد حتى طرأ تطور جديد نزل نزول الصاعقة ، جاء هذا
التطور من الطرف الأقوى أي حركة النهضة بعد اجتماع مجلس الشورى المنبثق عنها. وهو
ما اعتبر من قبل المراقبين السياسيين
تراجعا بمائة وثمانين درجة، عن
النص الموقع من قبل رئيس حركة النهضة الأستاذ راشد الغنوشي يوم السبت.
ولعل النقاط
الخمس الأهم في هذا النص والتي تعتبر في تناقض كامل مع نص خارطة الطريق هي
التالية:
) 1ضرورة الإسراع باستكمال المسار الانتقالي بالمصادقة على الدستور وإجراء
انتخابات شفافة تحقق الاستقرار السياسي وتعزز مكاسب الثورة
2 ) الحفاظ على المجلس الوطني التّأسيسي بصلاحيّاته كاملة إلى حين انتخاب مجلس
تشريعيّ جديد.
3 ) المحافظة على القانون المنظّم للسّلط العموميّة باعتباره الإطار المنظّم للحياة
السّياسيّة بالبلاد.
4 ) مواصلة الحكومة الحاليّة أعمالها حتّّى انتهاء المجلس الوطني التّأسيسي من مهامّه
التّأسيسيّة.
5 ) التّوافق على حكومة جديدة ملتزمة بأهداف ثورة الحرّيّة والكرامة.
ويبدو واضحا هنا أن التنصيص على إدخال
تعديل على الدستور الصغير قد غاب تماما، كما إن الحديث عن اختيار رئيس جديد مستقل
للحكومة وتشكيلها قد تم تناسيه، واعتبرت الحكومة القائمة باقية حتى نهاية المهام
التأسيسية، ثم بعد ذلك يأتي التوافق على حكومة لا وصف لها إلا الالتزام بأهداف
الثورة ، ولا تنصيص على أن يكون رئيسها مستقلا ولا أن تكون حكومة كفاءات، ولا أن
يمتنع أعضاؤها من الترشح في الانتخابات المقبلة، ما يوحي بأنها ستكون حكومة ائتلاف
سياسي تسيطر عليها النهضة كسابقتيها.
**
ولا يبدو أن
نص مجلس الشورى، قد أثار ردود فعل كبيرة في الطبقة السياسية ولا في الرباعي الراعي
(الكارتات)،بل لعله لم يكن مدعاة لغضب لدى الشركاء الموقعين،
لماذا هذا.؟
الاعتقاد
السائد أن النص الصادر، يبرز أمرين اثنين:
-
أن هناك خلافات حقيقية تشق الإخوان
-
أن القيادة العالية تعتقد بان الوقت كفيل
بتدوير الزوايا الحادة.
فبعد إرضاء الغاضبين سيجري المرور إلى المواقف الفعلية،
القائمة على التزامات موقعة.
غير أن هناك من المراقبين من يعتقدون أن هناك توزيع أدوار،
للحصول على تنازلات أكبر، من الخصوم
السياسيين خلال الحوار الذي سيجري في العمق، بداية من بعد غد الخميس. ولكن هذا
الهاجس يبدو متبادلا.
وقد ذكر الكاتب امحمد بن ساسي يوم الاثنين:
إن نص مجلس الشورى لا يتمتع بأي قيمة قانونية بعد توقيع
خارطة الطريق من طرف راشد الغنوشي بوصفه رئيسا وممثلا قانونيا للحركة ، فتوقيعه
يتخذ وضع تعهد صريح سياسي باعتبار صفة الموقع وطبيعة الوثيقة الموقعة.
ويضيف الكاتب: " فبالنسبة لصفة الموقع فإن الشيخ
راشد الغنوشي قد تصرف بوصفه الممثل القانوني للحركة، طبقا للفصل 28 من القانون
الأساسي الذي ينص على أن الرئيس يمثل الحزب تجاه الغير ، سواء داخل البلاد أو إزاء
الخارج، وبالتالي فهو ليس في حاجة إلى تفويض خاص لتولي القيام بهذا الدور ، وما
قام به ليس في حاجة إلى تصديق من أي طرف في حزبه.
أضف إلى هذا أن مقتضيات القانون الأساسي هي متفقة تماما
مع مجلة العقود والالتزامات ، من حيث أن تعهد الشخصية المعنوية تأخذ منطلقها وتصبح
غير قابلة للطعن منذ اتخاذه وتوقيعه من طرف الممثل القانوني.
وبالنسبة لطبيعة الوثيقة المتمثلة في خارطة الطريق ،
فإنها وإن لم تكن نصا قانونيا ، فإنها وقد تم قبولها في إطار توافق فهي تصطبغ
بقيمة العقد الملزم.
لكن هذا على أهميته يمثل الناحية القانونية الصرفة، ولما
لم نكن إزاء شركة تجارية، فإن عناصر أخرى تتخذ أهميتها، من حيث المتغيرات
السياسية، ومن حيث عدم الثبات على المواقف، ومن حيث وجود من عدم وجود ألاعيب
ومناورات، قد تكون لها أدوار أكبر من مجرد الناحية القانونية.
ولعل اكبر دليل على عدم الإلتزام لا الأخلاقي ولا
السياسي فضلا عن القانوني، ما حصل مع الالتزام الشهير، باستمرار عمل المجلس التأسيسي
لمدة سنة، ونحن نشارف اليوم على العامين دون أن ننتهي من كتابة الدستور، أو نعترف
بأن شرعية المجلس قد انقضت.
**
هنا يحق التساؤل، إلى أين؟
ماذا سيجري يوم الخميس عندما يجد الجد، ويدخل الحوار
الوطني في المرحلة (الصندي) كما أخذ يقال.
هل سيضع النهضاويون القليل من الماء في طاحونتهم لتدور،
أم إن الجهة الأخرى مضطرة لتقديم مزيد تنازلات موجعة أكثر مما قدمت.
-
لنلاحظ أولا أن البلاد مر عليها شهران ونصفا
وهي معطلة الحركة كما لا يقال، والوزارات تتحرك بجزء من طاقتها في انتظار ما
سيحصل.
-
لنلاحظ أن ما حصل في مصر ترك ظلاله ـ حتى وإن لم يقع الاعتراف بذلك ـ على النهضة التي باتت أميل وخاصة العقلاء منها
لتليين المواقف.
-
- لنلاحظ أن وضع البلاد
وأزمتها لم تعد مطلقا تحت السيطرة، وأن الأمر إذا استمر لا يستغرب أن يولد( بتشديد
اللام وجرها) الانفجار، وربما ترتفع درجة الاضطراب، وتصل مرحلة العصيان المدني.
-
لنلاحظ ، أن جبهة الإنقاذ على الرغم من
ارتفاع لهجتها، تشعر بان القدرة على التعبئة التي شهدتها في شهر آب أغسطس/ أيلول سبتمبر عندما دفعت للشارع بمئات
الآلاف خفتت إلى حد كبير.
-
لنلاحظ أخيرا أن الأوضاع قد تكون نضجت ، للمرور لتنفيذ صفقة غير معروفة
المحتوى ، والتي قد تكون جرت بشأنها اتفاقات سرية بين الباجي والغنوشي في لقاء باريس، ومن يدري
ربما غيره، تلك قصة أخرى ،إذا صحت فستكون لها تداعيات كبرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق