Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 13 أكتوبر 2013

الموقف السياسي - هل تسير البلاد إلى الكارثة؟

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
السيناريوهات المحتملة
تونس /14/10/2013
ليلة العيد وبعد انقضاء 10 أيام على حفل افتتاح مؤتمر الحوار الوطني، بإشراف الراعين الأربعة(الكوارتات)  يبدو رغم ما يقال، إنه لم تقع الإجابة على الإنتظارات التي كانت مأمولة، يوم السبت قبل الماضي.
ورغم أن النهضة وقعت على وثيقة خارطة الطريق، دون تحفظ ومن قبل مسؤولها الأول، المؤهل للتعهد باسمها، فإن الموقف المعلن للحركة ما زال إن لم يكن غامضا، فإن ما اتضح منه هو أن الضبابية الكاملة تحيط به، وبالتالي تحيط بالمتوقع خلال الأيام المقبلة.
قراءة للوثيقة تبرز أن الحوار الوطني في جزئه العملي، سيبدأ وبصورة متزامنة مع إعلان رئيس الحكومة عن مبدأ الاستقالة بعد 21 يوما، وعودة النواب المنسحبين، وبقية النقط الأخرى التي تم حفظها عن ظهر قلب.
لكن ملاحقة التصريحات التي يطلقها النهضويون بمن فيهم رئيس الحكومة، تبرز أن لا شيء من تلك الرزنامة مطروحة للتنفيذ بداية من يوم انطلاق الحوار الوطني ولا بعده.
وأن الحكومة باقية حتى تستكمل مهمتها أي إتمام عملية السيطرة على مفاصل الدولة، وترتيب النجاح في الانتخابات، وفقا لما قاله وزير النقل عبدالكريم الهاروني وما معناه ، من أن حكم النهضة هو عطية إلهية، والنهضة لا تنوي التفريط فيها.
**
في ظل هذا ما هي السيناريوهات المحتملة؟
هنا لا بد من قراءة متأنية لا فقط لمواقف النهضة بالخصوص التي تبدو متذبذبة، ولكن أيضا بالأولوية لنتائج الحوار الجاري، ومدى احترام الأطراف لتوقيعها.
أولا:  إن النهضة قد التزمت بما لا يدع مجالا للشك بخارطة طريق واضحة المعالم، تبدو التصريحات المختلفة، ومنها التصريح الأخير لرئيس الحكومة مناقضة لها، وإذ لا يجدر بالمرء أن يتحدث عن انقسامات داخل الحزب الحاكم فذلك أمر غير وارد في حزب يتمتع بروح انضباط عالية جدا، فما هو التفسير الممكن لاختلاف المواقف بين رئيس للحزب وقع وأمضى والتزم، وما يقال في تناقض واضح مع ذلك التوقيع والالتزام، هل هو توزيع أدوار؟.
إن توقيع الأستاذ الغنوشي من الوجهة القانونية ليس ملزما له وحده، بل ملزم لكل الحزب، ما دام هو ممثله القانوني بحكم نصوص الحزب، وحتى باعتبار ما جاء في مجلة العقود والالتزامات.
ومن الناحية القانونية فإن هذا التوقيع هو تعهد نهائي غير قابل للفصم، أو التراجع، خاصة وأنه صادر عن الجهة المؤهلة قانونيا، ولكن لا بد من التذكير بأن هذا التعهد هو تعهد قانوني،  يحتمل التراجع بقوة القرار السياسي، خاصة من قبل حزب حاكم يبدو أن لا مرد لقراره، لكن مثل هذا التراجع إذا ما حصل له تبعات ونتائج:
-         هل إن مثل هذا التراجع يعتبر سحب ثقة ممن وقع وأمضى، وفي مثل هذه الظروف عليه إما أن يستقيل أو يقال.
-         هل يسير من وقع وأمضى في طريق التنكر لتوقيعه وإمضائه ، ويبقى على رأس حزبه وفي قيادته العليا كرئيس للحزب، رغم ما يبدو من صفعة قوية.
-         ولكن هل يعفي مثل هذا التراجع مهما كانت صوره الحزب نفسه، من تبعة التزامه وتوقيعه، قانونيا، لا ولكن، وفي بلد مثل تونس كثيرا لا يكون للقانون معنى فيه ، فإن على المجتمع أن يبلع هذه الحية كما بلع وسيبلع حيات أخرى مع النهضة. وذلك لعدة أسباب بعضها تكتيكي وبعضها الآخر لا يعدو أن يكون مجرد ربح للوقت.
**
في مثل هذه الحالة وهي واردة بشدة ، باعتبار أن الخطوة الأولى المتوقعة عند انطلاق الحوار الفعلي على الأقصى في 22 من الشهر الجاري، هي المتمثلة في إعلان رئيس الحكومة عن نيته في الاستقالة ، مع تولي النواب المنسحبين العودة لمقاعدهم في المجلس التأسيسي، وانطلاق المشاورات لاختيار رئيس جديد للحكومة يكون "مستقلا" وممثلا "لكفاءة عالية"، غير قابل للترشح للبرلمان المقبل، لا هو ولا أعضاء حكومته، في مثل هذه الحالة، ما الذي سيحدث؟
كان بإمكان النهضة أن تقبل بكل خارطة الطريق، ولا ترفضها عمليا كما جاء على لسان رئيس الحكومة على العريض، ثم تضع العصي في العجلات باستعمال حق فيتو معطل، على كل اسم مقترح، ولكن يبدو أنها أو على الأصح كوادرها العليا (ولعل أيضا قواعدها) اختارت المواجهة المباشرة بلا مواربة.
لنقل إن النهضة ربما كانت تعلن عن مواقف مناهضة، وخاصة على لسان رئيس الحكومة، لأسباب تكتيكية، بقصد الحصول على أقصى ما يمكن من تنازلات من الطرف المقابل.
ولكن يبقى ذلك مستبعدا، ومن هنا يمكن الوقوف عند اثنين من السيناريوهات المحتملة:
السيناريو الأول هو المواجهة المباشرة ، والوصول إلى حالة انغلاق كامل، عندها يلجأ الطرف الذي يعتبر نفسه على حق بحكم الالتزامات الموقعة، إلى تصعيد يذكر بما حصل في شهر آب أغسطس ، فتنسد الآفاق تماما، في هذه الحالة يمكن تصور عدة تحركات قوية ، ربما بمشاركة اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة وعمادة المحامين، وهي تحركات  لها سابقة وحيدة في تاريخنا ليس فقط المعاصر بل بالمطلق، تتمثل في إعلان إضراب عام لم يحصل مثيلا له إلا في سنة 1952، إبان ما سمي بالمعركة الحاسمة، حيث أضرب العمال والموظفون والتجار والصناعيين والوكلاء( المحامون وقتها) وقتها، لمدة طويلة ، وأصاب الحياة شلل تام.
هل يمكن الوصول إلى ذلك الأمر، الشبيه بما عاشته فرنسا ذاتها في شهر أيار مايو 1968.
طبعا ممكن ذلك، ولكنه يتطلب أولا قدرة على التعبئة من جهة وطول نفس من جهة أخرى، وأي حكومة لا يمكن أن تحتمل مثل ذلك الضغط، هذا إذا لم تنفجر من الداخل باستقالة وزراء، لا تقبل أحزابهم أو الجهات التي ينتمون إليها ، بتراجع فاضح عن التعهدات، كما تمارسه النهضة، ويمكن أن يصل مثل هذا التحرك إلى عصيان مدني يوصف بأنه سلمي، ولكنه في النهاية عمل عنيف في إطار غير مسلح.
والعصيان المدني هو أقصى ما يمكن ممارسته كعمل نضالي، من شأنه أن يحرم الحكومة من مواردها الجبائية وغير الجبائية فيشل حركتها، وقد تمت ممارسته في سنة 1952 تجاه فرنسا، كما تمت المطالبة به من قبل أحد القياديين النقابيين، عبد الرزاق غربال في أواخر 1978، وتمت محاكمته من أجل ذلك.
لكن السلطة في مثل هذه الحال، وهي على الضعف الفعلي الذي هي عليه، برغم ما يقولها رئيسها، لا يمكنها أن تحاكم لا قيادات سياسية ولا نقابية، ولا مجتمعا بكامله إذا انخرط في تحرك جماعي من هذا النوع.
السيناريو الثاني هو ذلك الذي يدفع بالنهضة إلى التعقل قبل أن تصل الأوضاع إلى هذا الحد، الذي لن يزيد البلاد إلا انزلاقا نحو المجهول، أكثر من الانزلاق والفشل الذي أصابها.
وهو سيناريو قد تسير النهضة إلى طريقه إذا ما تأكدت من أن حالة التعبئة الشعبية فعلية، بدونه يخشى على البلاد أن تدخل في متاهات خطيرة، باستعمال الخلايا النائمة حاليا، مثل روابط حماية الثورة أو السلفيين  لفك الحصار عن سلطة تعتقد أن وصولها للحكم هو عطية إلهية  وان عليها أن تحتفظ بتلك المنحة الإلهية ،ويكون ذلك هو السيناريو الكارثي.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق