Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

الموقف السياسي: من أجل مواجهة الإرهاب، حكومة جديدة، واكتتاب وطني للتسليح وتطوير الأعداد

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بعد الدمار
تونس / الصواب/21/10/2013
عند كتابة هذا المقال الذي أجلته إلى أبعد مدى، وذلك لانعدام الثقة في أن يفضي الحوار الوطني إلى نتيجة، قررت أن أدخل المغامرة، وكلي إشفاق من فشل باق بقوة، وإن كان التحليل المنطقي ـ وهل هناك من منطق لدى الترويكا وخاصة النهضة ؟ـ
و لعل النقطة الوحيدة التي تدعم احتمالات نجاح الحوار الوطني هي المتمثلة، في أن أعداد من قيادات النهضة تستعجل الخروج من الحكم، الذي أخذ بعضها، يعترف بأن الوقت لم يكن مناسبا لدخوله قبل عامين من الآن.
وإني لأذكر لقاء في بيت الأستاذ الكبير مصطفى الفيلالي ربما كان في حزيران يونيو 2011، وكان قد اتضح بأن النهضة مرشحة للفوز بأغلبية نسبية، كان ذلك بحضور الدكتور حمودة بن سلامة، والدكتور المنجي الكعبي والأستاذ الطاهر بوسمة، والدكتور زياد الدولاتلي، تداولنا الأستاذ مصطفي الفيلالي وأنا على القول بأنه ليس من مصلحة النهضة أن تستلم الحكم في تلك الفترة، وأضفت إلى ذلك قولي، وهو موقف دائم عبرت عنه في جريدة الصباح منذ سنة 1989 يوم إجراء الانتخابات  بقائمات للنهضة سميت مستقلة وبنفسجية وهي الانتخابات التي تم تزويرها ، وكنت أرأس تحرير الصباح حينذاك، وكنت قلت وقتها  أني أقف مع حق النهضة في التنظم  في حزب ( وكان ذلك القول يعتبر شجاعا آنذاك) ولكني أدعو لعدم التصويت لها، وهو ما أثار يومها حفيظة الأستاذ راشد الغنوشي.
غير أن النهضة وبعد أن حصلت على حوالي 40 في المائة من مقاعد المجلس التأسيسي في انتخابات 23 تشرين الأول أكتوبر 2013، أصرت على أن تستلم الحكم، وكان لا بد لها أن تبحث عن حلفاء لها، فوجدتهم في زاحفين على بطونهم من أجل كراس لا تسمن ولا تغني من جوع، وبصلاحيات أقل من محدودة ، استلمت  إذن السلطة منذ ما يقارب السنتين، وكانت الحصيلة دمار في دمار للبلاد، وكلمة الفشل هنا ضعيفة عن التعبير عما حصل.
و رغم النفي المتكرر من أن عهد النهضة كان فاشلا، وخاصة من طرف رئيس الحكومة الحالي علي العريض، فإن الحديث مع عناصر بارزة من النهضة تعترف بأن عهد العامين الأخيرين، لم يكن ناجحا، وبأنه أضر بالنهضة أيما ضرر.
وإذا كان من الطبيعي لأي حكومة في العالم ، وفي دولة ديمقراطية، أن تعرف التراجع شعبيا ، فإن النهضة قد شهدت انزلاقا كبيرا نحو الخلف، وهي اليوم تقف حسب عمليات سبر آراء متطابقة  في مرتبة ثانية( وبعيدا) عند ما بين 28 و31 في المائة من نوايا التصويت،فإن حليفيها المنبطحين قد نزلا إلى حدود دنيا غير ذات معنى، ولعل تلك الأرقام هي القاعدة الأساسية لحزب ديني، تلتقي حوله الجهات التي تحركها العاطفة العقائدية ، المنغرسة بقطع النظر عن المصلحة الوطنية.
و النهضة راوحت موقفها بين القبول والرفض، لمقتضيات حوار وطني، وتراوح الموقف بين البرودة الثلجية والحرارة المحرقة، فإنه لم يعد يفصلنا عن ساعة الحقيقة إلا يومين لتتضح المواقف، واليوم يبدو معلنا أنه سيتم يوم 23 تشرين الأول أكتوبر وفي تزامن مطلق:
-         عودة المقاطعين للمجلس
-         إعلان حكومة العريض عن مبدأ استقالتها بعد 21 يوما
-         التوافق خلال أيام على اختيار رئيس جديد لحكومة كفاءات أو حكومة مستقلة محدودة العدد لا يترشح أعضاؤها في الانتخابات المقبلة
-         ويبدأ بعد ذلك تنفيذ رزنامة تمتد لمدة شهر يجري فيها اتخاذ خطوات من بينها إنهاء النظر في الدستور والقوانين السياسية وتشكيل حكومة تتولى تعويض حكومة العريض.
**
هذا هو الأمر المتوقع إذا سارت الأمور على وجهها، ولكن:
-         ما الذي سيحدث لو أن العريض لم يعلن رسميا عن مبدأ الاستقالة خلال 21 يوما؟
-         ما الذي سيحدث لو أن التوافق حول اسم رئيس الحكومة الجديد لم يحصل خلال أسبوع؟
-         ما الذي سيحدث لو أن خلافات ستنشب بشأن الوزراء الذين سيقترحهم رئيس الحكومة المعين؟.
-         ما الذي سيحدث لو أن رئيس الجمهورية منصف المرزوقي، لا يدعو رئيس الحكومة المتفق عليه لتشكيل حكومته، وما الذي يحدث لو أن الرئيس لا يوافق على هذا الوزير أو ذاك؟
-         ما الذي سيحدث لو أن المجلس الوطني التأسيسي لا يوافق بالأغلبية البسيطة على تلك الحكومة؟
-         وما الذي سيحدث لو أن المجلس الوطني التأسيسي ، لم يحصل بين أعضائه التوافق على نقط الخلاف بشأن بعض بنود الدستور، وديباجته ، والفصل 141 منه، والأحكام الانتقالية التي يراد بها بناء صرح دولة دينية لا مدنية.
-         هذا عدا نقط أخرى عديدة.
**
 لكن دعنا نكون إيجابيين ونفترض حصول الوفاق على كل هذه النقط، وبناء المستقبل، بروح من الثقة المتبادلة، فماذا يكون عليه الوضع؟
أولا أن الحكومة الجديدة ستكون في مواجهة حالة كارثية حقيقية، ولعله سوف يكون من الصعب جدا أن يقبل أي كان بوراثة حكومة أوصلت الدولة التونسية إلى حالة الدمار هذه:
-         دمار سياسي لعل آخر مظاهره  طرد الرؤساء الثلاثة، من قبل حاملين للزي مفترض فيهم الانضباط الكامل، لو  لم تنزل قيمة الدولة إلى هذا الحضيض، ما يبرر مقولة الأستاذ مصطفى الفيلالي وهو أحد بناة الدولة العصرية: " هل بقيت في تونس دولة؟"
-         دمار أمني في بلد لم يعد فيه المرء آمنا على حياته وجسده ورزقه.
-         دمار نفسي بعد أن وصل الأمر بالحكم على فتى وفتاة كانا يقبلان بعضهما، وإني لأذكر هنا ما قاله لي رئيس محكمة تعقيب سابق، عندما عرضت عليه قضية زنا، تعلقت برجل وامرأة كلاهما متزوج عندما قال لزوج المرأة: ما هي مصلحتك في الإصرار،  ودفع زوجتك للسجن والنيل من سمعتها التي هي في النهاية سمعة أبنائك(استر ما استر الله)، وكان أن سمع الرجل نصيحة القاضي وعمل بها، واكتفى بتطليق الزوجة"الخائنة"، هنا ماذا سيصيب سمعة الفتى والفتاة من دمار عائلي ، يصيب شخصيهما ، ويصيب عائلتيهما، ويصيب مستقبل كل منهما.
-         دمار في الشعور بالعدل والإنصاف ، عندما يعفى قضاة بقرارات وزارية، ويعاد لهم الاعتبار بموجب قرارات من المحكمة الإدارية، وعندما يحتفظ بمتهمين في الســجن ( مهما كان الجرم إذا كان هناك جرم) رغم قرارات تعقيبية ،مفترض أنه لا يعلى عليها شيء، بإطلاق السراح .
-         دمار اقتصادي في بلد زادت مديونيته بـ 10 في المائة في ظرف عامين ( بزيادة 25 في المائة عن سنة 2010)، خاصة وأن هذه المديونية المفرطة لا يتم إنفاقها في سبل التنمية، بل لتغطية استهلاك الدولة، وهي لا تنتج ثروة بل تفقر البلاد، وفي حالة من هبوط المستوى الفعلي للدخل الفردي، وفي حالة من نسب تنمية منخفضة جلها متأت لا من زيادة في الإنتاج بل في نفقات إدارة متضخمة عدديا ومتضخمة إنفاقا، وكل نفقاتها تحسب على أنها نسبة نمو، وفي بلد فاق فيه عدد الموظفين وأشباههم 500 ألف ويزيدون لعشرة ملايين أو 11 مليون ساكن ( موظفو الدولة الأمريكية الفيدرالية 800 ألف لـ300 مليون ساكن.
دمار اقتصادي لانفلات في عجز ميزانية الدولة بدون ضوابط، ولتأخير اتخاذ القرارات اللازمة، دمار اقتصادي لعجز فادح في ميزان المدفوعات تقع تغطيته بمزيد المديونية.، دمار اقتصادي يتمثل في انزلاق للدينار غير مسبوق وفي هذا الوقت القصير.
-         دمار تعليمي سوف تظهر نتائجه المدمرة بعد سنوات، حيث لا يمكن إصلاحها إلا بعد جيل كامل، وهو دمار بدأ مع العهد السابق وتتواصل مظاهره مع حكم النهضة وتتعمق.
-         دمار مجتمعي يتمثل في التساهل بقصد تغيير نمط المجتمع ولعل النهضة كانت أولويتها هي محاولة تغيير نمط المجتمع، وهيهات هيهات أن ينجح أحد في ذلك، مهما حاول،  وهذا الدمار ناتج عن محاولة  إدخال أساليب في التعامل غريبة عن ديننا كما عرفناه، عن مالكيتنا الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وقد وصل الأمر بالكثيرين للقول بأنهم لم يعودوا يذهبون لصلاة الجمعة، حتى لا يسمعوا سبابا  في خطب الجمة والعيد ،يقصدهم في طريقة تعاملهم مع الدين، ورثوها عن آبائهم وما تعلموه عن مشائخ هذه البلاد، من زيتونة كانت دائما منفتحة ، لعل رسالة أحد المشائخ الكبار في القرن التاسع عشر لمحمد بن عبد لوهاب ردا على رسالته تقوم دليلا على عمق التجذر الديني للمواطنين  ورفض الأغلبية لما يريد أن يفرضه عليهم دعاة، أصبحوا وفقا لسياسات معينة هم المرجع ، لحكم سنتين.(ننشرها في الهامش إلى  جانب هذا)
-         وأخيرا وليس آخرا إرهاب أعمى، استهدف مدننا وقرانا وبلغ عاصمة بلادنا ، ورجالات من أفضل ما عندنا ، فكرا نيرا وممارسة فوق كل الشبهات، وأبناء لبلادنا نذروا أنفسهم للذود عنها، فإذا بالسكوت عن سلفية  إرهابية ( ليس كل السلفية) تدخل بلادنا الآمنة في أتون مغامرات ، نعرف كيف جاءتنا ، ولا يعرف أحد متى ينتهي جرمها.
**
لكن وأمام كل هذا، ما هي المهام الموكولة لحكومة جديدة ترث وضعا مدمرا ، ويبدو من السهل نظرا لبكارتها أن تطلب من الشعب فترة انتظار، كما تطلب منه تضحيات ضرورية:
أولا لنقل إن الحكومة الجديدة لا بد أن تصارح المواطنين بالوضع الكارثي الذي كم أخفته عنهم الحكومات السابقة النهضوية.
ثانيا: لا بد من المصارحة بأن الخروج من هذا الوضع يتطلب بداية اتخاذ قرارات شديدة المرارة ، لكن ضرورية لتقويم الوضع وعدم زيادة التدهور، في انتظار أن تأتي حكومة مسؤولة ، تفرزها أغلبية انتخابية يؤمل أن تكون مفتوحة العيون على الأخطار المحدقة بمستقبل البلاد، نتيجة سياسات خاطئة وغير مسؤولة مورست خلال العامين الأخيرين.
ثالثا: وفي وقت متزامن ولفترة حكم الحكومة الجديدة، تنظيف جهاز الدولة من القوى الموالية والتي كان الغرض منها السيطرة على مفاصل البلاد، وضمان تأبيد حكم النهضة، من ذلك حل روابط ما يسمى بحماية الثورة، ومحاسبة مأتى الأموال التي تنعم بها تنظيمات، تولت القيام بأعمال مشبوهة.وأحزاب  وجمعيات لا يعرف أحد مصادر تمويلها أو إن عرفت فإنها وأهدافها مشبوهة.
رابعا: وأخيرا ليس آخرا فتح اكتتاب وطني لتمويل تطوير الجيش والقوى الأمنية ، بزيادة أعداد أفراد القوى المدافعة عن هذا الوطن، ومجابهة الإرهاب، وكذلك بالتمكن من تسليح القوى المسلحة من جيش وأمن وحرس، كما إن هذه الحكومة مطالبة بأن تطلب من القوى  المجاورة والدولية التي تهمها تونس ومستقبل المنطقة، أن تقدم المساعدات المادية اللازمة لتمكين البلاد من الدفاع عن نفسها تجاه الإرهاب، من تمويلات ، وتجهيزات تفتقر إليها البلاد، وربما تفوق إمكانياتها المالية.
إن قضية الإرهاب هي قضية تتجاوز بلادا بعينها، وذيولها تهم لا فقط المنطقة بل أجزاء مهمة من العالم، ولذلك فإن مقاومته ليست قضية بلد بعينه بل المجتمع الدولي.
وتلك كلها مهام صعبة جدا بعضها لا ينتظر، ولا تستقيم بدونه انتخابات مقبلة، وبعضها الآخر يجدر البدء بتنفيذه، ويتطلب آمادا قد تتجاوز الفترة المقبلة، التي ربما تمتد إلى ما بين 6 و8 أشهر حتى إجراء الانتخابات.

                                                                                                                                          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق