Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

بكل هدوء - قبلاط ،، ما قبلها وما بعدها

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
قبلاط
تونس/الصواب/21/10/2013
من أين أبدأ؟
بدون جدال .
من دمعة  حرى ذرفتها على هذين البطلين الشهيدين. ضحايا الغدر من جهة . وضحايا التقصير من جهة أخرى.
كل أحاسيسي تذهب تضامنا مع الأرملتين، مع الأطفال الأيتام مهما كان سنهم، مع الوالدين الثكالى ،، كل هؤلاء الذين ما كانوا ينتظرون أن يذهب ذويهم ضحايا للإرهاب.
ولكن أيضا ضحايا للتقصير،، لأنهم قضوا نتيجة لعدم وجود استخبارات جديرة بذلك الاسم.
تحمس الكثير منا لما سمي في حينه بحل البوليس السياسي، ولكن العارفين بحقيقة الأمور كانوا يدركون خطورة اتخاذ ذلك القرار، من أناس لم يخبروا السياسة ، تنقصهم في نفس الوقت التجربة والدراية والكفاءة.
واليوم نحصد نتيجة تلك القرارات الارتجالية التي اتخذها شخص لا هو في العير ولا في النفير ، تولى وزارة الداخلية  لفترة قصيرة ، وفي عقر الدار تمت سرقة معطفه، وتليفونه من مكتبه، وغطت عليه حكومة كانت تبحث عن توازن مفقود في تلك الأيام العصيبة من الأشهر الأولى للثورة.
و إني لأذكر في ما أذكر، كيف دعاني السيد أحمد بنور كاتب الدولة للأمن الوطني في أحد أيام سنة 1981 أو 1982 إلى مكتبه، وسلمني كتابا ضخما طلب مني أن أكتفي بقراءته، دون تسجيل شيء منه.
وكان ذلك لي درس عميق في معنى العمل الإستخباراتي، وإذ خصص جانب منه(الكتاب) للحديث عن الصحافة كمصدر مهم من مصادر الاستعلام، وأشاد بدور جريدة الصباح كأقوى صحيفة في البلاد، فإنه أكد على أمرين اثنين:
-         أحدهما يتمثل في الدور الضروري لـ "أستفيد" مع ضرورة مقاربة المعلومات ببعضها بعضا والتأكد من مصادرها، وعدم إهمال ما يأتي منها مهما بدا صغيرا وضعيفا، وإخضاعه للبحث والتدقيق. فضلا عن الاستعلام غير القانوني ولا الأخلاقي المتمثل في التنصت.
-         ثانيهما النظرة العامة التي تبرز الظواهر ، وقد ترشد إلى مجالات الاهتمام الخاصة أو المهمة. وكانت وزارة الداخلية أيامها على ما فهمت قد استحدثت ما يشبه مركزا لسبر الآراء، يتولى استطلاع توجهات الرأي العام.
ولقد كانت تلك فرصة لي لأن أتعلم شيئا جديدا في عوالم السياسة.
في تلك الأثناء كنت على اتصال كبير بعدد من رجال السياسة والإدارة بمختلف مستوياتهم، وكان لي كأي صحفي يحترم نفسه، كنش تليفونات مليء ، يجعلني حتى قبل وصول الموبايل على قدرة الاتصال بأي وزير أو أي مسؤول نافذفي أي وقت من النهار أو الليل، ونتيجة لذلك كنت جد مطلع على ما يجري، وقد اكتسبت صداقات فعلية بقي بعضها لليوم.
وقد تعلمت من الأساتذة الكبار في مجال الصحافة، أنه بقدر ما ينبغي قبول الدعوات لأنها مصادر جيدة للحصول على المعلومة، بقدر ما ينبغي للصحفي أن يكون قادرا على الاستضافة في محاولة للمساواة في التعامل ونفي أي شعور بالتبعية، ولقد ساعدني أيامها في ذلك يسر مادي ناتج عن مراسلة صحف ومجلات أجنبية، كانت تبذل مرتبات جيدة، وتمكنني من أن تكون يدي عليا في غالب الأحوال، فلا أكون مدينا لأحد، ولا أسعى لأن أكون الضيف الدائم على موائد المسؤولين دون "رد الجميل".
وقد توليت لعدة مرات دعوة رجالات من الاتجاه الإسلامي على الغداء، في وقت كان الكثير من الثوريين اليوم يتجنبونهم.
وإذ عرض علي لأكثر من مرة أن أتولى مد جهات في وزارة الداخلية، بما يتيسر لي من معلومات (طبعا بمقابل) فإني رفضت ذلك دائما، وقال لي مرة مدير عام للشؤون السياسية، إن الصحفيين وغيرهم  يقومون بذلك عن طيب خاطر خدمة للوطن، وأجبته بأن ما يتوفر لي من معطيات إما أني أنشره على أعمدة الصحف، أو أطويه في صدري إن لم يكن متيسرا لي نشره.
وإني أتحدى أيا كان سواء من وزارة الداخلية، أو غيرها، أن يثبت يوما علي أنه وقع استخدامي كمخبر ،  وإني أنتظر بفارغ صبر أن يتم نشر قائمة المتعاملين في هذا الصدد حتى يتبين الحق من الباطل، و أي حكم مهما بدت التناقضات بين العهود المختلفة، يبقى في حاجة لأولئك العملاء، ، ولأنه يسهل ابتزازهم باعتبار ماضيهم وحرصهم على أن لا يكشف. ولأنه أيضا، فإن من تعود لا يمكنه أن يقطع عادة، خاصة إذا  مكنته من وفرة مادية.
**
في هذا الصدد كيف يمكن للمرء أن يقبل بمنطق تواجد 20 أو 25 فردا، بالإضافة إلى أن من بينهم أجانب  عن المنطقة، دون أن يكشف أمرهم.
فلا تتوجه إليهم إلا مفرزة من الحرس الوطني من 3 أفراد ليسيطروا عليها ويقتلون أفرادها ، وهذا يجرنا إلى التساؤل:
أين هو عمدة المكان ؟ وأين المخبرين، وأين التجار الذي يشكلون العمق اللوجيستي لكل مجموعة من هذا القبيل، يأكلون ويشربون ويترددون.
لقد أصيب العمل الاستخباراتي الضروري لكل دولة، والمتاح في أي بلد في العالم وحتى الأكثر ديمقراطية، بنكسة بمجرد قيام الثورة، ثم أصيب في مقتل بعد أن عمدت النهضة إلى تغيير غالب العمد ، وعينت الموالين، الذين قد يكونوا من أهل الثقة(أي الولاء) ولكن لا تتوفر لديهم الكفاءة المتمثلة، في معرفة الناس، وتعقب الحركة، وهي أشياء ضرورية في كل دولة، وفي سويسرا مثلا تجد أن كل الناس تقريبا يقومون تطوعا بهذا العمل، فيعلمون الشرطة بكل التحركات الغريبة، وقد ذكر لي تونسي يشتغل في جنيف أنه تم تعقبه بعد " وشايات" ضده بأنه يستورد لحما بكميات كبيرة في سيارته أسبوعيا عبر الحدود من فرنسا.
والضابطان من الحرس ذهبا للواقع ضحية انعدام عمل استخباراتي جدير بهذا الاسم، فذهبا صحبة ثالث ، إلى وكر لم تكن جاءت إفادات بأنه يمتلئ إرهابيين، يكدسون السلاح ولا من علم ولا من درى.
ولذلك فإن قتلهم أو جرحهم، ليس مناطة مسؤوليته  فقط برقبة الإرهابيين، بل برقبة سلطة لم توفر لأبنائها "لخدمها" و"خدم" الوطن، الحماية التي هم جديرون بها، ولذلك فإن مسؤولية السلطة هنا حاضرة، كما كان الأمر في الشعانبي ، عندما قتل ثمانية من الضباط وضباط الصف والجنود غيلة وغدرا، وكما هو الشأن في المناسبات الأخرى. ومنها الاغتيال السياسي.
إن مسؤولية الحكم، تبقى مسؤولية ثقيلة، والمقصرين لا بد أن يدفعوا الثمن السياسي الغالي عدا احتمالات دفع أثمان أخرى.
وإذا كان طرد الرؤساء الثلاثة من حفل تأبين القتلى في العوينة، من قبل حاملي الزي، وتجاه رجال يرمزون إلى الوطن تماما كالنشيد الوطني والعلم الأحمر والأبيض، رغم كل المسؤولية التي يتحملون عبئها، يبقى  أمرا غير مقبول تحت أي سماء ، وبالذات ممن يحملون ( بكسر الياء وفتح الميم)عادة على الانضباط، فإن غضبهم( أي حاملي الزي) يبقى مفهوما رغم أنه غير مبرر، وبالتالي فإن العلاج لا يكون بالعقاب، الذي لا يزيد النفوس إلا توترا، ويمكن أن يؤدي إلى مزيد القطيعة بين رجال مدعوون لحماية الوطن، وقيادات سياسية محمول عليها تولي العلاج الملائم وغير الصادم، إن لاعب الشطرنج يتعلم أمرا في غاية الأهمية،هي أن لا يحرك قطعة إلا بعد دراسة التحريكات المحتملة من الطرف المقابل حتى لا يسقط في فخ  الخسارة من حيث أراد الفوز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق