Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 5 فبراير 2015

الموقف السياسي : اجتازت الحكومة حاجز البرلمان ، فهل ستجتاز حاجز الشعب والشارع بنفس السهولة

الموقف السياسي (2)
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
العمر الافتراضي للحكومة الجديدة
تونس/ الصواب 06/02/2015
بعد استقرار حكومي متواصل يكاد يبلغ حد الجمود مع الأنظمة الرئاسية مدى الحياة سواء في المرحلة الأولى البورقيبية المعلنة أو في المرحلة الثانية البن علية غير المعلنة ( 30 سنة و23 سنة)، ها هي تونس تشهد تشكيل سابع حكومة لها في ظرف 4 سنوات ( حكومة محمد الغنوشي الأولى ثم الثانية وحكومة الباجي قائد السبسي ثم حكومة حمادي الجبالي ثم حكومة علي العريض وبعد ذلك وبنهاية حكم النهضة ( على الأقل افتراضيا ) حكومة مهدي جمعة، وها هي حكومة الحبيب الصيد تتربع على عرش الحكم (؟)).
فهل يتوقع أن تعيش هذه الحكومة وتستقر، وتنفذ برنامجا، ما زال ضبابيا، أم إنها ستكون قصيرة العمر، في ظل عدم وضوح الرؤية، والظروف التي تشكلت فيها على مرحلتين أو بنسخة أولى ونسخة ثانية.
الجمهورية الثانية تنطلق مع هذه الحكومة الجديدة التي يبلغ قوامها 42 وزيرا بمن فيهم رئيس الوزراء، ولقد سبق للبعض وخاصة الهادي البكوش بعد انقلاب 7 نوفمبر 1987 ، أن أطلق على التغيير الحاصل آنذاك بأنه الجمهورية الثانية ، غير أن الرأي السائد وخاصة بين المختصين في القانون الدستوري ، كان متجها إلى أنه لا يمكن الحديث عن جمهورية ثانية ، في ظل العمل بنفس الدستور، حتى وإن كان تم تنقيحه بشكل جذري في صائفة 1988.
ويأتي القول بقيام الجمهورية الثانية ، من إصرار تونسي على تقليد كل ما يأتي من فرنسا ، وكانت الجمهورية الفرنسية الأولى قد قامت مع الثورة الفرنسية التي تعتبر أم الثورات الكونية،ثم وبعد استقرار إمبراطورية نابليون بونابارت، وسقوطها المدوي وعودة الملكية La Restauration  ، انتهى الأمر لعودة الجمهورية بدستور جديد كان منطلقا للجمهورية الثانية ، وسريعا ما عادت الإمبراطورية مع استيلاء نابوليون الثالث على الحكم ، وهو حكم سقط في 1970بثورة الكومونة La Commune وتحرير دستور جديد أقر الجمهورية الثالثة التي استمر توجدها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، ومع نهاية الحرب والفترة القصيرة التي حكم فيها الجنرال ديغول ، وانتخاب جمعية تأسيسية صاغت دستورا تم رفضه بالاستفتاء الشعبي ، ما اضطر الجنرال ديغول للاستقالة ، وإجراء انتخابات جديدة لجمعية تأسيسية ثانية تولت صياغة دستور كان منطلقا للجمهورية الرابعة، غير أن طبيعة ذلك الدستور المتسم بقلة استقرار حكوماته ، وتداعيات حرب الجزائر الاستعمارية ، أفضى إلى اللجوء للجنرال ديغول مرة أخرى ، والذي كان وراء صياغة دستور جديد ، حقق لفرنسا حدا كبيرا من الاستقرار الحكومي وكان دستور الجمهورية الخامسة التي ما زالت مستمرة منذ 1958.
إذن هذه هي جذور البحث تشبها بفرنسا على ترقيم للجمهوريات، وإذا ساير المرء هذا التمشي ، فإنه يحق فعلا القول بأن البلاد باتت تمر بمرحلة جمهورية ثانية ، باعتبارها تعيش تحت مظلة دستور جديد ، هو دستور 27 جانفي 2014.
ليس ذلك فقط بل إن الدستور الجديد حول نظام الحكم من نظام جمهوري رئاسي ، تشكل أصلا على النمط الأمريكي في سنة 1957 حتى قبل إعلان الدستور في 1 جوان 1959 ، إلى نظام وإن وصف بأنه مختلط فهو للحقيقة وفي قواعده نظام برلماني ، بكل محاسن ومساوئ الأنظمة البرلمانية ، مضافة إلى مساوئه طريقة انتخابية تعتمد النسبية المطلقة مع أعلى البقايا ، التي من شأنها عدم قيام، أغلبية برلمانية واضحة تفرز حدا أدنى من الاستقرار ، كما كان شأن الجمهورية الرابعة الفرنسية.
**
إذن تندرج الحكومة الأولى للجمهورية التونسية الثانية برئاسة الحبيب الصيد تحت هذه اليافطة ، المتسمة باحتمالات قلة استقرار ، باعتبار أنها لا تقوم على حزب أغلبي بالمطلق ، بل على جمع تشكيلة من الأحزاب ، في نواح عديدة من خلفياتها متناقضة ، بل لعل تناقضات داخل البعض منها تجعلها شديدة الهشاشة.
ولعل التناقض الكبير الأول هو تناقض في النمط المجتمعي، فالنهضة ، وإن حاولت التخلص من كثير من دغمائية منطلقاتها حتى بعد استلامها الحكم قبل ثلاث سنوات ونيف ، فإنها ما زالت لم تتحول إلى حزب ذو مرجعية مدنية ، على شاكلة الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب ، وهي تنتظر مؤتمرها المقبل للحسم بين توجهين ، لم تستطع أن تحسم بينهما في مؤتمرها الأخير ، التوجه الدعوي والتوجه السياسي، وستمر النهضة بشد وجذب داخلي كبير ، وهي تنخرط في حكومة ذات مرجعية مدنية ، تتناقض هي والتوجه الأول زمن حكومة الجبالي والعريض الذي اعتمد مرجعية دينية ، تعاملت معها الفئات المثقفة بعدائية ، وخففت من تأثيراتها ، يشهد على ذلك ما حصل في ربيع 2012 تجاه الفصل الأول من الدستور.
ويمكن القول أن الأحزاب الأربعة الأخرى المشاركة في الحكومة تحمل توجها مدنيا ، لن يكون للنهضة ، وهي التي وعت الدرس جيدا أن تحد منه ، بحيث ستكون المعركة الأولى هي معركة ، نمط المجتمع لإعادة البلاد وبقوة لما درجت عليه لا منذ  بداية حكم بورقيبة كما يقول البعض، بل منذ ما لا يقل عن 165 إلى 175  سنة مع بدء انفتاح تونس على فكر النهضة الحقيقية ( لا النهضة الحزب الاسلامي) والأنوار.
أما ثاني التناقضات ، فهو ذلك الذي ينبغي أن يحله حزب الحكم حتى لا نقول الحزب الحاكم ، نداء تونس ، داخل صفوفه ، وهي تناقضات تتداخل فيها عناصر ذاتية ، مثل تلك القائمة على مطامع في المناصب ، إلى عناصر موضوعية متعددة منها رفض فكرة التحالف أو الائتلاف مع النهضة أو حتى مع الوطني الحر حتى نسمي الأشياء بأسمائها، هذا فضلا عن التجاذبات داخل حزب الحكم حول القضايا الايديولوجية ، بين ما يسمى بالرافد اليساري الذي يحمل لواؤه الطيب البكوش ومحمود بن رمضان وغيرهم ورافد يميني متعدد التوجهات بين دساترة قدماء ومعارضين سابقين ليبراليين ، وجدوا أنفسهم جنبا إلى جنب وعليهم التعايش فيما بينهم قبل التعايش مع عائلات سياسية أخرى.
ثالث التناقضات يمكن أن يتمثل في دعنا نقول أفكار ليبرالية معلنة  يحملها حزب آفاق ، وربما الوطني الحر إن كان يحمل أفكارا، وأفكارا أكثر منحى اجتماعي قاطعة مع الليبرالية .
 **
حكومة بهذا التشتت الفكري ، وحتى التناقضات الحادة ، ينبغي أن تقودها يد شديدة غير مرتعشة ، هل تتوفر في الحبيب الصيد وللحبيب الصيد؟ ، من هنا يأتي السؤال: ما هو العمر الافتراضي لهذه الحكومة.
يبدو أن هناك حرصا من كل الأطراف بالذهاب بها إلى أقصى مدى، وأن هناك حرصا من الجميع مع الوعي بالتمزق الحاد للمواصلة مع تقديم التنازلات وحتى أكثر من التنازلات.
لكن لا بد من قراءة الحسابات لا الداخلية للحكومة فقط  ، ولا البرلمانية تحت قبة مجلس نواب الشعب فحسب ، بل في الشارع العريض ، الذي ينتظر حلولا سريعة وربما سريعة جدا ، بعد أن قصرت حكومات النهضة ة والمهدي جمعة في القيام بالواجب ، الأولى والثانية لأسباب انتخابية ، لم تفدها مطلقا والأخيرة لسبب جمود فاضح جعلها عاجزة عن مواجهة القضايا الملحة والعاجلة وعدم معالجتها.
هل سيواصل صبر أيوب ، أم أنه ستكون له كلمته ، وعندها يمكن أن تتشتت كل الأوراق.
فترة صعبة جدا ستواجه هذه الحكومة وهي وإن كان عليها اتخاذ قرارات مريرة ومؤلمة للتقويم ، فإن مجال المناورة ضيق أمامها ، ولعل الاتحاد العام التونسي للشغل هو الجهة الأكثر حسما في مساعدة الحكومة أو تثبيط عزائمها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق