Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 25 فبراير 2015

من الذاكرة : بعد 17 سنة اللقاءات الأخيرة مع عبد العزيز بن ضياء

من الذاكرة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
وانتهت أسطورة عبد العزيز بن ضياء
تونس / الصواب /23/02/2015
لم يكن شيء في سبتمبر 1978 يوحي بأن عبد العزيز بن ضياء ، سيعين وزيرا ، ففي تلك الفترة وكان الخلاف بين الهادي نويرة رئيس الحكومة ومحمد مزالي وزير التربية على أشده ، حول التعريب ، وفي وقت أصبحت الموضة عربيا إنشاء وزارات للتعليم العالي ، وجدها الهادي نويرة الفرصة سانحة لتقصيب أجنحة محمد مزالي ، الذي لم يستطع أن يقيله أو يتخلص منه لأن بورقيبة كان يرفض ذلك بشدة  ، وكان هناك إلى ذلك سببان  آخران يزيدان من غيظ نويرة، أولهما أنه أي مزالي رفض بالمطلق إخراج عائلة حسين بن قدور من منزل الوظيفة الذي كانت تشغله في مدرسة أراقو بعد أن زج بالرجل في السجن في ظروف أحداث ديسمبر 1978 ، وثانيا بسبب رفض مزالي إقالة السيدة سعاد بولحية من المعهد الثانوي الذي كانت تديره بسبب وجود زوجها إسماعيل بولحية في صفوف المعارضة.
وكان أول ما وقع التفكير في وزير للتعليم العالي هو الدكتور علي الحيلي عميد كلية العلوم ورئيس جمعية أحباء الطيور ، ولعله تم التفكير في الرجل بسبب ما حصل له عندما احتجز وقتها من قبل الطلبة الإسلاميين في مكتبه بالكلية ، غير أن الدكتور علي الحيلي رفض قطعيا المنصب الوزاري ، وبعد الحيلي اتجه التفكير إلى عميد آخر ، فكان من الصدف أن كان الدكتور عبد العزيز بن ضياء هو أقدم عميد ، إضافة إلى أنه ينحدر من عائلة مناضلة دستورية من الساعة الأولى في مكنين.
تلك هي الظروف التي دخل فيها عبد العزيز بن ضياء الوزارة ، ليضرب الرقم القياسي في الأقدمية الوزارية من 1978 وحتى 2011، مع انقطاعات قليلة ، أي لمدة تزيد عن 30 سنة.
شخصيا كانت علاقتي جيدة مع الرجل، أول بسبب تواضعه ، وثانيا لأنه كان في البداية رجل تواصل ، وثالثا لجيرة جمعتنا في دار على  شاطئ البحر.
ساءت العلاقة تدريجيا في بداية التسعينيات ، وافترقت بنا المواقف ، ولم أكن من  الصحفيين من بني وي وي ، وكان هو من جهته شديد الانضباط لرئيسه بن علي ، وخلال سنة 1988 استشارني أكثر من مرة من بين الكثيرين ممن استشار بشأن التعديل الدستوري الذي تمت المصادقة عليه في صائفة ذلك العام ، والذي زاد من الطبيعة الرئاسوية للحكم، واستحوذ بموجبه رئيس الدولة على صلاحيات تسيير الإدارة التي كانت زمن بورقيبة في عهدة الوزير الأول ، كما إنه في تلك الفترة رفض وبالنسبة لطريقة الاقتراع، أن يدخل جرعة من النسبية كانت مطلب الجهات الديمقراطية ، وقد أدخلت مشوهة بعد ذلك في انتخابات 1994.
منذ ربيع 1993 وبعد أن فرض علي أن أغادر رئاسة تحرير جريدة الصباح، تحت ضغط قوي سلط على الإدارة في الجريدة ، لم أعد أدعى للقصر حتى في المناسبات الوطنية ، بعد أن كنت دعيت أكثر من مرة للقاء رئيس الدولة على انفراد عدا دعوات المناسبات الجماعية.
مرت الأيام ،، وفي أحد أيام شهر نوفمبر 2010 ، وكنت في المستشفى بسبب أزمة قلبية رن تليفوني ، وعلى الخط خاطبني شخص قال لي هنا الرئاسة ، دق قلبي بقوة ، ماذا يريدون مني ..
ثم بعد لحظات ،، سيخاطبك السيد  وزير الدولة عبد العزيز بن ضياء ، وتساءلت ماذا يريد مني بعد 17 سنة من العلاقة المقطوعة مع القصر ، وبصورة عامة مع كل الرسميين.
الحقيقة كنت وجلا ، فأنا الممنوع من الكتابة في تونس غالبا ، كنت ما زلت أكتب في عدد من الصحف العربية، وكنت آخذ حريتي بالكامل.
أصابني الاطمئنان ، عندما سأل السيد عبد العزيز بن ضياء عن الصحة والأحوال ، وتحول الاطمئنان إلى نوع من الراحة عندما أضاف هل يمكن أن تشرفني  ( هكذا)اليوم بعد الظهر الثالثة ظهرا مثلا إن كان الوقت يناسبك.؟
يناسبني .. أجبته ولن أتحدث عن المغامرة للخروج من المستشفى وكيفية الوصول إلى البناية الملحقة في قصر قرطاج.
عندما خرجت من المصعد وجدت سي عبد العزيز في انتظاري ، رافقني إلى مكتبه الفسيح ، وجاءت القهوة بسرعة قبل أن يبادرني.
إنك تعرف مشكلة الرابطة ( رابطة حقوق الانسان) وسيادته وعد بحلها في خطابه يوم 7 نوفمبر ، وقد كلفني بأن أدعوك لأنه يأنس فيك الكفاءة الكاملة للمساعدة على حل هذا الإشكال وإعادة الأمور إلى نصابها.
تذكرت الحملة الدولية ضد الحكومة وضد رئيس الدولة بسبب تردي قضية الرابطة وما تعانيه من تضييق خانق.وبدا لي أن السلطة لم تعد قادرة على مواجهة الضغط الدولي ، بعد أن بات يشار إليها بالبنان في كل المحافل حتى الحكومية والرسمية.
وأضاف عبد العزيز بن ضياء: أنت رابطي ، وكنت في الهيئة المديرة ، ولك سمعة طيبة وشخص مقبول من الجميع ( لم أكن كذلك من قبل السلطة)، ولذلك فإنه يمكنك أن تتولى الوساطة للانتهاء من هذه القضية التي طالت أكثر من اللزوم، سيكون معك كلا من منصر الوويسي رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان، وعبد الوهاب الباهي وهما قاما بالوساطة ولكن بدون نتيجة حتى الآن ، وقد ارتأى سيادته ( هكذا يقول)، أن الحظوظ تكون أكبر بالتحاقك بهما.
دار الأمر في خاطري بسرعة وبادرت بالقول، ولم أكن راضيا أن أجلس بين عملاقين  وقتها وحدي :
يشرفني أن يختارني الرئيس لهذه المهمة ولكن لي رجائين :
أولهما أن يتم تطعيم الفريق بالسيد توفيق بودربالة فلقد كان رئيسا للرابطة من جهة ، وله سمعة دولية ووطنية كبيرة.
وثانيهما أنه إذا تم الحل على أيدينا ، فإنه لا السيد المختار الطريفي ولا أعضاده يتعرضون لأي ملاحقة أو سوء.
أجابني ، الأمر لسيادته وسأعرضه عليه.
غادرت، وكنت أعتقد أن الأمر انتهى وأن العرض سيسحب ، وأن رئيس الدولة  لن يوافق على مقترحي الاثنين.
في اليوم الموالي ، وكنت في المستشفى ، خاطبني عبد العزيز بن ضياء طالبا مني الحضور إلى مكتبه فورا ، فعلا تدبرت أمري وقابلته ، أجابني بأن "سيادته" كما كان يقول دوما قبل رجائي ، وأنه سيخاطب بتكليف من رئيس الدولة الأستاذ توفيق بودربالة ، ثم أملى علي نصا فيه تعهد من الدولة بعدم التعرض لا للأستاذ الطريفي ولا لأعضاء الهيئة بسوء، بعد احتمال خروجهم من هيئة الرابطة بعد المؤتمر، وأفادني بأنه لا مانع من تبليغ ذلك للمعنيين.
وفعلا انعقدت اجتماعات على مدى  شهرين بحضور الأستاذ توفيق بودربالة وعبد اللطيف الفراتي والعميد الأزهر القروي الشابي عن الوسطاء "المحايدين" للواقع كنا ثلاثتنا منحازين لموقف الرابط ، ومنصر الرويسي وعبد الوهاب عن الجانب الحكومي ومختار الطريفي رئيس الرابطة وصلاح الجورشي وأنور القوصري  عن رابطة حقوق الإنسان والشاذلي بن يونس وصالح التومي ورضا الملولي عن الجانب القائم بقضية ضد الرابطة، والمطالب بعدم اعتبار صحة مؤتمر العام 2000 أو حل بعض الفروع، ولقد أمكن للوسطاء المحايدين أن يدفعوا في اتجاه إيجاد حل ، ورغم صعوبة ذلك فقد أمكن في النهاية في بداية جانفي 2011 إيجاد الحل ، والاتفاق على عقد المؤتمرات الفرعية بهدف عقد المؤتمر العام للرابطة ، ولم يشذ عن ذلك سوى رضا الملولي الذي اتخذ موقفا متصلبا جدا.
وفيما كانت كل الأطراف تقريبا قد توفقت للحل ،،، جاءت الثورة ، وهرب الرئيس السابق ،فانفتح الباب على مصراعيه ، وعادت الهيئة الشرعية لنشاطها، ودعت لعقد مؤتمر الرابطة في أجل معقول. وانتهت المشكلة وانتهت الوساطة .
وكان المرحوم عبد العزيز بن ضياء الذي كان يوصف بالتصلب ، قد غادر مثل بقية أقطاب ما قبل 14 جانفي مواقعهم، وزالت كل العقبات من أمام الرابطة ، لتعود كما عهدناها حرة مستقلة في قرارها، بعيدا عن المناورات أو إرادة ، إخضاع قرارها. وأمكنها عقد مؤتمرها العام الذي تم منع عقده سنوات عديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق