الموقف السياسي(3)
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الإنتظارات الحارقة
تونس/ الصواب /07/02/2015
تركنا وراء ظهورنا الظروف المشبوهة
التي تشكلت فيها أول حكومة للجمهورية الثامنة ، وهي ظروف لا طبيعية ولا مبشرة
بخير.
تركنا وراء ظهورنا الإزاحات اللاأخلاقية المملاة لكفاءات لا شك فيها
بعد دعوتها للتشكيلة الحكومية وإعلان
ذلك على الملأ.
تركنا أيضا وراء ظهورنا كل المظاهر
التي لا تدل على الحرص على مدنية الدولة.
تركنا أيضا وراء ظهورنا الواقع الذي
فرض أن تكون النهضة مشاركا في هذه الحكومة، على اعتبار الريال بوليتيك أو الواقعية
السياسية التي فرضها عاملان منطقيان وإن كانا متناقضين مع كل المعلن قبل
الانتخابات:
أولهما أن الأغلبية التي جاءت للحكم
لم تكن لا كافية ولا ظاهرة بالشكل الحاسم
وثانيهما أن التحديات القائمة
والمنتظرة أعتى من أن لا تضع أي حكومة في الاعتبار ضرورة توفر أغلبية الثلثين حتى
لا تسقط تحت طائلة الثلث المعطل فيما الكثير من القوانين اللازمة للمؤسسات
الدستورية أو القوانين الأساسية أو حتى التعديلات الدستورية التي حتمتها التجربة
القصيرة للعمل بدستور 27 جانفي 2014، أي أغلبية (146صوتا ).
وأخذنا نتجه مباشرة للإنتظارات الملحة
والحارقة ، التي يتحرق لها غالب الشعب:
أولها : الضرورة الملحة لكشف الحقيقة
كل الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة سواء في شأن الاغتيالات السياسية التي أودت بحياة
زعامات عزيزة لا يفرق أن يكون بعضنا متفقا معها أو مختلف، أو في شأن من قتل من
أمنيينا وأفراد قواتنا المسلحة مع ما شاب ذلك من شكوك ، حول ما إذا لم تكن هناك
علامات ودلائل على تورط معين ، وأيضا كل المتورطين في ترحيل زهرات من شبابنا إلى
أماكن الإرهاب الخارجي بناتا وشبانا في زهرة العمر.
تلك وعود صدرت في الحملة الانتخابية
ولن يستريح أحد إلا بعد الكشف عن الجهات المتورطة تخطيطا وتمويلا وتسهيلا وتنفيذا،
مهما كانت المراكز عالية.
لن يستريح ضمير حي في هذه البلاد
والغموض يخيم حول الأسماء والأجهزة داخليا وخارجيا وقبل حصول محاكمات تكشف الحقائق
كاملة.
ثانيها : أن يتم وضع موضع التنفيذ
للوعود الانتخابية الكثيرة ومن قبل الأحزاب الخمسة المشاركة في الحكم اليوم ،
لتحسين أوضاع الناس الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية ، والعودة إلى
جعل الدولة في موقع المهابة والهيبة ، محترمة في قراراتها، منفذة توجهاتها ، معاقبة
كل التجاوزات التي تحاول أن تنال منها مهما كان مصدرها.
ولعل أول وثاني الأولويات : موازنة
حقيقية للدولة بكل ما تتطلبه من قرارات قد يكون لها طعم المرارة ، وقد يكون لها
أثر الإيلام الموجع ولكن لم يعد منه بد ، لتجاوز التراخي الذي استمر منذ 2012 ،
والذي من أجله استقال وزير المالية الشجاع الأستاذ الجامعي حسين الديماسي لما لاحظه من إرادة ربح الوقت ،
بدل ملاحقة الأوضاع السيئة والتي ازدادت سوء منذ ذلك الحين ، ثم البدء والشروع
السريع في ضبط مخطط على الأقل ثلاثي لتوضيح الصورة ، ووضع قرارات الحكومة في موضع
البصيرة والرؤية الشاملة والمتوسطة المدى، والدخول لموازنة 2016 من باب اتضاح
الرؤية والوضع في إطار من سياسة بأهداف مقررة مسبقا وبادية المعالم ، بدل الضياع
والضبابية الحالية ، وهو مخطط كان واجبا لو تم إعداده منذ 2012 أو في الأقصى 2013
، ولكن قصرت الإرادة التي كان همها النجاح في انتخابات ، ولتذهب البلاد إلى
الجحيم.
إن القرارات الواجبة لم تعد تنتظر
التأجيل ، ولنا في التجربة التركية التي صنعت المعجزة في تركيا على يدي أوزال
وكمال درويش خير مثال ( لم يكن ذلك على يدي أردوغان كما يروجه الإسلاميون).
ولقد تحمل الشعب التركي للوصول إلى
معجزته فترة من التضحيات ، توقفت فيها الإضرابات ، وزادت فيها الآلام والوجيعة ،
ولكن كان الضوء في النهاية ، متمثلا في أجور أعلى ، وحال أفضل ببطالة متدنية ونسبة نمو عالية من رقمين، ولكن بحقيقة أسعار
تكاد تكون كاملة ، ولقد قال لي كمال درويش أب المعجزة التركية يوما ، في لقاء في مقر البنك الدولي في واشنطن
، أيام كان إطارا عاليا وساميا فيه "إن الاقتصاد لا يمكن أن يحتمل
الاصطناعية".
ثالثها : ضرورة استكمال القوانين التي
تقيم المؤسسات الدستورية ، والقوانين التي تنبثق منها بلديات مع النظر أو إعادة
النظر في القانون الانتخابي ، بقصد ضمان حد أدنى من الاستقرار السياسي الذي بدونه
لا يمكن لحكم أن يستمر ولا لتنمية فعلية أن تحصل.
رابعها: وليس أقلها:العض
بالنواجذ على طبيعة المجتمع المدني الذي أنجزته تونس تدريجيا وعلى مدى قرن ونصفا ،
وليست مستعدة للتخلي عنه ، ولو دخلت النهضة في الحكومة برجل يوصف بأنه هو الآخر من
الحريصين على طبيعة ذلك النموذج حتى في حياته الخاصة، وليس فقط بالقول.
ويكفي هنا أن نؤكد على ما سبق أن
قاله لنا الشيخ راشد الغنوشي في حديث خاص
ومتفرد في 17 جويلية 1988 على أعمدة جريدة الصباح ، وهو ما حاولت النهضة النكوص
عنه في سنتي 2012 و2013 بدون نجاح يذكر .
ذلك خط أحمر المجتمع المدني كفيل
بالحفاظ على مقتضياته حتى ولو اتجهت الحكومة الجديدة وجهة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق