Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 22 فبراير 2015

عربيات : مصر ، هل دخلت مغامرة غير محسوبة العواقب بالتخل في ليبيا؟

عربيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
مصر في الدوامة
تونس/ 22/02/2015
أقدمت مصر على خطوة لا تأتيها عادة إلا الدول الإمبريالية ، وبدعوة أو بدون دعوة حسب الإدعاءات ، وما إذا كان الأمر صادرا  عن حكومة طبرق أو غير صادر عن حكومة طرابلس، فالبلاد تتقاسمها حكومتان.
كل منهما تعتبر نفسها الحكومة الشرعية، فحكومة طرابلس الخاضعة لفجر ليبيا هي امتداد للمؤتمر العام الذي حكم البلاد على مدى عامين ، وإذ أزاحه صندوق الاقتراع في شهر جويلية 2014 ، فإنه أصر على البقاء بدعوى عدم نزاهة الانتخابات ، بالرغم من أنها جرت تحت رقابة الأمم المتحدة والمجتمع المدني، متذرعة بحكم صادر عن المحكمة العليا المنتصبة في طرابلس ، والتي يقال أنها خاضعة بحكم وجودها تحت سيطرة الإسلاميين لتعليماتهم.
أما حكومة طبرق فإنها تعتبر نفسها الحكومة الشرعية باعتبارها منبثقة عن انتخابات عامة صحيحة ونزيهة وشفافة رفض الإسلاميون الاعتراف بها وبنتائجها، وقد اضطرت تحت ضغط الأحداث هي والبرلمان المنتخب إلى اللجوء إلى مدينة طبرق التاريخية ، والحكم في المناطق التي تسيطر عليها انطلاقا منها.
وسواء كان تواجد المتطرفين وخاصة الدواعش بقبول حكومة طرابلس أو رغم أنفها ، فإن الواقع أن مناطق من الجهة الغربية الليبية باتت خاضعة للدولة الإسلامية في العراق والشام فرع المغرب العربي ، الذي يعتبر نفسه إحياء للخلافة الإسلامية. وخاصة في درنة وربما أماكن أخرى.
ويبدو أن هذا الفرع هو الذي كان وراء عدد من جرائم الحرب ،وبعد  العراق وسوريا . فقد حيث آلى على نفسه إما أسلمة غير المسلمين ، أو قطع دابرهم  من أكراد ويزيديين .
وفي ليبيا حيث بات مؤكدا أن فرع داعش المغاربي والذي بايع "خليفة المسلمين" أبو بكر البغدادي ، هو الذي  قام بذبح 21 من المصريين الأقباط ، بسبب رفضهم اعتماد الدين الإسلامي ، وبصورة في غاية الوحشية يتفق الجميع على أنها لا تمت للإسلام بصلة.
ويبدو أن هذه المقتلة وطريقتها الفظيعة والمشاهد المسرحية التي صاحبتها، قد أثارت المجتمع المصري بشكل كبير ،فطالب في جزء منه كبير أو صغير بالثأر والانتقام ، وهو ما عمدت إليه حكومة السيسي ، عبر غارات جوية على درنة وضواحيها التي تأوي داعش ليبيا ،  يبدو أنها كانت "موفقة " حسب التقدير المصري ، هذا إضافة إلى ما لم يتأكد من هجوم بري مصري بواسطة كومندوس  جيد التدريب،  قد يكون أوقع خسائر فادحة في أوساط داعش ليبيا ، ومكن من أسر ما لا يقل عن 35 من أفرادها.
هل يكون الماريشال عبد الفتاح السيسي الرئيس المصري ، قد استجاب لطلب شعبي قوي بالانتقام ، أم أنه أراد أن يحول الأنظار عن طريقة حكمه المتصلبة داخليا، ويبرز قوة الجيش المصري ، و نجاعته القتالية على أرض الميدان ، ويبرز تفوقه عربيا وإفريقيا حيث يقدر أنه أعتى جيش في العالم العربي وإفريقيا.
المؤكد أن عوامل متداخلة قادت الخطوات العسكرية المصرية ، التي لا تحارب الإخوان المسلمين في داخل مصر وحدها ، بل تسعى لحربهم حتى خارجها ، وفي دولة الجوار الليبية التي ترى في ما يتفاعل فيها خطرا داهما عليها.
وبقطع النظر عن الناحية العملية ، فإن مصر السيسي بإقدامها على الغارات الجوية وعمليات الكومندوس البرية ، وبدون تفويض من الأمم المتحدة ، وتحت مقتضيات الباب السابع ، إنما تتصرف كدولة عظمى ، ليس لها عمقها الإستراتيجي ، وكدولة إمبريالية ليست ملتزمة بالقانون الدولي.
ويدخل العمل المصري هذا ، في باب الحروب غير المشروعة كما ، الاجتياح العراقي للكويت  عام 1990أو الاجتياح الأمريكي للعراق سنة 2003 أو العدوان الروسي على أوكرانيا وغيرها كثير، وسواء على مستوى العالم العربي أو حتى داخليا في عدد من البلدان العربية فإن هناك رأيا عاما واسعا يبرر ما أقدم عليه السيسي ومن ورائه جانبا يبدو عريضا  من المصريين، جرحهم في كبريائهم لا فقط قتل مواطنيهم ، ولكن الطريقة الوحشية التي تم ذبحهم بها.
غير أن ما أقدم عليه السيسي يبدو، وكأنه كذلك دعوة لأطراف أخرى لتدخل في الشأن الليبي ، تحسبا من أخطار العدوى ، ولعل فرنسا التي لها موقع قدم ثابت ، في إفريقيا الفرنكوفونية السابقة واللاحقة ، هي الأكثر ميلا لهذا التدخل ، بصورة أشبه ما تكون بما حصل مع  الرئيس السابق ساركوزي في سنة 2011، وفرنسا لها مصالح كبيرة في إفريقيا الوسطى والغربية ، لا تتسامح مع من يتهددها ، ولا تقبل من أن ينال منها أحد ، وهي بذلك الأقرب لاتباع المثل المصري ، وإن كان هاجسها هو البحث عن غطاء دولي تعارضه دول الجوار،خوفا من أن يتحول الأمر إلى وضع خارج عن السيطرة ، هي أول من يدفع ثمنه.
أما الرئيس السيسي الذي اكتسب دوليا وفي الجوار عذرية جديدة بوصفه يمسك الدولة ويسيطر على الإقليم وسكانه،  كما يقتضي القانون الدولي ، فإنه يمارس "حربا صليبية " بالمعنى المجازي، ضد الإخوان المسلمين ، متطرفيهم ومعتدليهم ، داخل بلاده وأخيرا خارجها في الدولة المجاورة ليبيا ، التي يخشى أن تكون عنصر اضطراب في مصر نفسهابمذاق داعشي دموي في شمال سيناء يتهمه بأن وراءه حماس وقطر.
وهو الذي استغل تمردا شعبيا الأكبر من نوعه في العالم بعدد من الملايين كبير، تسنده مبادئ حقوق الإنسان سواء فيما نادت بها دساتير فرنسا بعد ثورتها أو الميثاق العالمي لحقوق الإنسان  ، فسطا على الغضب الشعبي المبرر ضد تصرفات خرقاء للإخوان في مصر ، وقام بانقلابه العسكري ، واتبع سياسة الأرض المحروقة ، وأمكنه بواسطة الواقعية السياسية الدولية، أن ينال إن لم يكن تأييد المجتمع الدولي فعلى الأقل سكوته، ومن هنا فلا غرابة أن يمر ما أقدمت عليه مصر من خرق القانون الدولي ، دون رد فعل يذكر، بين تأييد صامت ، واستنكار غير معلن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق