سياسة
السبت 21 فيفري 2015
| جريدة المغرب
بقلم عبد السلام القلال المحامي
بترخيص من كاتب المقال الأستاذ عبدالسلام
القلال ننشر في ما يلي
مقالا يتولى فيه
الكاتب تشخيص
الأمراض التي تعتور الحياة
الاقتصادية
والاجتماعية في تونس،
وكان الكاتب تولى نشره في جريدة
المغرب اليومية وتعميما للفائدة
ارتأينا بعد
استئذان الكاتب النشر
على صفحات مدونة
الصواب لما
فيه من تحليل
جريء ونظرة تتسم
بالصدق وصحة
التفكيك لواقع ما
زال يشكو من
أمراض تبدو
الحكومات عاجزة
أو غير راغبة
في حلها، ويصادف
نشر هذا المقال
على جريدة المغرب
مقالا كنا نشرناه
في هذه المدونة
"الصواب" بتاريخ
السبت 21 فيفري
تحت باب اقتصاديات ،
ينفق في التحليل
مع هذا المقال ،
وإليكم مقال
الأستاذ عبد السلام القلال :
متى نفهم أنّ الدولة أصابها العجز والوهن من سوء التّصرف
والمطلبيّة المجحفة التّي لا نرى لها نهاية في غياب الحسّ الوطني وعدم الشعور
بالمسؤولية إزاء المخاطر التّي تهدّد البلاد من الدّاخل والخارج
متى نفهم أنّ تونس اليوم على حافة هوّة سحيقة تنذر
بالإفلاس: إخلال في التوازنات الكبرى للدولة و عجز في الميزانية و عجز في ميزان
الدّفوعات و عجز في التصدير و عجز في المؤسسات العمومية و عجز في الصناديق
الاجتماعية و انتشار التجارة الموازية والتهريب وغياب الاستثمار و تدّني الخدمات
الإدارية والبلدية و تدهور في مستوى الإنتاج والإنتاجية و انعدام الشعور بالتضامن
الوطني و تنامي الشعور بالأنانية والركض وراء المصالح الفئوية و فوق كل ذلك، إخلال
بالأمن وانتشار العنف والجريمة المنظمة والإرهاب...
متى نفهم أنّ ضعف الحكومة التّي عاشت عليها البلاد منذ
14 جانفي 2011، وعدم وعـي المـواطن بتحدّيات المــرحلة أدّيا إلى ما نـحـن علـيه
مـن ضـنك العـيش وتـفـاقـــم الــــفقــر
والتهميش: أغلقت المصانع و أهملت الفلاحة وانهارت
العزائم وتوقف الاستثمار الداخلي والخارجي وشمل التسّيب كامل القطاعات وانعدمت
ثقافة العمل وحلّت المقاهي محلّ المعامل وغابت الحكمة والشعور بالمواطنة وضاعت
المصلحة العامة وانقلب سلّم القيم رأسا على عقب فأصبح المحظوظ صاحب المورد الدائم
في الإدارة والمؤسسات العمومية والخاصّة يطالب بزيادة التحسين في وضعه و بقي من
انتفض في ديسمبر 2010 من الشباب العاطل على الهامش يتّرقب منذ أربع سنوات من يهتم
به ويحققّ له الأهداف التّي ضحّى من أجلها وفي مقدمتها الشغل ولقمة العيش الكريم،
وهو لعمري الأولى بعناية الدولة والمؤسسات لانتشاله من البؤس و الحرمان.
متى نفهم أنّ الأولوية في هذه المرحلة أن توجه الدّولة
اهتماماتها إلى هؤلاء بتخصيص التمويلات المتوفرة من الميزانية و القروض لبعث
المشاريع المشغلة في الجهات المهّمشة والأحياء الفقيرة حول المدن لتوفير الشغل بدل
صرفها في زيادات الأجور والتشجيع على الاستهلاك خاصة و أنّ أغلب السلع المعروضة في
الأسواق موردة فالنتيجة تكون حتما التضّخم المالي وانخفاض قيمة الدينار وغلاء
الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطن وتفاقم البطالة.
متى نفهم وأنّ واجب الذين لهم شغل قار أن يعلّقوا
طلباتهم المشروعة وأن يتحلّوا بالصبر وكلّ شيء يصبح ممكنا عندما تزدهر حالة
البلاد. فإذا لم يصبروا هم على زيادات و منح ببضع دينارات، فكيف نطلب من الشاب
العاطل الذّي ليس له شغل وما يسّد الرمق في الجهات المهّمشة أن يصبر وقد مرّ على
ثورته سنوات.
متى نفهم أن الظروف العصيبة التي تمرّ بها البلاد تفرض
علينا شدّ الأحزمة ومضاعفة الجهد لخلق الثروة حتّى يستفيد منها الجميع، لقد سكت
المحتجون والمضربون ثلاثا وعشرين سنة على نظام الاستبداد ولم يصبروا على أوّل
حكومة ديمقراطية في الجمهورية الثانية بعض الوقت، فكأن القوم في عجلة من أمرهم و
هم غير مدركين أنّ صنيعهم هذا قد يؤدّي إلى تحطيم ما بَنَتْهُ دولة الاستقلال.
أليست هذه الثورة المضادة ؟ أليست هذه خيانة في حق الوطن؟
متى نفهم أنّ الاحتجاجات تكون أولى وأفضل من أجل حسن
التصرف في المؤسسات وإصلاحها وإعادة النظر في المنظومة التربوية وبرامج التعليم
وترميم ما تداعى من البناءات والتجهيزات وفتح و مدّ الطرقات الموصلة للجهات
النائية وتوفير المرافق الأساسية والخدمات الضرورية لتحسين مستوى عيش المواطن في
المدن والأرياف.
متى نفهم ونتذّكر أنّ في بداية معركة التحرير من أجل
الاستقلال كانت الحركة النقابية بقيادة فرحات حشاد قد تركت المطلبية جانبا إلى حين
وأعطت الأولوية للمعركة المصيرية ووضعت كلّ ثقلها وجنّدت كلّ هياكلها للمساهمة
الفعلية من أجل تحقيق الاستقلال وبناء الدّولة العصرية. واليوم مع الأسف وبدون
التشكيك في مشروعية مطالبها، لا نرى الحركة - في غياب الحسّ التضامني و الوطني-
تساعد الدّولة ومؤسساتها على تخطي الصعوبات الظرفية والخطيرة التّي تمّر بها حتّى
تنقذ البلاد من الوضع الكارثي الذّي تردت إليه وتأخذ بيدها إلى برّ الأمان.
متى يفهم الإعلاميون أن دورهم في هذه المرحلة هام جدّا
لتنوير الرأي العام وتوعية المواطن بالصعوبات التّي تعترض القائمين على الحكم حتّى
يفهم ما له وما عليه وما هو ممكن وما هو مستحيل في الظرف الراهن ولا نفسح المجال
للحوارات حول القضايا الهامشية حتّى لا تؤجج مشاعر الخوف والاحتقان ولا تسمح
باستغلال منابرها باسم حريّة التّعبير، من طرف دعاة الفتنة وحرب الطبقات وتحدّي
مؤسسات الدّولة مثلما نسمع ونشاهد في بعض الأحيان على شاشة إحدى التلفزات الخاصة.
متـى نفهم أنّ الحلّ في هذه المرحلة يتمثّل في عودة
الوعي والتعقل والحكمة وفي هدنة اجتماعية، تعيد العامل إلى شغله من أجل توفير
الانتاج وتحسين الانتاجية، وصاحب رأس المال لوضع كلّ طاقاته وإمكانياته في
الاستثمار وتوفير مواطن شغل للعاطلين، وتخصيص كلّ إمكانيات الدولة لميزانية
التنمية والضغط على ميزانية الاستهلاك.
والحالة على ما هي عليها، فالمطلوب من رئيس الحكومة،
التّوجه إلى الشعب فوق رؤوس الجميع بخطاب واضح وجريء يشرح فيه الوضع الكارثي الذّي
أصبح عليهما الاقتصاد الوطني و الوضع الاجتماعي والأخطار المحدقة بالوطن داخليا
وخارجيا لوضع حــدّ للهرسلة و الاحتجــاجــات و الاضرابات و المطلبية بالرغم من
شرعيتها لأنّ الدّولة لا قِبَلَ لها بها في هذه المرحلة. و المطلوب كذلك، أن يعلن
رئيس الحكومة عن إستراتجيته في تسيير البلاد وعن أهم المشاريع العاجلة المشّغلة
والقابلة للانجاز حتّى يكون الرأي العام على بيّنة من مجهود الحكومة وأن يــدعو
بكـل حـزم إلى تطبيق القـانون في جـميع المجالات
والانضـباط والرّجوع إلى العـمل الذّي هو حق مشروع لا يقل أهميّة عن حق الاضراب.
ويتعيّن فرض احترام العمل حتّى نحمي المؤسسات من الإفلاس ويلتزم كلٌّ بحدوده ونكون
جميعا بالمرصاد لخلايا الارهاب النائمة وللقوى الخفية التّي تحرك من حين لآخر
الجماهير في بعض الجهات ممّا يهدّد وحدة بلادنا وديمقراطيتنا الناشئة.
متــى نظفر بعودة الضمير والحكمة
والتعقّل فتكون الاستفاقة من أجل تصحيح المسار وتوحيد الصفوف للخروج بتونس إلى برّ
الأمان ؟
ورجاؤنا أنّ يفهم الجميع أنّ فـاقد الشـيء لا يعطيـه
وأنّ مصلحة تونس فوق كلّ اعتبار.
عبد السلام القلال