الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف
الفراتي
النهضة .. في الحكومة ؟
خارج الحكومة ؟
الكرسي غير المريح
تونس / الصواب
/05/11/2014
عندما يضع المرء
نتائج الانتخابات التشريعية تحت المجهر ، ويأخذ في تحليل الأرقام صعودا ونزولا ،
يبدو له أنه لا يوجد حزب بين الكبار أي النداء والنهضة ، في حالة من الارتياح
بالنتيجة، فالحزب الأول نداء تونس بـ 85 مقعدا و39 في المائة من الأصوات ، (بعيد
عن الأغلبية اللازمة للحكم 109 مقاعد) وينبغي له أن يجد 24 مقعدا إضافيا ، ولعله
يجدها في الجبهة الشعبية ( 15 مقعدا) وهناك فارق إيديولوجي واسع بين الطرفين،
وآفاق تونس المعبر بعد على أنه سيكون في صف الأغلبية (8 مقاعد) وحركة الشعب
المتأرجحة بين الجبهة والنداء (3 مقاعد)
والمبادرة الدستورية ( 3 مقاعد) والإنقاذ ( التهامي العبدولي بمقعد واحد ) ومجد
توزر ( مقعد واحد ) والديمقراطيون الاشتراكيون ( مقعد واحد ) واحتمــــــالا صوت
الفلاحين ( مقعد واحد)أي مجموع 118 صوتا ، هذا إذا لم تكن اســــتنتاجاتنا خاطئة ،
وإذا انضمت الجبهة الشعبية فعلا للأغلبية الحكومية ، ولكن بأي ثمن؟
ويبقى أمر الوطني
الحر الذي لا يريد أن يتعامل معه أحد، كما كان الأمر مع العريضة الشعبية قبل 3
سنوات، فهو حتى الآن ليس في الأغلبية ولا في المعارضة.
ويمكن أن ينضم للأغلبية فيعزز صفوفها، إذا خفف
من مطالبه ، ومطلبه الأول أن يكون سليم الرياحي هو رئيس الحكومة، وهو أمر غير
مقبول بالمطلق. كما يمكن أن ينضم إلى المعارضة فيعزز صفوفها.
وفي كل الأحوال
فإن الأغلبية الحكومية ستكون هشة غير صلبة ، وليذكر المرء أن الأغلبية التي تشكلت
بها حكومة حمادي الجبالي بعد انتخابات 2011 بلغ قوامها 136 مقعدا بفضل المدد
الوافد من المؤتمر 29 مقعدا ومن التكتل 18 مقعدا عدا الـ 89 مقعدا للنهضة.
**
وفي المقابل فإن
النهضة يمكن أن تعبر عن ارتياحها نظريا ، فإذا كانت أفلتت منها حقيقة الحكم ، والقدرة على
تشكيل الحكومة ، فإنها احتفظت بأقلية الثلث المعطل ، أي إنها تستطيع أن تعطل جانبا
كبيرا من مشاريع الحكومة التي تحتاج إلى ثلثي الأصوات ، ومنها الميزانية والقانون
الانتخابي ، وقانون الإرهاب، وخاصة قوانين المؤسسات الدستورية التي نص عليها
الدستور والتي تنتظر قرارات سريعة موضوعة على مكتب رئيس الحكومة المقبل ، ولا يمكن أن تنتظر طويلا.
هذا الثلث المعطل
يبلغ قوامه 73 صوتا لا يــــصعب على النهضة توفيرها( 68 من مقاعدها +4 للمؤتمر +3
للتيار الديمقراطي + 3 لتيار المحبة +
مقعد للتكتل أي مجموع 79 صوتا هذا إذا لم
ينضم الوطني الحر إلى هذه المجموعة بحيث
يصبح 94 صوتا لا حول ولا قوة لنداء تونس وحلفاؤه بها.).
**
من ينظر للأمر
بإمعان سيلاحظ سريعا ، أن كل طرف من الطرفين الأكبرين يتمتع بقدرة الرعب أو شل
الطرف الآخر.
فالنهضة تحتاج إلى
أن تكون داخل دواليب الحكم ، وهي مستعدة لكل التضحيات من أجل بلوغ ذلك الهدف ، وهي
تدرك تمام الإدراك أن بقاءها خارج تلك الدواليب سيصيبها بالصدأ ، فتتحول إلى حزب
من أيها الأحزاب وتفقد زمام المبادرة ، وينفض عنها عدد كبير من أنصارها، الذين
يفقدون الأمل فيها وما يستتبع ذلك الأمل من أشياء.
ومن يدريك إن كانت
ستؤول إلى حزب متوسط ضعيف التأثير، بعد خروج القرار أو جزء من القرار من يدها.
وقوتها المتمثلة
في الثلث المعطل ، الذي يمكن أن يعطل سير الحكومة يمكن أن ينقلب ضدها ، ويؤلب
عليها الرأي العام ، فتخسر لمعان الحكم من جهة وتخسر التعاطف أو التأييد الشعبي ،
خاصة وأن نداء تونس وحلفاؤه يتمتعون ببراعة كبيرة في ابتزاز التعاطف الشعبي ، وهم
الأقدر على تعبئة مجتمع مدني أصبح كبير التأثير منذ الثورة ، وأعطاه نجاحه في
تحركات صائفة 2013 دفعا كبيرا ، وصل إلى اســــــــــتقالة حكومة ( البعض يقول
طردها)تجلس على أغلبية برلمانية مريحة لم
تفدها شيئا.
فتعطيل دواليب
الدولة من منظار شعبي يؤدي مباشرة ، إلى رد فعل عكسي للمرغوب.
ما تطلبه النهضة
وفقا للموازين القائمة اليوم ، هو أن تكون في الحكومة التي ستتشكل خلال أسابع أو
أشهر، حتى لا تفقد بريقها خارج الحكم. وهي تغري بأغلبية 154 صوتا بجمع مقاعدها
ومقاعد النداء، يضاف إليها حوالي 18 مقعدا ( الأقرب إليها) ، وباستثناء الجبهة
الشعبية التي لا تقبل الجلوس في حكومة واحدة مع النهضة لما تعتبره من خلاف جذري
حول طبيعة نمط المجتمع ، ونتيجة لاتهامها للحزب الإسلامي بقتل بلعيد والبراهمي.
أما الطرف المقابل
أي نداء تونس فإنه يبد براغماتيا جدا، وهو لا يرفض دخول النهضة في حكومته ، ولكن
له هو الآخر شروطه الغير سهلة القبول لدى النهضة . هذا مع الملاحظ بأن جزء من
قواعد النداء ترفض قبول جلوس النهضة في حكومة ندائية. هذه الشروط :
أولها إن لم يكن
الدعوة لانتخاب السبسي في الرئاسية ، فعلى الأقل الامتناع عن الدعوة للتصويت
للمرزوقي ، أما البقية فهم لا يهمونها ، وفي اعتبار النداء فإن أغلبية المرشحين من
النظام السابق سينسحبون تباعا ومن بقي من( البقية الباقية ) مثل الشابي وبن جعفر
والحامدي الأول بعد انسحاب الثاني) ، لا
يشكلون عبئا أو ثقلا يعتد به فيما البقية سيكونون من أصحاب 1 في المائة أو أقل.
ويعتقد الندائيون أنهم كفيلون بكل من سليم
الرياحي ، الذي تدل دلائل كثيرة أنه قادر على أن يفتك الموقع الثاني من المرزوقي
ويكون منافس السبسي في الدور الثاني ، وكذلك
حمة الهمامي .
وثانيهما أن لا تكون " متغولة " أي
النهضة في طلب المناصب ، فالنداء غير مستعد في التفريط في رئاسة المجلس النيابي، لا للعريض لا لمورو ،
تحسبا من مفاجئات المستقبل ، ولا هو مستعد للتفريط في وزارات السيادة ولا لوزارات
مثل التعليم الذي للنداء برنامج مهم فيه ، ولا للثقافة التي يبدو أن وزارتها هي ، على مقاس ألفة يوسف ، ماذا سيبقى من فتات
للنهضة إذن.؟
وابتزاز نداء تونس
يقوم على رغبة طاغية للنهضة، في عدم البقاء خارج الحكم، حتى تضمن لنفسها بريقا غير
لامع.
**
من يدفع الفاتورة
في النهاية:
أربعة أحزاب ـ هامة ؟ـ لن تكون لا في العير ولا في النفير هي المؤتمر والجمهوري
والتكتل والمحبة ، وفي تقدير الندائيين أنها أحزاب من الماضي خرجت من الساحة
السياسية إلى التاريخ ، وأول من يضحي بها هو النهضة ، حفاظا على وجودها ، إذ
الخشية أن تتوقف النهضة عند مخزونها من
الأصوات بحوالي 30 في المائة. وإذا كان مفترضا أن يمر السبسي غالبا عبر دورة ثانية
( بعكس ما يروجه أنصاره بالنجاح من الدورة الأولى -، فإن الوطني الحر لن يخيف في
تلك الدورة الفاصلة.
وإذ جرى الحديث
بشدة عن استقطاب ثنائي الآن بعد
التشريعيات، فالاستقطاب الثنائي الحقيقي هو الآتي خلال السنوات القليلة المقبلة ،
كما تبرزه تجربة بلدان أوروبا الشرقية بعد تحررها من ربقة الاستعمار السوفييتي.
**
نقطة وحيدة لا
يمكن المرور عليها ، وهي أن وضع الجبهة الشعبية خارج إطار الحكم، يتهدد أي حكومة بالقلاقل التي يمكن أن يثيرها
منظوريها عبر الاتحاد العام التونسي للشغل ، و مناضلو الجبهة يشكلون ثقلا كبيرا بين القواعد والإطارات
الوسطى في المركزية النقابية.
ولذلك سيبذل
النداء كل جهده لضم الجبهة إلى الحكومة التي يعتزم تشكيلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق