Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

قرأت لكم : محمد كريشان يذكر كيف نكثت النهضة وعدها سنة 2011 باختيار السبسي رئيسا للجمهورية

قرأت لكم
مقال محمد كريشان في القدس العربي
المرزوقي و قايد السبسي

الرئيس الحالي المنصف المرزوقي، و الفائز بالمرتبة الأولى في الجولة الأولى الباجي قايد السبسي سيلتقيان قبل نهاية هذا العام في جولة ثانية ستحدد من منهما سيكون أول رئيس منتخب ديمقراطيا لتونس بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي في يناير 2011. لكن ما لا يعلمه كثيرون ربما أن هذه ليست المرة الأولى التي يتواجه فيها الرجلان أيهما يظفر بكرسي الرئاسة. لقد فعلاها من قبل، و لكن بعيدا عن صناديق الاقتراع. 
يروي عبد الباري عطوان أنه لما زار تونس بعد انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في أكتوبر- تشرين الأول 2011، و كان وقتها رئيس تحرير هذه الصحيفة، التقى بوفد من حركة "النهضة" ضم إلى جانب رئيسها راشد الغنوشي كلا من حمادي الجبالي أمينها العام آنذاك و علي العريض و شخصا رابعا نسي من يكون . يتذكر عطوان في جلسة خاصة جمعتني به في لندن : قلت لهم إن هذا الفوز الذي حققتموه يحتاج إلى توظيف جيد و حكيم، و أنتم لا خبرة لكم بالحكم و لا معرفة بدواليب الدولة، و أنا من رأيي أن أفضل من يمكن أن يساعدكم في اجتياز مرحلة بهذه الدقة هو الباجي قايد السبسي. الرجل أدار الحكومة بحنكة و أوصل البلاد إلى الانتخابات التي فزتم بها في ظروف صعبة. سيكون بتقديري أفضل رئيس للبلاد يمكنه أن يوصلها و يوصلكم إلى بر الأمان لما له من خبرة في الحكم و قدرة على التواصل مع العالم الخارجي. إقترحوا عليه ذلك و لن تندموا. 
و يضيف عطوان: إستمع إلي الجماعة بكل تفهم و بدوا لي و قد اقتنعوا بعرضي الذي ربما خاضوا فيه من قبل فيما بينهم كأحد الاحتمالات. في اليوم الموالي جمعني لقاء مع الباجي قايد السبسي فسارعت بسؤاله إن كانت جماعة "النهضة" قد فاتحته في موضوع الرئاسة فرد بالإيجاب. بدا لي مستعدا لبحث الأمر من باب خدمة البلاد في هذه المرحلة الانتقالية التاريخية خاصة وأنها ستتيح له مواصلة ما بدأه رئيسا للحكومة عندما سعى، كما قال لي، إلى طمأنة الحكومات الغربية، و لا سيما الأمريكية، بأنه لا مبرر لتوجسهم من فوز "النهضة" في الانتخابات. و يختم عطوان بالقول: ظننت الأمور سائرة نحو ترجمة هذا التوجه إلى أن ظهر المرزوقي ففرض على "النهضة" معادلة أن لا تحالف حكوميا معها دون أن يكون هو شخصيا في الرئاسة فتمكن أن يلوي ذراعها و كان له ما أراد في النهاية. و هنا تنتهي رواية عطوان.
ما لا يعرفه كثيرون ربما أن قايد السبسي و المرزوقي جمعتهما في بداية ثمانينات القرن الماضي تجربة جريدة "الرأي" الأسبوعية التي أدارها المرحوم حسيب بن عمار أحد وزراء بورقيبة الشهيرين قبل أن يستقيل و كان وزيرا للدفاع . كان قايد السبسي و جماعة جريدة "الرأي" ضمن شق "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين" الذي اختار التعاون مع تجربة "الانفتاح السياسي" التي قادها المرحوم محمد مزالي عند اختياره رئيسا للوزراء عام 1981، على عكس الشق الذي كان يقوده زعيم الحركة أحمد المستيري الذي فضل الحفاظ على هويته كحركة سياسية معارضة تروم إصلاح النظام من خارجه فاختار أن تكون له صحيفته الخاصة "المستقبل" المعبرة عن هذا التوجه الحزبي. أما المرزوقي فقد كان عائدا لتوه من فرنسا كطبيب و انضم لفريق الكتاب المتعاونين في جريدة "الرأي" التي فضلت أن تكون منبرا مفتوحا لكل المستقلين و المعارضين من كل المشارب السياسية بلا استثناء . كان المرزوقي يحضر أحيانا اجتماعات التحرير و يدلي بدلوه في الخط التحريري و المواقف السياسية إلا أن قايد السبسي نادرا جدا ما فعل ذلك خاصة بعد أن صار وزيرا للخارجية في حكومة مزالي. 
المهم هنا، وفق رواية عطوان، أن المرزوقي قطع طريق الرئاسة على قايد السبسي و هو ما لم يغفره له قايد السبسي على ما يبدو، تماما كما لم ينس لــ "النهضة" نكوثها عن مسعاها الأولي في موضوع الرئاسة. و طالما أن التاريخ و الأقدار عموما لا تسير بــكلمة " لــــــو" فلا فائدة كبيرة ترتجى من الاستعراض المفترض لما كان يمكن أن تسير عليه الأمور لو دخل قايد السبسي قصر قرطاج، فقد لا تكون البلاد مرت بما مرت به، و قد لا تكون حركة "نداء تونس" قد ولدت أصلا، و لا قايد السبسي مرشحا للرئاسة لخلافة نفسه في الانتخابات الحالية. 
لكل من قايد السبسي و المرزوقي طبعا نقاط قوة و عيوب و قف التونسيون على جلها في زمن الحرية الإعلامية الكبيرة التي ينعمون بها و من سيحسم بينهما الآن هو الشعب و ليست حسابات هذه الحركة أو تلك، على أهميتها. مع ذلك ففكرة المناظرة التلفزيونية المباشرة بين الرجلين المتداولة حاليا تبدو وجيهة للغاية بل و مغرية ، و هي إن تمت ستسجل سبقا لتونس يضاف إلى سبقها المعروف في تحريك إرادة التغيير و الانعتاق من الاستبداد.
نيويورك 25 نوفمبر 2014


**
في جوان 2011 وفي بيت شيخ العاقلين المناضل الكبير مصطفى الفيلالي حصل لقاء جمعه وإياي مع حمودة بن سلامة والطاهر بوسمة والمنجي الكعبي ، وكان مركز اللقاء هو حمادي الجبالي وهو معرفة سابقة لسنوات ما قبل الجمر وزياد الدولاتلي  القيادي العاقل إلى النخاع في النهضة ، خلال ذلك اللقاء نصحت  الجبالي بأن لا تستلم النهضة  الحكم لأنها لا تتوفر لا على خبرات ولا تجربة في الحكم وكنت واثقا يومها أنها هي التي ستنجح في كسب الانتخابات ، وقد أجابني يومها حمادي الجبالي بأنه لا يمكنهم لأن قواعدهم لن تقبل بذلك السيناريو، حصلت الانتخابات ونجحت النهضة ، وانتقل كل من السبسي والغنوشي إلى واشنطن ، والمعطيات التي أتيحت لي ومن عدة مصادر من النهضة ومن المقربين من رئيس الحكومة آنذاك تفيد بأن السبسي هو الذي ترشحه كل الأطراف لرئاسة الجمهورية ، ولكن ليس بتلك الصلاحيات المحدودة جدا التي قبل بها  لاحقا المرزوقي  ، سعيا للحصول على المنصب دون اهتمام بمضمونه.
وفي حفل استقبال نظمه الرئيس فؤاد المبزع قبل انتهاء مهامه  في الدار المغربية  ودعيت إليه ، بدا واضحا أن ذلك السيناريو هو المعتمد ، وكنت قد كتبت عنه قبل الانتخابات وبالتفصيل في صحيفة المحرر التي كنت رئيس مجلس إدارتها ورئيس تحريرها  ، غير أن المرزوقي "طلق الأربعة" وفق المقولة التونسية ، واشترط أن لا يعطي أصواته في المجلس التأسيسي للأغلبية النسبية غير الكافية للنهضة إلا إذا تولى هو رئاسة الجمهورية ، وقد نكثت النهضة بذلك وعودها للسبسي من جهة وللإدارة الأمريكية ، وسارت ضد التيار وأدخلت البلاد إلى متاهة لم تخرج منها طيلة حكمها هي والمرزوقي ، وهي تحاول اليوم وبدون نجاح يذكر، أن تعيد السيناريو بالوقوف إلى جانب المرزوقي ، الذي أعطته أصواتها سواء عن اقتناع أو مجرورة وراء مواقف قواعدها ، ولم تسر قيادات النهضة أمام تلك القواعد  كما تقتضي المسؤولية ، بل اتبعت املاءاتها عكسا لمصالحها الذاتية ومصالح البلاد.

عبد اللطيف الفراتي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق