الموقف
السياسي
|
يكتبه
عبد اللطيف الفراتي
رئاسة الجمهورية :هل تم الحسم قبل الأوان ؟
تونس / الصواب / 20/11/2014
أخذ نسق المغازلة بين نداء تونس وحركة
النهضة في الطفو على السطح بصورة واضحة منذ يوم الثلاثاء 17 نوفمبر 2014 ، أي أقل
من أسبوع على موعد الانتخابات ، كان ذلك
عبر تصريح للباجي قائد السبسي على موجات إذاعة إكسبريس اف م ، لم ينتبه له
الكثيرون ، ولكن الرسالة بلغت لمن وجب أن تصله ، وسنرى كيف كان التعامل معها.
منذ مساء الخميس عاد الاهتمام إلى
الرسالة التي أرسلها الباجي قائد السبسي ، والتي لم يكن لأحد أن يرسلها غيره
لتتلقفها النهضة:
أولا : لأن حزبه فاز بالمرتبة الأولى
في الانتخابات ، وهو الحزب الذي سيدعى دستوريا لتشكيل الحكومة
ثانيا : لأن ليس من غيره يمكن أن يحسم
في هذا الأمر، فهو رئيس الحزب الفائز بالأغلبية النسبية ، وهو الناطق الأول باسمه
.
ثم ثالثا : لأنه المرشح للرئاسة ،الذي
تتوفر له الحظوظ الأكبر في اقتلاع منصب قصر قرطاج .
من هنا فالمعتقد ، أن الباجي قائد
السبسي عندما قال ما قال على أمواج إذاعة إكسبريس آف آم ، ما قاله لم يكن وليد الساعة بل كان مخططا
له، كما ينبغي ان يكون لرجل سياسة، حتى لا نقول رجل دولة يخطط لكل حركاته وسكناته
ولا يتركها للصدفة.
ماذا قال الباجي قائد السبسي يومها في
ذلك الصباح : لقد أعلم بأن حركة النهضة
ليست عدوا كما قد يوحي به البعض ، وأضاف " إنه إذا كانت الضرورة تقتضي
التحالف مع الحركة الاسلامية، من أجل هدف تشكيل الحكومة المقبلة ، فإن نداء تونس
لا يحمل خشية من الأمر".
وقال السبسي أيضا إنه إذا كانت
المصلحة العليا للدولة تقتضي ذلك ، فإننا لن نتردد مهما كان في تشكيل جبهة مع
النهضة ، وهذا لا يمكن أن يعتبر خيانة لمن صوتوا لنداء تونس في التشريعية.
**
ماذا يعني هذا ؟ إنه يعني لا أكثر ولا
أقل أن نداء تونس الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة والذي لا يتوفر
إلا على 86 مقعدا في البرلمان الجديد ، في ما الأغلبية البسيطة تحتاج إلى 109
مقاعد ، يدرك أنه لا قبل له بتشكيل الحكومة إلا بانضمام أحزاب أخرى له ، ( وهو
يستطيع أن يجد 8 مقاعد لدى حزب آفاق و15 مقعدا لدى الجبهة الشعبية ، وربما 5 أو 6
مقاعد أخرى لدى مستقلين أو من المبادرة ومن التهامي العبدولي أي مجموع 115 صوتا في
البرلمان تكفي لتوفير أغلبية ولكنها تخضع لاشتراطات معينة تتجاذبها إلى اليمين
متطلبات برنامج حزب آفاق وتتجاذبها لليسار متطلبات برنامج الجبهة الشعبية) ، وتشكل
أغلبية هشة غير مريحة وخاصة مؤهلة لأن تنفجر في كل وقت .
هذا ما وعاه رئيس الحزب الفائز (؟) ،
ومع وعيه به ، فإن وعيه شديد بمدى ضخامة التحديات المقبلة ، والتي تحتاج إلى
أغلبية أوسع قادرة على ضمان حد أدنى أو لعله أقصى من الاستقرار. هذه التحديات تهم
الوضع الأمني الذي يمكن أن يشكل في المستقبل القريب معادلة صعبة على الحل في ظل
طبيعة التطورات الحاصلة في ليبيا ، والتي تجعل الفاعلين السياسيين وفي المستويات العليا يعيشون تحت طائلة رعشة
باردة في ظهورهم ؟ لما عساه أن يحدث
والتطورات المحتملة ، إذا سيطرت داعش على القطر الليبي أو أجزاء كبيرة منه.
لكن ليس ذلك فقط بل إن التحديات تتمثل
في ما تخبئه تلك الاحتمالات ، من تراجع
وضع اقتصادي ، هو بحد ذاته متراجع خاصة منذ 2012 ، حيث إن غياب استقرار أمني لا
يمكن إلا أن تكون له آثار سلبية على الاستثمار، وبالتالي على حال المعيشة وخاصة
على التشغيل وازدياد معدلات البطالة.
تعريف رئيس الدولة
اقتطفت هذا من نص كتبه المفكر الفرنسي جاك أتلي الذي اشتغل سابقا
كمستشار للرئيس ميتران:
رئيس الدولة ليس وزيرا وليس
وزيرا أول.
فهو يتمثل الدولة ويجسد الأمة، فهو يتذكر هذا التمثل والتجسيد في كل
لحظة ، وهو يعيش ذلك في أعماقه ، وهو لا ينسى أن ما يقوم به يترك أثره تاريخيا
ماضيا حاضرا وفي المستقبل ، لا بد له أن
يكون ذو شخصية وطبيعة صلبة ، وقدرة كبيرة على العمل ، وعليه أن يكون حسن
الهندام دائم الأناقة ، يمكنه التعبير بلغته الأصلية وبلغات أخرى.
|
هذا فضلا عن وعي شديد بأن النهضة وذيولها من
مؤتمر وتيار ديمقراطي تشكل قوة مضادة ، في ما يسمى بالثلث المعطل (72 صوتا) وهو ما
يمكن أن يعرقل القرارات المهمة ، والتي تحتاج إلى ثلثي الأصوات (أي أغلبية 145
صوتا ليست متاحة اليوم للسبسي بدون
النهضة)
**
في المقابل فإن النهضة بدت كلها على
استعدادا للدخول في حكومة يشكلها النداء ،
وقد تولى القيادي النهضاوي عماد الحمامي إبراز ذلك بوضوح في حصة تلفزيونية على "الحوار
التونسي" مساء الأربعاء ، وكان متناغما بصورة كبرى وحتى مناقضة للمنتظر، مع القيادي الندائي عبد العزيز القطي ، ولن نعود بإسهاب للتركيز على الأسباب التي تجعل
النهضة ترحب بل تتحمس للدخول في حكومة يشكلها نداء تونس ، فخشيتها شديدة من أن
تبقى خارج الحكم بما يفتت قاعدتها طالما إن السلطة تعطي لمعانا لأصحابها ، ثم خشية
من محاسبة لمنظوريها ، تعطيهم حصانة وهي في السلطة ، ولا تتركهم عرايا من أي
احتمالات محاسبة.
**
هذا السيناريو بدخول النهضة وبكثير من
التضحيات في حكومة يشكلها نداء تونس ، باتت أكثر الاحتمالات ورودا ، وإذا استمرت
سائرة ومقبولة من النهضة وبصورة رسمية قبل
يوم الأحد فهي تعني أن عملية انتخاب الأحد باتت محسومة قبل الأوان . وأن حظوظ
الملاحق منصف المرزوقي الضئيلة أصلا قد انعدمت أو كادت.
ويبقى السؤال هل إن قواعد النداء يمكن
أن تسير في هذا السيناريو ، وهي التي كانت تطمع إلى وضع النهضة خارج السلطة ، ثم
هل إن قواعد النهضة ستتبع قيادتها في هذا المسار وبالتالي لا تمنح أصواتها
للمرزوقي ، وفي وقت قصير لا يجعلها قادرة على هضم هذا الانقلاب ، بعد شيطنة النداء ، واتهامه بأنه يعيد أعمدة النظام السابق .
سؤال آخر كيف يكون موقف الشركاء
المحتملين للنداء ، من جبهة شعبية تكن للنهضة عداء في الأحشاء ، وكيف يكون موقف
شركاء النهضة السابقين من مؤتمر و تكتل وحتى جمهوري الذي يجلس دوما بين اثنين من
الكراسي وهذا سبب انهياره. فلا هو في الحكم ولا هو خارج الحكم ، غير أن الطموح
المرضي لزعيمه أحمد نجيب الشابي بالرئاسة بأي ثمن هو الذي أفسد علاقاته مع الجميع.
**
في تقديرنا أن الأمور تسير في اتجاه
تحالف أو لعله ائتلاف ندائي نهضاوي كل المؤشرات تدفع في اتجاهه ، والاستقرار يطالب
به ، والشيخان أعدا له العدة منذ صائفة 2013 ، في إطار صفقة لا يمكن أن ينكرها أحد
اليوم.
ومن هنا فلعل المعركة قد حسمت قبل أن
تبدأ.... ولعل الضحية المعينة هي الرئيس المؤقت الحالي.
**
هذا الرئيس الذي قد لا يجد نفسه عاريا
فقط بفعل حليفه السابق الكبير النهضة ، بل لعل التنكر له بدأ من الآن ، فالمراسلات
مع رؤساء الدول تمر فوق راسه بين أوباما والمهدي جمعة مثلا ، والسياسة الخارجية
يقودها جمعة مع وزير الخارجية الحامدي والمرزوقي منشغل بحملته المثيرة للجدل، لا
هو في العير ولا في النفير، وعندما يتم سؤال وزير الخارجية عن السياسة الخارجية ،
لا ينسبها للرئيس ولو المؤقت ولكن للدبلوماسية التونسية ، فهو الذي يتفاوض مع
الدول ، تلك التي يحبها الرئيس وتلك التي يكرهها مثل الإمارات ، وهو الذي يعلن عن
قرب تسريح الصحفي بوناب في قطر، ما قد يعني أنه عمليا قد أزيح قبل الأوان أيضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق