Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

الموقف السياسي : النهضة في موقف صعب لا تحسد عليه


الموقف السياسي            
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
زلزال في النهضة
تونس / الصواب / 3/11/2014
لأول مرة  منذ الثورة ينعقد مجلس الشورى لحزب النهضة ، على مدي يومين اثنين ، ثم يرفع اجتماعاته على أمل عقدها بعد يومين أو ثلاثة.
والنهضة حزب شديد الانضباط ، ولو أنه يتميز بجرعة من الممارسة الديمقراطية كبيرة ، وقراراته تسري على الجميع ، بعد أن يكون وفقا لما يقوله نهضويين قد حصل داخله نقاش مستفيض ينتهي دوما بقرار أو قرارات يكون رئيس الحزب أي راشد الغنوشي ، الأب الروحي زيادة عن الزعيم ، قد وجه إليها فتكون مقبولة ، ولو عن مضض.
هذه المرة كان الوضع مختلفا ويمكن القول إن زلزالا حقيقيا  حصل داخل النهضة ، والمعلومات المتاحة وهي معلومات  شحيحة ينبغي  أخذها بكل حذر  ، وهو أمر بعيد عن أن يكون حاصلا فعلا ، فالقيادة منقسمة ، وتصريحاتها من لطفي زيتون إلى عماد الحمامي إلى فتحي العيادي إلى زياد العذاري إلى الجلاصي ، تنم عما يعتور الحركة من انقسام.
غير أن معلومات في حاجة إلى تأكيد تفيد ، بأن هناك نوع من الاختلاف كبير ، لم يصل إلى حد القطيعة ، بين القيادة أو جزء من القيادة والقواعد ، ومجلس الشورى يحمل هموم واهتمامات تلك القواعد ، ويستعمل معها مملسة لتدوير نتوءاتها.
**

موضوع الاختلاف بدأ مع التنازلات المتوالية للقيادة العليا ،  للتأقلم مع واقع المجتمع ، لا فقط مع المعارضات القائمة ، هذه التنازلات بدأت مع نقاش الفصل الأول من الدستور  مبكرا ، وتعاظمت مع كونية حقوق الانسان ، والكثيرون لا يستشفون خطورة ذلك بالنسبة لإسلامي عرف مرجعيات النهضة منذ السبعينيات والثمانينيات ، واستمرت مع القبول بالجلوس في إطار الحوار  الوطني ، واحتدت مع استقالة حكومة الجبالي ثم العريض.
وبلغت الذروة مع المصادقة على دستور ، لم يعط للنهضة حتى تنازلا صغيرا بدسترة مجلس إسلامي يكون له  حق فيتو على قوانين قد تخالف "شرع الله".
والتدافع الاجتماعي الذي بشر به الشيخ راشد الغنوشي في اتجاه أسلمة المجتمع ، تحول إلى تدافع مجتمعي في اتجاه معاكس تماما ، فالمجتمع المدني هو الذي فرض على الترويكا ، خط سير معاكس للمطلوب أو لما كان مطلوبا.
**
 لكن هذا كله ليس شيئا أمام ما سيحدث لاحقا.
فالقائمات الانتخابية للنهضة أثارت جدلا غير مسبوق واستقالات وإن كانت ضئيلة فإنها أبرزت لأول مرة انشقاقا ، حوالي ثلث أعضاء المجلس التأسيسي من النهضويين لم يقع التجديد لهم ، فغابت الأصوات الأكثر "إسلامية " وعلى رأسها الحبيب اللوز والشيخ شورو وغيرهم ، أي الأصوات التي كانت في موقف مخالف للقيادة ، تأقلما  منها مع سير المجتمع.
غير أن الأدهى بالنسبة  للقواعد ، أنه ورغم كل التنازلات ، أو بفعلها حسب وجهات النظر ، فإن النهضة خسرت 21 من مقاعدها في الانتخابات ، والأدهى والأمر من ذلك أنها لم تعد تجلس على المرتبة الأولى ، ما يعنيه ذلك من أنها  لن تكون وفي كل الأحوال مدعوة لتشكيل الحكومة.
وهذه النقطة هي قلب الرحى ، والقواعد وحتى قيادات عديدة ، تحمل القيادة العليا سبب هذه الانهيار، وإذ تم القبول عن مضض بالتنازلات ، فإنه يبدو أن الخروج من الحكم مرة واحدة بدا غير مقبول بالمطلق لسببين من وجهة نظرنا :
أولهما أن المشروع الاسلامي لأسلمة المجتمع سيتوقف
وثانيهما الخوف عن حق  أو  باطل بالانتقام ، ويصل البعض  ( بأوهام كثيرة ) للحديث عن العودة للسجون.
**
كل هذا واقع جديد زلزل النهضة وبعض قياداتها ، وكوادرها الوسطى وخاصة قواعدها ، التي ليست في وارد فهم الواقعية السياسية ، وهي لا تقبل أن يأتيها الحكم بين أيديها ثم تفرط فيه.
هذه الجهات لا يمكنها أن تتصور أن القوسين بسنتين هما نهاية الرحلة، وهي أيضا لا يمكن أن تقبل بما آل إليه الأمر، وغالبا لا تقدر على القبول بأنها لم تخرج تماما من اللعبة، وأن أوراقا رابحة بقيت بيدها.
وبالمقابل فإن القيادة العليا ، التي تتعامل سياسيا  ، وإلى حد ما بماكييفيلية  متسترة ، غير قادرة على فهم  "ثورة القواعد وبعض الأطر " التي لم تتبعها هذه المرة ، الإطارات العليا  الأكثر إلماما بالواقع السياسي ، تعرف أن عليها أن تتكتك ، و ليس لها أن تهمل كل الاحتمالات بما فيها الأسوأ الذي تراه لم يأت ، بينما آخرون يرون أنه أتى وأنه ينبغي وقف النزيف.
**
النزيف المخيف هو أن تجد النهضة نفسها خارج دواليب الحكم تماما ، والتقدير السائد أنها إذا خرجت  وفقدت ركائزها في الحكم ، فإنها قد تخسر لوقت طويل ، فالنهضة ومنذ 23 أكتوبر 2011 وهي تعتمد في قوتها على أنها تحكم ، ألم يقل الشيخ راشد الغنوشي إننا خرجنا من  الحكم ولم نخرج من  السلطة .
واليوم وبينما ترى القيادة أنها لتبقى النهضة  في الحكم لا بد لها أن تتكيف مع الواقع الجديد الذي أفرزته انتخابات 26 أكتوبر فهي التي لم ترشح أحدا للرئاسيات خوفا من أن يؤثر سقوطه إزاء هجمة نداء تونس و زعيمه الباجي قائد السبسي ، تجد نفسها إزاء وضع صعب جدا ، وإذا كان غير ممكن لها أن تؤيد المرشح السبسي للرئاسة ، فلا أقل من أن تتولى التعويم بعدم ترشيح أحد من المتنافسين العديدين الذين يخطبون يدها. وهو ما ترفضه القواعد والأطر الوسطى.
وهي تعرف أيضا أنها إذا اختارت المرزوقي فإنها قضت على كل أمل في أن تحكم مع النداء  وبالتالي تبقى خارج   الصورة في انتظار أيام أفضل قد تأتي وقد لا تأتي ، وهي تعرف أن الخيارات أمامها باتت محدودة جدا ، ولكنها أمام قواعد وإطارات وسطى وحتى عليا ، (لا ترى في السباق الرئاسي إلا المرزوقي ناجحا ) ، فيما تعرف القيادات العليا  أن حظوظه ضئيلة ، وأن اختياره هو بالذات للترشيح  يشكل كارثة استراتيجية بالنسبة لها،  ولمستقبلها واحتمالات عودتها ،
ومن هنا فإن النهضة في وضع صعب اليوم والخيارات أمامها أحلاها مر، أتتبع القواعد ونظرتها غير المسيسة والغير مدركة لخفايا اللعبة ، أم تتبع ما تمليه عليها استراتجية أكثر ذكاء.
في نفس الوقت يتحرك السبسي على أريكة مريحة رغم أغلبية نسبية لا تعطيه الحكم كله ، وله ثقة على ما يبدو في أنه على أبواب ولوج قصر قرطاج وفقا لأنصاره  في الغالب  من الدور الأول.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق