بكل هدوء
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
رسالة مفتوحة
إلى مصطفى بن جعفر
انقذ نفسك إن
ما زال متسع من الوقت
تونس /
الصواب / 12/11/2014
تقريبا سنة
يوما بيوم أوجه على أعمدة هذه المدونة رسالة مفتوحة ، الأولى قبل سنة كتبتها
للأستاذ أحمد المستيري ، الذي أكن له احتراما فوق اللزوم ، يقطع مع ما ألتزمه عادة
من حياد سياسي ، إذ أعتبر نفسي بصفتي الصحفية التي أعطت معنى لحياتي ، أني أعيش
على هامش السياسة ، لا في خضمها ، والسياسي أو رجل السياسة وفقا للعلوم السياسية كما
تعلمناها ، هو الذي يسعى للسلطة من أجل تنفيذ مشروع مجتمعي معين ، هذا إن كان له
مشروع ، كما هي هو حال كثيرين ممن يترشحون للرئاسة اليوم.
كانت تلك
الرسالة تدعو الأستاذ أحمد المستيري ، أن يرتفع فوق ما تمت "دعوته" إليه
من تولي رئاسة الحكومة ، وكنت نبهت إلى أنهم كانوا يلعبون بماضيه ونضاله السياسي
والديمقراطي ، وفعلا تم سحب البساط من تحت رجليه ، بخساسة ونذالة لم يكن أحمد
المستيري يستحق أن يعامل بهما.
إذن بعد سنة
أوجه على أعمدة هذه المدونة رسالة مفتوحة
إلى الدكتور مصطفى بن جعفر ، وإذ أكتبها وغصة في حلقي ، كما كنت كتبت قبل سنة
رسالة مماثلة إلى الأستاذ أحمد المستيري ، فذلك لأنه لا يمكنني أن أسكت أكثر مما
سكت عن شخص أحترمه وأحمل له تقديرا كبيرا ، وما أعتبر فيه من خصال الرجل النزيه
المتمتع بنكران الذات حتى النخاع، رجل كنت أعتقد أنه وحزبه "التكتل"
سيكونان رقما مهما ، وأنهما يحملان إرث أحمد المستيري ـ أطال الله عمره ـ والحزب الذي شكله مع مجموعة
من المناضلين قبل أقل بقليل من 40 عاما ، ليرسم للتونسيين طريق الفعل الديمقراطي
والتعددية السياسية ، ويفتح أعينهم على احتمالات التداول على السلطة.
كانوا رجالا
روادا ، وكان مصطفى بن جعفر واحدا منهم ، عرفته منذ ذلك الحين ، وبدا في عيني وأنا
الذي رأيته عن بعد في مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري لسنة 1971 أو 1972 يدافع عن
قيم الديمقراطية ، في استقامة المناضل الذي لا يلين.
أذكره يتردد
على مكتبي ( كنت وقتها رئيسا لتحرير جريدة الصباح) أيام الأزمة التي لحقت اضطرار
الأستاذ أحمد المستيري لمغادرة "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين "، بعد أن كان أول من فهم أن الرئيس الأسبق "بن
علي" ليس في وارد تفكيره ، أن يكون رجلا ديمقراطيا ، كما وعد في بيان 7
نوفمبر ، الذي ما زلت أحتفظ به معلقا في مكتبي ، وما زلت أعتقد أن الرئيس الأسبق "بن
علي" زاغ عنه وانحرف بمجرد أن سيطر فعلا على حقيقة الحكم .
كان الخلاف
على أشده أيامها بين محمد مواعدة ومصطفى بن جعفر ، لا حول إرث أحمد المستيري، ولكن على إرث القيم التي نادى بها الرجل منذ 1967 ، عندما
استقال من منصبه كوزير للدفاع.
كنت وقتها
وخلال كل السنوات التي تلت حتى اعتلاؤه "البرشوار" أي رئاسة المجلس
الوطني التأسيسي ، أرى فيه نبلا لا أراه عند غالب السياسيين ، نزاهة ندرت ، عند من
يشتغلون بالسياسة ، وخاصة استعدادا للنضال لآخر الطريق مهما كانت التضحيات.
وفي ما يلي
الرسالة المفتوحة:
" دكتور
لنترك الماضي جانبا ، لنترك هذه السنوات الثلاث
، التي وضعت يدك فيها في يد النهضة ، بعيدا عن أي تكافؤ في القدرات التأثيرية ، لنترك جانبا كل الوعود بعدم
الدخول في تحالف أو ائتلاف مع النهضة ، لنترك جانبا أنك وأنت رئيس حزب له وزن لا
بعدد نوابه ، ولكن بنضاله وتصوره المجتمعي ، لنرك جانبا كيف انجررت إلى ركوب المر من أجل بعض كراسي
زائلة ، لنترك كل ذلك جانبا ، وما كان له من تأثير صاعق على مكانة حزب ، انتخبنا
نحن كثيرون نوابه ، ليكون سدا في وجه نمط مجتمعي ليس نمطنا ، ولا هو نمط التونسيين
في غالبيتهم .
دكتور ، ليس
عيبا ولا غريبا أن يدخل أي حزب في تحالف أو ائتلاف مع حزب آخر ، حتى وإن خالفه في
التوجه ، ولكن دكتور لنقف عند أمرين اثنين :
أولهما : أن
الائتلاف والتحالف لا يمكن أن يحصل إلا بين توجهات متقاربة ، لا ينفي أحدهما
الآخر.
وثانيهما أنه
وفي حالة الاضطرار ، فإن التفاوض واجب
قدما بقدم ، من أجل الحفاظ على معالم الطريق واضحة ، لا لبس فيها .
دكتور إني
أقدر أن ذلك لم يحصل، وإلا كيف كان يمكن، أن تبدأ كتابة الدستور، باقتراح الخروج
عن الدولة المدنية التي نظـَــر لها ( بتشديد الظاء ) ، واعتماد الشريعة كمصدر
أساسي للتشريع الذي لا يمكن أن يكون إلا وضعيا.
صحيح أن
المجتمع ربح هذه المعركة ، ولكن النجاح دكتور كان نتيجة تعبئة من المجتمع المدني.
دكتور أين
الدولة التي بناها بورقيبة وأنتم تغادرون
الحكم بعد أيام ، والسؤال مع الأستاذ مصطفى الفيلالي ، هل بقيت في زمن حكمكم دولة
في تونس؟
لن أطيل ،
وأصل لليوم ، إن النتيجة الحاصلة في الانتخابات التشريعية ، لم تفاجئني شخصيا ،
فالخروج بدون ولو مقعد واحد وبنسبة من التصويت مهينة ، أعتقد أنها لم تفاجئ قيادات
الحزب أنفسهم ، فكل عمليات سبر الآراء
"بشرت " بها.
من هنا فإن
المطلوب في هذه الأحوال القيام بقراءة صحيحة لما جرى.. أسبابه ومسبباته ، وهو عمل
ليس لي فيه لا نصيحة ولا دخل ، ثم الخروج
بالاستنتاجات اللازمة والخطوات الألزم .
أولا : هل من
تحليل صحيح لقدرة حزب بهذا الحجم على البقاء على قيد الحياة
ثانيا : هل
يمكن للقائمين عليه أن يستمروا على قيادته ، وكأنه لم يحصل زلزال هدم البناء على
رؤوس أصحابه.
ثالثا : هل
يستطيع حزب هذه نتائجه أن يحافظ على وجود زعيمه في قائمة المرشحين للرئاسة؟
رابعا : ألا
تكون صفعة أخرى مدوية ، هي الضربة القاضية للحزب ، أم أن المحافظة على
"الشقف" على رأي الحبيب عاشور، هي الأولوية المطلقة ، للإنقاذ من
الاندثار ، والتوجه بالجهد والجهد الحثيث لإعادة البناء ، إن كان ممكنا البناء.
دكتور،
حفاظا على
ماء الوجه ، إن ما زال في الوجه ماء ، وحرصا على صداقة سابقة ، فالصداقة تحتاج إلى
رعاية ، والرعاية غابت منذ دخلت أبواب السلطة من النوافذ
المواربة ، وفقط من واقع مناصب لا تغني
شيئا ، أقول : جاء الوقت للانسحاب من سباق الرئاسة والدعوة لانتخاب أي شخص آخر (
هذا إذا كان يملك الأصوات القليلة التي نالها حزبه في التشريعية)غير الثمانية
الذين من بينهم منصف المرزوقي الخاسر الأكبر هو الآخر هو وحزبه الذي انهار ، وهو حزب لا يقوم لا على النضالية ولا على العراقة
التي تمتع بها التكتل.
جنب نفسك
انهيارا آخر ، وصفعة أخرى متوقعة ، ولك أن تنظر، وأنت قادر على الاطلاع على استفتاءات
الرأي ، لتتأكد أنك لست في وارد الحصول حتى على نسبة تحفظ ماء الوجه.
صديقك السابق
، ما دمت تنكرت للصداقة .
عبد اللطيف
الفراتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق