Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 6 فبراير 2014

الموقف السياسي: سؤال: الخطأ القاتل،، لماذا تجمع السبعة إرهابيين في مكان واحد ؟

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بداية المعركة .. وليست نهاية الحرب
تونس /الصواب 6/2/2014
لا بد من القول بداية، أن تنظيم احتفال بمناسبة نشر الدستور الجديد من قبل رئاسة الجهورية، هو في أدنى الأحوال قلة ذوق، وعدم توافق مع واقع الرأي العام، وهو تنظيم لا بد من الوقوف عند أمرين لا ثالث لها لتفسيره:
فإما أن يكون مقصود للتشويش على احتفال بالذكرى الأولى لاغتيال شكري بلعيد، وهو الاغتيال الأول في تاريخ تونس المعاصر باستثناء ما حدث في خلال الأيام السوداء 1955/1956.
 وهو بهذه الصفة ليس في محله ، وفيه تحد للمشاعر الشعبية، ولعل المرزوقي يتعمد ذلك، وهو يعرف أن حظوظه في العودة لقصر قرطاج ليست فقط قليلة،  بل معدومة.
أو أن يكون غير مقصود،  والمصيبة أعظم وهو يدل على ضعف في الوعي السياسي، وقلة تفاعل مع التيار الشعبي العام ـ لا فقط الحزبي ـ،
وإذا كان مؤكدا أن بلعيد لم يكن يجمع حوله وحول أفكاره السياسية الكثيرين، فإن سخاءه الفكري، ودفاعه كمحام  عن كل المظلومين مهما كان توجههم ، أكسبه شعبية كبرى، مضافا إلى ذلك أنه تعرض لعملية اغتيال ليست في تقاليد هذه البلاد، وهي مستهجنة بطبيعتها، خصوصا أيضا ، وأنه لم يكشف لحد الآن عن المسئولين عنها، لا الذين ارتكبت الجريمة بل وبالخصوص الآمرين والمنظمين والممولين.
في هذا الظرف والاستعداد للاحتفال بالذكرى الأولى للاغتيال، بما في ذلك تحميل الحكومة ـ خاصة السابقة ـ مسؤولية التقصير في تحديد ومعاقبة القتلة الفعليين، وكشفهم وفضحهم، في هذه الظروف إذن تجري عملية ناجحة تستهدف مجموعة من المتهمين بالإرهاب الواقع التفتيش عنهم، تنتهي إلى مجزرة ، بقتلهم سبعتهم ، أمام ما أعلن من رفضهم تسليم أنفسهم، وخطرهم على القوة المهاجمة وربما على الحي الذي كانوا يقطنونه.
**
والمراقب المحايد والموضوعي، لا يمكن أن يتوقف كثيرا حول ما إذا كانت هذه العملية جاءت في توقيت قصدي لمناسبة ذكرى اغتيال بلعيد، ذلك ليس مهما ، طالما إنها استهدفت من يظنونهم كلهم أو بعضهم ضالعين في عملية الاغتيال، وطالما إنها توجت بنجاح كبير، وسيقول البعض بنجاح نسبيا طالما لم تنته بالقبض على الفريق، والحصول منه عن المعلومات المطلوبة، وخاصة من كان وراء الأمر بالاغتيال ، والتنظيم والتمويل.
هل ذهبت الحقيقة مع قتل هؤلاء السبعة، أم إنها ما زالت قابعة في أعماق آخرين، ربما لم يكونوا منفذين ولكنهم مخططين أو متلقين للأوامر في السلسلة التنفيذية التي تولت تلك العملية.
ولكن يمكن للمرء أن يقف عند أمر آخر أكبر أهمية: هل كان قتل العصابة، مفروضا ولا مفر منه، أم إنه جاء بحكم الخطر الذي تمثله على المحاصرين، وباعتبار أنه ليس من حل آخر.
لا بد من القول أولا إن إقدام القضقاضي ورفاقه لقتل ضابط الحرس الوطني الوكيل جبر في البداية الأولى للعملية، بمجرد إحكام الطوق على المجموعة، لا بد أنه  ترك أثرا في النفس، فقد شاهد الضباط والأعوان زميلهم يهوى بين أيديهم بلا حراك، وعلى حرفية أفراد فريق الحرس الوطني ، وبالتالي صلابتهم النفسية، فإن ذلك لا يمر دون أن يترك في النفس وجيعة، وإرادة في الانتقام.
وكما قال مثل قديم لا أستحضر من قاله:"لا يغسل الدم إلا الدم"، وبالتالي لم يكن ليريح النفس إلا قتل الجماعة، ما دام ليس معروفا من هو مسئول من بينهم على قتل الزميل.
لكن ليبقى في الذهن أن ذلك ليس محددا (بكسر الدال الأولى) بين ضباط وأنفار، يتميزون كما قلنا بحرفية عالية وانضباط كامل، وإذا كان القرار قد صدر إليهم بضبط العصابة أحياء أو أمواتا فإنهم ولا شك كانوا ينفذون الأمر بعيدا عن المزاج الشخصي.
وتتبعا لكرونولوجية الأحداث في الليلة الفاصلة بين الاثنين والثلاثاء ، فإنه قد تمت تصفية اثنين من الفريق في تمام الحادية عشرة ليلا والرابعة صباحا، عندما خرج اثنان في حالة جري وعدو في اتجاه أعوان الحرس الوطني وكلاهما يطلق الرصاص، وتم التقدير بأنهما يحملان كل منهما حزاما ناسفا، وصدر الأمر بالقضاء عليهما، يبقى السؤال : هل كان ممكنا  أن يوجه الرصاص إلى الرجلين لشل الحركة ولا يصيب كلا منهما في مقتل، لعل التقدير أنه كان واجبا القضاء على الفردين مباشرة لكف خطرهما.
ولقد بقي في داخل المنزل 5 أفراد، ولكن وفي ذلك الوقت لم يكن أحد يعرف العدد الحقيقي عند المنطلق ولا بعد قتل الرجلين، الذين يعتقد أنهما بقيا حيث قتلا، حذرا من أي مفاجآت عند الاقتراب، وللواقع فإن القيادات لا السياسية ولا الميدانية  ما كانت تعرف أنه كان يوجد في المنزل مخزون من الـ ت ن ت أو من حامض النترات بـ 600 كلغ، يقول الإخصائيون إنه  لو تم تفجيره، لكان تأثيره مدمرا في دائرة كبيرة، ولما بقي أحد حيا من كل مجموعة الحرس الوطني وفقا لأقوال العارفين.
لقد سلم الله ولا شك.
ويبقى السؤال مطروحا: ألم يكن من الأفضل الإمساك بالبقية أحياء ، بمن فيهم القضقاضي، العارف بتفاصيل من أعطى أوامر الاغتيال ووفر التمويل.
إننا نميل إلى ما قاله كل من السيد الباجي قائد السبسي، في حصة "شكرا على الحضور"، وما قاله الخبير الأمني الدكتور بن سلطانة على "نسمة": أو ما أوحى به وما فهمه الناس، على أن الآمرين والممولين معروفين لدى جهات معينة، فقط لعله يتم الانتظار للوقت المناسب.
وبالعودة إلى السؤال: لماذا لم يكن اتجه الأمر إلى القبض على المجموعة أو من بقي منها أحياء؟
الجواب من وجهة نظرنا يتمثل، بقطع النظر، عما إذا كان المسئولون لا يريدون أن يجدوا على أيديهم، أشخاصا يعرفون أسرارا قد لا يراد لها أن تعرف، في:
1/ إن وزارة الداخلية لم تكن تريد أن يسقط أنفار آخرين من الحرس الوطني
2/ إن عملية الاقتحام بدت صعبة بالنظر إلى تصميم العصابة
3/ إن العصابة مشكلة، لا من مجرمين عاديين، تبدو الحياة هي أهم شيء بالنسبة لهم، بل من مجرمين إيديولوجيين، يعتبرون أن الموت هو غاية المنى، وبالتالي تستوي عندهم الحياة والموت.
وكان أمام القيادات الميدانية، خياران، إما أن تنهي "التشويق" حتى بالنسبة للمواطنين الذين باتوا يتابعون تطور الأحداث، أو أن يطيلوا الأمر ليستمر ساعات أكثر وربما أيام أخرى.
ويقول العارفون أن السلطة كان بإمكانها أن تقذفهم من السماء بالطيران الهيلكوبتر ، أو تستعمل معهم الغازات المشلة للحركة، ولكنه لم يكن معروف أنواع السلاح المتاح لدى العصابة ، أو  كان بإمكانها محاصرتهم، عبر قطع الماء والضوء، وانتظار انتهاء التموين المتوفر  لديهم، وفي هذه الحالة ، إما أنهم  ينتحرون أو يخرجون مثل الفئران ، كما كان يقال في حالات الحصار عبر التاريخ.
لم يكن معروفا بالضبط ولا حتى بصورة تقريبية مخزون التموين المتاح لديهم، ولا ما إذا كانوا خزنوا كميات من الماء أيضا.
وبالتالي فقد كان الاحتمال واردا باستمرار الحصار أياما أو حتى أسابيع، وهو من الناحية النفسية شديد الثقل لا فقط على الأعوان، ولكن على الشعب أيضا.
لعله من هنا جاء القرار بالحسم مهما كانت النتيجة، والنتيجة ما كان يمكن إلا قراءتها بالنظر إلى طبيعة التركيبة النفسية لأفراد المجموعة، وعمق التغلغل الإيديولوجي.
من هنا يبدو وأن ذلك القرار بقتل كل المجموعة من وجهة النظر الموضوعية، هو القرار الوحيد المتاح في الظرف الذي حصلت فيه الأحداث، حفاظا على أرواح ضباط وضباط صف وأعوان وحدة الحرس الوطني.
سؤال وحيد باق في آخر هذا التحليل: هل سلمت تونس بعد هذه التصفية، من وجهة نظرنا لا. والحرب القادة ستكون أكثر شراسة.
إن  الإرهاب قضية أكبر من أن يقع حلها بين يوم وليلة، وتونس تدفع  فيما تدفع زيادة عن الظاهرة محليا وإقليميا ودوليا ، ثمن قرارات رخوة اتخذت في 2012، اعتبارا لتصريحات الشيخ راشد الغنوشي، و سلوك الحكومة النهضوية  إزاء الذين" يؤدون حركات رياضية في الشعانبي" ، واستقبال رئيس الجمهورية لعدد من  الإرهابيين من بينهم أحد القتلى  هذه الأيام : كمال القضقاضي.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق