عربيات
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
حال العالم
العربي اليوم،،
وغدا..
تونس/
الصواب/15/02/2014
في تصريحين
لوزير الخارجية الجديد المنجي الحامدي تأكيد على أن رسم السياسة الخارجية للبلاد
التونسية هو من صلاحيات رئيس الدولة ، وفقا للدستور الصغير الذي تمت المصادقة عليه
في بداية عمل المجلس التأسيسي قبل أكثر من عامين، لكن الوزير وهو يتبع من الناحية
التراتبية رئيس الحكومة الجديد مهدي جمعة، اتخذ موقفين اثنين مناقضين "في
رفق" ما سبق أن تولى ضبطه الدكتور محمد منصف المرزوقي، عندما أعلن ما مفاده
أن العلاقات مع سوريا ( للفهم مع النظام السوري) هي بصدد المراجعة، وأن تمثيلا دبلوماسيا
مع دمشق هو بصدد الدرس، وكان الرئيس التونسي قد أقدم على قطع العلاقات الدبلوماسية
مع سوريا قبل حوالي العامين، ربما بسبب موقف مزاجي لتأييد ثورة هي في بداية
الطريق، واعتمادا على موقف وزير للخارجية
آنذاك رفيق الذي يسمي نفسه عبد السلام، المعروفة ارتباطاته بإمارة قطر، المعروفة
من جهتها بأنها كانت تتزعم تحت تأثير أمريكي واضح، الموقف المضاد للحكم السوري القائم.
وكنا أيامها
على تأييدنا للثورة السورية ، قبل أن تترى عليها جهة سلفية رجعية واضحة، قد نبهنا
إلى خطإ المسرى الذي يلجأ إلى قطع
العلاقات الدبلوماسية ، باعتبار أن تلك العلاقات لا تعني لا اقترابا ولا ابتعادا
عن الطرف المقابل، بل تنظيم قنوات اتصال، هدفها بالأساس رعاية المصالح الوطنية
ورعاية مصالح المواطنين المتواجدين بالبلد المعني.
كما بدا أن
وزير الخارجية في اختلاف حتى لا نقول في قطيعة مع توجه رئيس الجمهورية، بشأن مصر
مؤكدا عدم التدخل في شؤون داخلية لبلد آخر ملحا على اعتبار علاقات الأخوة بين
البلدين.
وفي كلتا
الحالتين، فإن الدبلوماسية التونسية تصرفت في الماضي من موقع مزاجي، بعيدا عن تقاليد
وتجارب الخارجية التونسية، وعموما التقاليد الدبلوماسية المرعية، وصولا إلى حد الانتهاء بتلك التصرفات الهاوية بمعنى غير
الاحترافية، إلى إثارة موضوع وشأن داخلي لمصر على منبر الأمم المتحدة، من قبل رئيس
الدولة ذاته.
ووزير
الخارجية وحتى رئيس الحكومة ذاته، المسكونان بعقلية معقلنة rationnelle ، والمدركان لحقيقة العمل الدبلوماسي، وطبيعة
التقاليد الدبلوماسية التونسية، كانا كمن يسير على حقل بيض هش، لا ينبغي أن تنكسر
منه بيضة واحدة، في علاقة بطبيعة توزيع الصلاحيات داخل سلطة تنفيذية، برأسين.
ومن هنا جاءت
صعوبة وزير الخارجية، بشأن استرداد الدبلوماسية التونسية، لإشعاعها وعقلانيتها
التي فقدت الكثير منها، واحترامها للتقاليد الدولية المرعية، وضرورة التحرك من
موقع المصالح الوطنية، وبين نصوص دستورية ورئيس دولة متمسك بها، يعتقد أن الثورة
تعطيه كل حقوق التصرف بعيدا عن التزامات الدولة وضوابطها.
من هنا يبدو
أن علاقات معينة دبلوماسية أو قنصلية، ستعود بتونس إلى دمشق وربما مثلها ستعود إلى
تونس، وفي الأثناء وكما هي العادة في مثل هذه الأحوال فلعل السفارة الجزائرية في
بيروت بعد احتمال انسحاب من دمشق، ستتولى رعاية المصالح التونسية، المتمثلة خاصة في
جالية مهمة إلى حد ما ، ومساجين ممن وقع التغرير بهم، فذهبوا إلى الدولة الشقيقة
لمحاربة حكومتها، وكأن الثورة ليست شأنا سوريا موكول للمواطنين السوريين قبل
غيرهم.
**
هذان الأمرإن
أخذ يتبين أنهما ليسا هما تونسيا فقط، بل هما عربيا في عمومه، وأنهما باتا يشقان
العالم العربي ومؤسساته.
وإذ يبدو
واضحا أن سوريا لم تعد مرشحة للسقوط
بأيدي"ّالثوار" بعد أن تحولت الثورة من صبغتها السلمية، كما كان الشأن
في تونس و مصر، عند المنطلق، إلى أعمال عسكرية، بدأت بانشقاق عسكري منطلقاته
سياسية اجتماعية ، وانتقلت إلى حرب عقائدية تستبطن جهات سلفية مرتبطة بما يجري في
العراق، وتقوم على مواجهة سنية شيعية ، عميقة الجذور، من جهة ومواجهة دينية متطرفة
وعلمانية إلى حد ما من جهة أخرى، أدخلت في المعادلة أطرافا خارجية باتت جزء من
المواجهة، من شيعة متمثلة في نظام سوري علوي نصيري شيعي ونظام شيعي جعفري إيراني
امتداده في لبنان عبر حزب الله، يدعم الحكم القائم في دمشق ويمده بالسلاح والعتاد
والرجال، ومن جهات سنية تقف وراءها السعودية ودول عديدة من الخليج،
و"متطوعين" من مختلف الأقطار العربية بما فيها تونس، بحيث أصبح الوضع
السوري معقدا وبات أشبه بوكر للدبابير أو خلية نحل لا وضوح فيها، وهو غير مرشح لحل
قريب، خاصة وأن له خلفيات تتجاوز سوريا والعالم العربي إلى توازنات إقليمية ودولية
واضحة.
والولايات
المتحدة نفسها تقف اليوم في موقف المحرج، فهي تتمنى مغادرة نظام الأسد، ولكنها لا
تريد إرساء قواعد نظام يكون ديني متطرف أو
معاد بالكامل لإسرائيل، وهي مدركة أن نظام الأسد كان تعبيرا عن معاداة معلنة
للدولة العبرية، ولكنه كان في نفس الوقت مهادنا لها، إذ لم يسبق له القيام بأي
تحرك تجاهها عبر حدوده منذ 1973 فيما سمي
بحرب تشرين أكتوبر.
وسوريا اليوم
تتجاذبها عدة توجهات دولية، روسيا والصين التي تسعى للحفاظ على نظام مرفوض داخليا
من أغلبية السوريين، والولايات المتحدة وأوروبا التي تتمنى إنهاء النظام الأسدي،
ولكن بشرط قيام نظام جديد يكون مدنيا بعد التجربة الأمريكية الفاشلة مع الإسلاميين
في مصر وتونس، فيما القوة الحقيقية اليوم في الداخل السوري هي القوى الدينية
المتطرفة، والتي تزيد خشية أمريكا منها ومن تطرفها اللفظي تجاه إسرائيل.
**
غير أن
المعضلة الأكبر تبدو تلك القائمة في مصر، فالولايات المتحدة بالذات، وحليفاتها وبعد تمرد 30 جوان 2013 الذي جمع الملايين ضد حكم الإخوان المسلمين ،
وهو تمرد معترف به في النصوص الدولية وخاصة توطئة العهد الدولي لحقوق الإنسان ،
وما تبعه من تولي الجيش طرد الحكم الإخواني، والإيحاء بقيام حكم مدني، ، الولايات
المتحدة وحليفاتها لم تتجرأ على مواجهة الحكم الجديد في مصر ، فمصر رقم لا بد من
وضع حساب ثقيل له في الموازين الإقليمية
والدولية، ومع التنديد بحمامات الدم للحكم الجديد ، وللإخوان كلاهما ، وبعد التنديد بوضع زعامات سياسية إخوانية وليس
من الصف الأول فقط، وغلق أصوات الجهات الإخوانية ، لم تقدم لا على وقف المعونات
والهبات ولا على الحد من القروض الحكومية والمؤسساتية الدولية لمصر، بعكس ما حصل
مع الحكم الإخواني في تونس حيث تم تجفيف المنابع المالية ، حتى مغادرة النهضة
للسلطة، واستئناف المدد بعد ذلك، ليستمر تدفق القروض بعد تشكيل حكومة المهدي جمعة.
لم تعرف
الجهات الغربية ، كيف تتعامل مع العهد المصري الجديد، بعد إقالة رئيس منتخب، ووضعه
هو وزعامات حزبه وحتى مجرد أنصار ومنضوين في السجون ، خصوصا وأن الحكم المصري
الجديد قد تلقى مساعدات كاسحة من الثلاثي السعودية/الإمارات / الكويت على خلفيات
عدة، بعضها يعود إلى أكثر من 20 سنة، عندما وقف الإخوان في مصر وتونس والأردن
والسودان وغيرها مؤيدين لاحتلال صدام للكويت، واستمرارا لما اكتشف من محاولة
انقلاب إماراتية في أبي ظبي اتهم إخوان مصر بأنهم كانوا وراءها، ما كان يرد به
تغيير المعادلة الخليجية.
إن مصر تعتبر
رقما مهما في الإقليم سواء العربي أو الإفريقي ، وبالتالي فإن الموقف الغربي أمريكيا
وأوروبيا لا يمكن إلا أن يكون معتدلا إزاء مصر وحكمها، حتى بتجاوزاته، وهم لا ينسون
أن مصر مرتبطة بمعاهدة كامب ديفيد، وهي معاهدة لم يتنكر لها كل من حكموا مصر بعد
ثورة 25 جانفي 2011 ، ولا حتى الإخوان المسلمين، الذين وجدوا في تحالفات للأقرب
منهم أي حماس في غزة، ولكن مع اليد الممدودة لإسرائيل والالتزامات تجاهها.
غير أن مصر،
وبعد أن وقفت أوروبا وأمريكا موقفا نقديا منها، وبعد تنديدات منظمات حقوق الإنسان
بما حصل فيها، وهو بكل المقاييس خطير، انتهت تلك الجهات الغربية إلى الاكتفاء بالمطالبة
بتشريك الإخوان المسلمين في المسار الانتخابي المقبل الرئاسي والبرلماني، ما يعني
من طرف خفي غير معلن، بإطلاق سراح زعاماتهم مقابل اعتراف غير مشروط بالمسارين، غير
أن مصر إذن اختارت بعد التزام مع أمريكا منذ عهد السادات وطرد الخبراء السوفيات من
بلادها في حركة دراماتيكية، اختارت إذن التموقع بين بين، فأعادت علاقة قوية مع
روسيا "بوتين"، الداعمة لكل ما يؤدي إلى تخفيف التبعية للولايات المتحدة،
وكانت المناسبة عقد صفقة تسليح روسية كبرى وصفت بصفقة القرن بتمويل من الإمارات،
وهي بهذه الصفة أي مصر اليوم تحاول أن تقيم توازنا بين روسيا وأمريكا، بحيث إن
أمريكا لا تستطيع أن تتخلى عنها، فيما تربح روسيا صديقا مهما على الساحة الإقليمية
الشرق الأوسطية، يعيد إليها مدخلا استراتيجيا مهما في منطقة فقدت فيها الكثير من
أوراقها، وتشهد فيها ورقتها الأخيرة سوريا أحداثا جساما.
ومصر السيسي
تعرف جيدا، أن روسيا ، لم يعد لها الوزن الذي كان لها أيام الحرب الباردة، إلا
أنها تعرف أيضا أن روسيا مع الصين المضمونة منذ زمن، يمكن إن لم تحقق التوازن
الكامل فإنها تجعل منها، "حليفا" لا يمكن الاستغناء عنه أو غمطه وعدم
وضعه في الاعتبار ، كقوة إقليمية جيدة التسليح، وبأسلحة روسية دفاعية، ولكن هجومية
أيضا لا تتوفر لها من المخزون الأمريكي ، الذي يمنع تسليحا معينا عن العرب تمتلكه
إسرائيل.
مصر السيسي
الذي يعتقد الخبراء أنه سيكون الرئيس المقبل، بانتخابات يراد لها أن تكون شفافة،
فمصر مثل روسيا مع بوتين ، تتحرق إلى زعيم يعيد لها وزنها المفقود، الذي ربما وجدته في هذا العسكري الذي يذكر بعبد
الناصر، مثلما يذكر بوتين بزعماء سوفيتيين كبار أيام العز .
وبالمحصلة
فإن مصر بعد 30 يونيو و3 يوليو قد استعادت موقعها العربي، فقد ضمنت لجانبها كلا من
المغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا والسعودية والإمارات والكويت وإلى حد ما الأردن، فيما إن مواقفها الجديدة مما يحدث في
سوريا يعيد إليها سوريا ولبنان وإلى حد ما
العراق الرسمي.
ولا يبقى في
الموقف المعاكس للحكم الجديد سوى قطر وتونس التي تبدو وكأنها تراجع توجهاتها
السابقة.
أما معركة
مصر الدبلوماسية المقبلة فهي إفريقيا، التي أطردتها من مؤسساتها القارية، والتي
تسعى اليوم لاسترجاع موقعها فيها بتأييد حثيث من الصين، خصوصا، وأن سد النهضة الأثيوبي
، يتهددها في حصتها من مياه النيل، وهو سد قد يتسبب في حرب قادمة، يكون طرفاها
القاهرة وأديس أبابا .
عندها سيرى
العالم الموقف الأمريكي وهل سيكون مساندا للحبشة أو لمصر؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق