الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
فترة الإمهال للحكومة
الجديدة.. إلى متى؟
والخطر داهم
وقادم
تونس/ الصواب/ 28/02/2014
ما من حكومة جديدة إلا و تستحق فترة
إمهال، قبل بدء محاسبتها على ما أقدمت عليه من فعل وما لم تقدم، ولا يمكن استثناء
حكومة المهدي جمعة من هذه القاعدة، ولقد درج المحللون السياسيون في كل الأصقاع على
اعتبار أن فترة الإمهال Délai de grâce تتراوح بين 3 و 6 أشهر، كافية لاستئناس الوزراء بخفايا وزاراتهم،
والضبط الدقيق لسياساتهم، ضمن السياسات العامة المحددة في البرنامج الحكومي.
غير أنه
وبالنسبة لحكومة مثل حكومة المهدي جمعة وبالنظر إلى أمرين اثنين لا يمكن إلا أن
تطول أو تقصر فترة الإمهال، فمن جهة فإن مدة حكم هذه الحكومة ستكون قصيرة ضرورة
باعتبار أن عليها أن تنتهي ولايتها بعد الانتخابات المحددة لما قبل آخر السنة ،
وهو ما يفترض أن تكون مدة الإمهال أقصر وقتا قد لا تتجاوز شهرا، ولكن ومن جهة
ثانية وباعتبار حالة الدمار السياسي والاقتصادي الاجتماعي التي تركت عليها
الحكومتان السابقتان البلاد، وما أقدمت عليه من إغراق الإدارة تحت وابل من
التسميات المشبوهة، فإن تقويم الوضع وتقييمه قبل البدء بإصلاحه يتطلب مهلة أكبر،
قد تمتد إلى شهرين وعلى أكثر تقدير.
غير أن
الاستعجال الشعبي فرض على الحكومة الجديدة رزنامة أسرع، فمنذ مرور شهر على تأليفها
قبل يوم أو يومين بدأت محاسبة عسيرة، ليس من الجهات التي تملك حق المحاسبة بل
شعبيا.
و لذلك وجدت
حكومة تلقت إرثا ثقيلا وسيئا جدا نفسها تحت المطرقة المستعجلة ضرباتها، والتي بدت
وسائل تدخلها محدودة جدا، وباستثناء تدفق تمويلي تم حجبه عن الحكومة السابقة ،
وأدى لخنق فعلي للبلاد، نتيجة ثقة دولية ومؤسساتية منعدمة فيها، وفي كفاءتها إن لم
يكن أكثر من ذلك، فإن الحكومة الجديدة بدت
مشلولة الأيدي تجاه متطلبات أخرى منتظرة، تضغط النهضة والمؤتمر والأحزاب التابعة
لعدم الخوض فيها.
إن الوضع
الاقتصادي للبلاد أعقد مما كان متوقعا، ولا ينبغي تسليط أضواء كاشفة قوية لتبيان
مدى كارثيته ، وكذلك الوضع الاجتماعي، ولكن الأكثر من ذلك، هو كسر المسار الذي كان
سائدا، وقيام عادات جديدة، تقوم على مطلبية مفرطة، اتسم سلوك الحكومات السابقة
بالاستجابة إليها ، وعدم التعامل معها بأي منطق،و نتيجة ذلك كانت في تفاقم بطالة
وتضاعف آثارها، مع ضغط على موازنة الدولة لا يحتمل، وارتفاع في كلفة الإنتاج إلى
أقصى ما يمكن تحمله، إضافة إلى زعزعة النسيج الاقتصادي للبلاد سواء في ملامحه
الداخلية أو في المعاملات مع الخارج.
غير أن
الأخطر من ذلك تمثل في محاولة تغيير نمط المجتمع، وكسر مكتسبات قرنين من محاولة
الإصلاح تولتها نخب وطنية عالية الهمة والخبرة، وتشجيع أشكال من الجهات الموازية
لجهاز الدولة على شاكلة ما اعتمدته الأنظمة الفاشية، وإغراق جهاز الدولة بالألوف
من الكوادر غير ذات الكفاءة، وبولاء حزبي واضح ما أضر أيما ضرر بمسيرة البلاد
وتوقها إلى التقدم.
هذا وحده يتطلب وقتا طويلا أكثر من اللازم لكشف
أبعاده وأضراره وهو وقت ليس متاحا للحكومة الجديدة، فضلا عن وقت آخر طويل أيضا
لتقويم اعوجاج، ليس سهلا التعامل معه لأن وراءه ضغوطا وافدة من النهضة خاصة ولكن
أيضا المؤتمر والأحزاب الاصطناعية التي انبثقت منه، تصل إلى حد أن البلاد أصبحت
تحت خطر لا فقط انعدام الكفاءة، في إدارة ومؤسسات كانت تتمتع بوضع مقبول ، ولكن
أيضا تحت تهديد قوي بعدم استقامة مسار ، إذا استمر فمن شأنه أن يربك كل شيء ، بما
في ذلك انتخابات ليس هناك اطمئنان لحسن سيرها، بما يمكن أن يؤبد استمرار النهضة في
الحكم.
ومسؤولية ذلك
تتحملها ثلاث جهات، عدا النهضة المستفيدة والتي لا يمكن أن يلومها أحد باعتبار
طبيعتها وهي:
-
حكومة الباجي قائد السبسي التي مكنت للنهضة
عبر المال الفاسد، والابتزاز من ربح انتخابات في 2011، ليس صحيحا أنها كانت مؤهلة
للفوز فيها واسألوا ما يقوله اليوم كمال الجندوبي.
-
حزب المؤتمر الذي مكن للنهضة وكان شريكا لها
في مسعاها، دون وعي منه بأنه سيكون أول ضحاياها.
-
حزب التكتل، الذي اتسم بغباء منقطع النظير ،
فاكتفى ببعض كراسي بلا معنى ، ليغمض عينيه عن كل التجاوزات.
ولعل الضحية الأكبر في هذه المأساة اليوم هو مهدي جمعة وفريقه، وهو إن لم يسارع
بالتفصي من المسؤولية ـ وعن حق وجدارة ـ ، ويلقي مسؤولية الوضع الكارثي عمن تسبب
فيه، أي حكم الترويكا التي تركت البلاد في وضع إفلاس ، ويصارح الشعب بحقيقة الوضع
السيء الموروث، فإن الناس سيعتقدون أنه هو ووزراؤه هم الذين سيتحملون وزر القرارات
السيئة الوافدة قريبا جدا ، وهي قرارات ستكون مرة إلى أبعد الحدود شديدة الإيلام.
وبدونها فإن الأيام المقبلة لن تبشر بخير، بل تنذر بشر مستطير.
والذين يحملون البنك الدولي وصندوق النقد الدولي
والمؤسسات المالية العربية والإفريقية
والأوروبية مسؤولية ما سيأتي ، لا ينطلقون إلا من منطلقات ديماغوجية، بوعي أو بدون وعي، ودون قراءة فعلية لحقيقة
الوضع، ولا لأبعاد الأزمة ولا للمتسببين الحقيقيين فيها.
إن مهدي جمعة وفريقه يمرون حاليا بحقل مفخخ، وإذا لم
يصارح الناس وبسرعة، فإن المواطنين سيحملونه مسؤولية هو بريء منها.
ولذلك ينبغي له أن يستعمل بيداغوجيا مقنعة ، إزاء
مواطنيه ،للتعامل مع وضع سيء جدا ورثه ويفرض علاجا خطيرا، وإلا فإنه سيخسر كل شيء
وتخسر معه البلاد ، لا فقط مستواها الاقتصادي والاجتماعي بل ربما استقرارها، ويكون
الاستعداد قائما لكل المغامرات المحتملة والأخطر.