الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بعد حلول الكارثة
هل من عودة للدولة وهيبتها؟
تونس / الصواب /18/06/2016 /
سنتوقف عند ثلاث نقط يتحمور من خلالها
هذا المقال:
** أولها : ما قاله الباجي قائد
السبسي من موقع ( رئيس في نظام رئاسي إن لم يكن رئاسوي في نظام شبه برلماني ) :"
أعتقد أن فرص نجاح تونس لا تزال متوفرة وهي لم تتحقق إلى حد الآن ، لأنه لم يتم تحديد الأولويات المشتركة
بين البرلمان والحكومة من ناحية وكذلك لغياب انخراط شامل في برنامج مشترك من طرف
المنظمات والأحزاب والحكومة ، وعليه يصبح اليوم من الواجب قيام حكومة وحدة وطنية
تتميز عناصرها بالكفاءة والنزاهة والتناغم لضمان نجاعة أدائها بعد أن يصادق البرلمان على
أولوياتها آنفة الذكر" ،
كل ذلك صحيح من موقع رئيس يتمتع بموضع
رئيس في نظام رئاسي.
**ثانيها ما جرى من حديث بيني وبين
مدير عام كبير في الإدارة التونسي قبل
أيام ، فقد قلت له إن الإجراء المتخذ ، من حيث مراقبة حضور موظفي الدولة ومؤسساتها
مبادرة ديماغوجية عبر جهاز خاص ، باعتبار
أن تلك الرقابة هي من صميم عمل التراتبية الإدارية من مدير عام إلى بقية السلسلة
حتى رئيس الفريق ، أجابني والأسف على وجهه : من يستطيع اليوم أن يقوم بملاحظة لموظف
يأتي متأخرا لعمله ، أو يتوانى عن أداء واجبه ، ينتظر وقتها اعتصام ويطلب للمسئول
"ديقاج" ، ولذلك يمكن لرقابة خارجية
أن تقوم بما لا تستطيعه الرقابة المعتادة في الإدارات وفي بلد عادي ، وحتى وللأسف في القطاع الخاص.
لقد انفرط العقد و " سياب الماء على البطيخ
"، وما حصل في مستشفى صفاقس يعطي مذاقا منتشرا عاما في البلاد ، فالنقابة
دخلت في التصرف والتسيير ، وباتت تملي ، وسواء كان الاتحاد العام مشاركا في القرار
، أو مسايرا ، فإن النتيجة واحدة .
ثالثها : أن الناس في بلدنا غير واعين
بأن الأزمة الحالية ليس لها بالقياس مقارنة مع الأزمة في تونس عام 1969 بعد تجربة بن صالح الفاشلة ، أو حتى 1986 التي فرضتها
ارتجالية محمد مزالي الذي ضرب صدره بأم
قبضته متجاوزا كل المعايير الاقتصادية .
**
إننا وبصراحة اليوم في وضع أشبه بذلك
الذي كان قائما في السبعينيات من القرن التاسع عشر ، عندما غرقت البلاد في الديون
، ووجدت نفسها ضمن أسباب موضوعية تحت
طائلة حماية فرنسية ارتهنت سيادة بلادنا.
ليست تونس اليوم مهددة في استقلالها
السياسي ، ولكن الذين قادوا حركة التحرير على مدى عقود وذاقوا الاستشهاد والسجون والمنافي ، والذين لم
نعترف لهم بالفضل ، بل يحاول البعض منا أن يلطخ تاريخهم على ما فيه من نصاعة تعتورها
بعض السواد من النقاط ، ولكنها ـ أي تونس ـ مهددة بارتهان سيادتها وكرامتها بعد
أن بلغت مديونيتها حدودا فوق طاقة الاحتمال ، مديونية ، ذهبت بكل ديماغوجية لخلاص
أجور متعاظمة ، و تعويضات بلا حدود ولا ضابط ، وانهيار للإنتاج والإنتاجية ،
وقرارات ارتجالية ، مثل خرافة رقابة الأسعار ، التي لا تتم إلا عبر الإنتاج الذي
يكفي السوق ويغطي التكلفة ، وترك الدينار في انزلاق دائم ، بسبب ضعف فادح في
إنتاجية العمل ، فيما كان الحل في اتخاذ قرار سيادي بتخفيض الدينار مع ما يصاحب
ذلك من قرارات ، حازمة نبه لها وزير المالية القصير العمر في وظيفته حسين الديماسي
من 1962 ، واضطر للاستقالة منبها للآتي المظلم منذ ذلك الحين ، وقد أتي ووصل.
**
هذا هو التحليل الواقعي لما نحن فيه اليوم ، إننا نغرق ونزداد غرقا ، .
غير صحيح ما يروج من أن الدول لا يمكن أن تفلس ، فعندما تكون الدولة عاجزة عن
سداد ديونها التي لم تنتج ثروة ، وعندما
تتقلص مواردها ، وعندما تكف عن دفع أجور موظفيها أو تضطر لخفضها ، أو دفع مستحقات الذين يسدون
لها سلعا وخدمات ، عندها وبخلاصة فإن الدولة تعتبر مفلسة ، قبل 70 سنة كان ذلك هو
حال الأرجنتين بعد سقوط نظام بيرون الديكتاتوري ، وقبل 10 سنوات كان ذلك هو وضع اليونان ووصل الأمر إلى أن الأجور و
معاشات التقاعد لا تدفع ، ومستحقات
المؤسسات تتأجل ، فتفلس مؤسسات ويبيت
مواطنون على الحديدة.
ليس ذلك نظريا ، هذا هو واقعنا بلا
تشاؤم مفرط وهو ما ينتظرنا في عام 2017
وربما قبله ، روسيا في التسعينيات أنقذتها
سلة بترولية سخية ، واليونان ما زالت على سرير الانعاش للإتحاد الأوروبي ،
بين الحياة والموت والمرتبات تدفع مرة وتغيب من حين لآخر رغم دفق العطاء الأوروبي
، وقد اشتعلت الأسعار.
المسؤول عن ذلك الوضع في بلدنا لنقلها بصراحة تسيب النهضة في فترة
حكمها سواء لقلة خبرة بالحكم أو لقصر نظر ، أو لعدم العمل بنصائح بعض وزرائها ،
حيث كان لزاما الانضباط ، ثم فترة المهدي جمعة الإنتظارية ، ثم وخصوصا فترة الباجي
قائد السبسي ، نقول ذلك لأنه كان الحكم بأمره خلال عام ونصفا دون غيره ( ولا
الحبيب الصيد) ولكن بمعية راشد الغنوشي ، مسؤولية خطيرة طرحت اليوم على كاهل وأمام الجيل الحالي
والأجيال المقبلة التي ستدفع ثمن تسيب مفرط وقلة مسؤولية ، و ايضا المجاملة بين الشيخين
للبداية السيئة منذ 2012 وتحميل المسؤولية
لمن كان ينبغي أن يتــحملها ( أليس كذلك حسين الديماسي الرجل صاحب البصيرة النافدة
) ، وعدم القيام بالجراحة التي كانت تكون أرفق بالبلاد ، على الأقل لو صارح السبسي وحكومته بكل مكوناتها البلاد بالحقيقة التي صدع الكثيرون بها منذ وقت
طويل.
ولكن هيهات ، لقد أكلنا زرعنا أخضر ،
وجاءت السنوات العجاف التي سيتجرع مرارتها شعب كامل بسبب قلة مسؤولية الحكام
المتعاقبين على هذه البلاد بعد الثورة.
لا يعني هذا ان الثورة لم تكن ضرورية
، ولكن يعني أن القيادات السياسية أساءت للحدود الكبرى تصريف أمورنا خلال السنوات
الست الأخيرة ، وجعلتنا لا على حافة الإفلاس بل القاع الذي ليس بعده قرار ، وعندما
جاءت اليقظة لم يعد هناك من أمل منتظر إلا
بمعجزة ، ومن أين يمكن أن تأتي المعجزات في هذا العصر؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق