Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 23 يونيو 2016

من سيكون رئيس الحكومة الجديد ؟

أزمة سياسية في تونس ..
بدون حل في الأفق
تونس / أسواق العرب /06/06/2016
 بقلم عبد اللطيف الفراتي
من سيكون رئيس الحكومة التونسية المقبل ، بعد "الإقالة" غير المعلنة و غير الدستورية المفاجئة لـ "حبيب الصيد " الذي يتندر بشأنه التونسيين بأنه لم يكن أسدا كما يدل عليه اسمه.
فقد فاجأ رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وعن غير انتظار التونسيين ، في برنامج تلفزيوني  يوم 2 حزيران  يونيو ، بالإعلان عن التوجه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية ، كما الحكومة الأولى التي شكلها الحبيب بورقيبة إبان الاستقلال في سنة 1956 ، لتكون على قدرة على حل المشاكل المستعصية التي تواجه البلاد.
** حكومة وحدة وطنية أو حكومة وحدة اجتماعية
وما لم يقله قائد السبسي هو أنه قرر صرف رئيس الحكومة ، باتجاه (وهذا ما قاله)  تأليف حكومة " وحدة وطنية ، تضم أحزاب الائتلاف الحالي الأربعة ، ومستقلين (ربما المقصود وجوه من نظام بن علي من المشهود لهم بالكفاءة التي لم تكن متوفرة في أعضاء الحكومة الحالية من وجهة نظره ) واتحاد رجال الأعمال وخاصة اتحاد النقابات العمالية ، بقصد تشريك المركزية النقابية ، في مسؤولية الحكم ، وتخفيف حدة مطالباتها  التي آلت لزيادة في الأجور بمقدار 90 في المائة خلال 5 سنوات في القطاع العمومي وحده ، ما ناءت به موازنة الدولة وجعلتها تلجأ للقرض الخارجي لتسديد المرتبات ،  كما وترشيد حركة إضرابات يقول إنها خربت اقتصاد البلاد.
غير أن اتحاد النقابات العمالية القوي ، وإن قبل بمبدء  حكومة الوحدة الوطنية ، فإنه أعلن أنه ليس معنيا بأن يكون ضمنها ، ما يعني أنه يرفض أي التزام بعقلنة التحركات الاجتماعية.
** بلاد بلا حكومة حقيقية ؟؟
باتت حكومة الصيد بمثابة حكومة تصريف أعمال ، ليس لها من قرار ، أو يد فاعلة للمستقبل ، والصيد الذي جاء به رئيس الجمهورية بعد انتخابه في موقع الرئاسة أواخر 2014 ، من خارج حزبه "نداء تونس " ، هو رجل إداري جيد ، لكن تنقصه في نفس الوقت كاريزما ضرورية لرئيس الحكومة في نظام شبه برلماني ، أي تتجمع بين يديه غالب السلطات ، ومسئول أمام البرلمان وليس أمام رئيس الجمهورية ،  كما في الأنظمة الرئاسية ، كما إنه ليس خطيبا ولا رجل اتصال يفرض حضوره ، فضلا عن قلة قدرة على سيطرة على أعضاء حكومته المنتمين إلى أربعة أحزاب منها حزب حركة النهضة الاسلامي.
وإذ يعود اختيار رئيس الحكومة إلى الحزب الفائز بالمرتبة الأولى ، وليس بالأغلبية ، فإن الباجي قائد السبسي ، هو الذي أوحى لحزبه الفائز معه في انتخابات الرئاسة والبرلمان ، بترشيح الحبيب الصيد الذي كان وزيره للداخلية في الحكومة الوقتية ، التي شكلها بعد "الثورة "  في 2011، رغم بعض التململ في صفوف قيادات الحزب التي كانت ترى أن الأولى أن يكون مرشح رئاسة الحكومة من الحزب الفائز ، غير أن قائد السبسي فضل اختيار الحبيب الصيد في بدايات 2015 أولا ، لأنه طوع أمره ، وثانيا تجنبا لاهتزاز في "نداء تونس " المؤسس في ذلك الحين قبل عامين ، والذي لم تكن قياداته منتخبة ، بحيث يمكن أن تفرز من بين أعضائها من ينال ثقة الجميع.
وقد قيل حينها ، إن الباجي بشخصيته القوية ، وتربيته على يد بورقيبة المتسلطة ، لم يكن يقدر على التعامل مع رئيس حكومة لا يكون مواليا ، فيما حقيقة السلطات حسب دستور 28 كانون الثاني يناير  2014 ، تجمع حقيقة القرار في يد رئيس الحكومة المسئول أمام البرلمان.
وخلال 14 شهرا من "حكم " حبيب الصيد اضطر للقيام بتعديل وزاري واسع ،  عدا تعديلات أقل أهمية ، كما اضطر للخضوع "لأوامر " حزب حركة النهضة بإقالة وزير الشؤون الدينية  عثمان بطيخ  ، كل ذلك  بعد أن كانت الحكومة الأولى التي شكلها قد لاقت صعوبات في القبول ، عند الاعلان عنها ما اضطره إلى تغييرها ، والاستغناء عن كفاءات حقيقية لا يحبها هذا الحزب أو ذاك ، من الأحزاب الأربعة المؤتلفة ، وسيقول المراقبون أن تلك الحكومة لم تقم على برنامج محدد بل قامت على توافقات ومحاصصات حزبية بين الأحزاب الأربعة ، مما أهلها للدخول في جدار وفشل ذريع ، في بلد يواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية مستعصية على الحل ، وكما قال أحد المراقبين ومن كبار الاقتصاديين إن ميزانية الولايات المتحدة لا تقدر على حل مشاكل تونس ، ما دامت المطلبية عالية جدا .
** مطلبية عالية وإنتاجية في الحضيض
 وما دام الناس لم ينصرفوا إلى العمل ، وما دامت الاضرابات سواء التي ينظمها اتحاد النقابات أو تلك التي يسكت عنها ويؤيدها من طرف خفي رغم عدم قانونيتها ،  متمادية ، بالصورة التي بلغ فيها الفاقد الناقص من مداخيل الفوسفات والبترول والسياحة ، يكاد يصل إلى حجم القروض التي اقترضتها تونس من الخارج ، خلال السنوات الأخيرة ، لسداد أجور متفاقمة أو ديون حل أجلها أصلا وفوائد ،  دون أن تكون قد أسهمت في زيادة الثروة ، بما أثقل كاهل البلاد دون أن يكون هناك حل آخر أمام حكومات عرفت منذ 2010 نسبة النمو تذوب عاما بعد عام ، لتتوقف عند 0.8 في المائة العام 2015 أي السنة الأولى من حكم السبسي – الصيد ، وكل المؤشرات تدل على أنها لن تبلغ بحال 2 في المائة المقررة للعام 2016 ، فيما إن النسبة الضرورية للبدء بحل مشكل البطالة المتفاقم لا يقل عن 5 أو 6 في المائة ، للبدء بامتصاص مخزون من البطالة يقدر بـ 600 ألف عاطل عن العمل من بينهم 240 من الحاصلين عن شهادات عليا غالبها فاقد القيمة العلمية.
وفي وقت باتت فيه الحكومة خاضعة لابتزازات نقابية  ، تقوم على إرادة المشاركة في التسيير الإداري على غرار ما هو جار في وزارتي الصحة والتعليم من رفض تعيينات معينة.
وللواقع فإن كثيرا من المراقبين كانوا متفقين منذ 2014/2015 على أن الصيد لم يكن الرجل المناسب ، على نزاهته وكفاءته الإدارية العالية بسبب ضعف الكاريزما عنده ، وافتقاره لقدرة خطابية ، وخاصة لافتقاده الرؤية والبصيرة وقوة الشخصية لدفع فريق حكومي هو أصلا غير متجانس.
** رهان السبسي هل ينجح في رفعه
دخل السبسي في رهان ، لإعطاء نفس جديد لولايته التي مر على بدئهــــــا عام ونصفا ، والتي اتسمت بفشل ذريع لم يتحدث عنه صراحة  في خطابه يوم 2 حزيران يونيو ، و هو فشل  يتحمل  إلى حد كبير مسؤوليته ، ولكن السؤال هو هل سينجح في قلب المعادلة لفائدته ، والشعبية التي انطلق بها رئيسا آخذة في التآكل وفقا لعمليات استطلاع الرأي.
ليس هناك مؤشرات على أن مفاجأته قد حققت أهدافها ، وخاصة الرجة النفسية التي أرادها ، مما يدفع للتساؤل إن كان سيترك حكومة الصيد تواصل طريقها المتعثر( وهو خيار يبدو أنه لم يقتنع به قط ) ، ولعله من الغريب أن لا يكون رئيس الحكومة لم يقدم استقالته خلال جلسته الأسبوعية مع رئيس الجمهورية يوم 6 حزيران يونيو  بعد أن كان تلقى صفعة شديدة من رئيس الجمهورية على الأقل بإعلامه بما ينوي الاعلان عنه ، و بعد أن بدا أنه لم يعد يتمتع بثقته  وهي الثقة التي أهلته ليجلس في منصب  رئيس الحكومة ، وهي  أيضا ثقة للواقع  غير ضرورية وفقا لمقتضيات الدستور ، ولو كان شخصا آخر غير الصيد لتحدى رئيس الجمهورية على اعتبار أن مبادرته ، غير دستورية ، فليس له أن يعلن عن تغيير الحكومة ، والبرلمان وحده هو القادر على سحب الثقة من الحكومة وأعضائها.
وتجاوزا لكل هذا، وللنواحي التي يبدو أن رئيس الجمهورية ومستشاريه يعتبرونها شكلية ، فمن هو رئيس الحكومة الذي سيأتي بعد الصيد، إن نجح رئيس الجمهورية في إزاحته ( كل الدلائل تشير إلى أنه سينجح )، وكل المؤشرات تدفع للاعتقاد باحتمالات نجاحه ، على الأقل لنيل فترة سماح جديدة .
** من سيكون رئيس الحكومة
هل سيكون من حزب " نداء تونس " المتشظي  والذي كما قال أحد الصحفيين "كان صرحا فهوى" ، وما بقي من الحزب يعلن صراحة في تحد لرئيسه السابق الباجي قائد السبسي ، أنه لا بد أن يكون  رئيس الحكومة الجديد من بين صفوفه ، ومن منهم معركة جديدة ستنطلق شرارتها ولا شك ، إن كان الاختيار من صفوف حزب الرئيس ، الذي بات تحت سيطرة ابنه  حافظ قائد السبسي ، في عملية توريث غير شعبية مطلقا.
في نفس الوقت سؤال مطروح ، ماذا سيكون مصير الوزراء الثلاثة الأكثر شعبية في حكومة الصيد ناجي جلول وزير التعليم ، وسعيد العائدي وزير الصحة ، ومحمود بن رمضان وزير الشؤون الاجتماعية التي تطالب برؤوسهم النقابات العمالية وحزب حركة النهضة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق