Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 8 يونيو 2016

اقتصاديات : المأزق المالي الاقتصادي للتأمينات الاجتماعية

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
اقتصاد التأمينات الاجتماعية في أزمة خانقة ،
 والبلاد عصية على  الإصلاح  والمواجـــهة
تونس  / الصواب /05/06/2016
منذ بدء اتخاذ القرارات الديماغوجية بشأن سخاء مفرط  بخصوص التأمينات الاجتماعية ، زمن الثلاثي محمد مزالي الوزير الأول  والمازري شقير مدير ديوانه  ورضا حمزة وزير التأمينات الاجتماعية  ، الوزارة التي أحدثت وحذفت في لمح البصر، وفي لقاء صحفي مع المرحوم  السيد الشاهد أحد اخصائيي التأمينات الاجتماعية ، قال لي : " إن النظام التقاعدي سيؤول إلى مأزق " ، وأضاف : " إنه عندما أقر نظام التقاعد للقطاع الخاص في حدود 1972  ، رغم معارضة وزير التخطيط آنذاك ، وما حصل من تحويل مدخرات مهمة من صندوق الضمان الاجتماعي ،  لتمويل باب التقاعد الجديد ، فقد تم اتفاق على أساس إعادة النظر في الأمر بعد 10 سنوات أي في حدود 1982 ، غير أن سنة 1986 حلت ولم يقع تقييم التجربة ومنزلقاتها " .
**
 و لم يكن  النظام التقاعدي في القطاع الخاص   قد بدأ في مشاهدة إختلالات كبيرة آنذاك ، ولكنه ووفقا لدراسات مستقبلية معقدة ، فإن الاستنتاج كان يحمل بوادر مشاكل جمة  ، يدل عليها ما عرف باقتصاد التأمينات الاجتماعية  actuaire   تهل مع بداية القرن الواحد والعشرين ، وأضاف محدثنا آنذاك  ، وكنا في منتصف الثمانينات : "غير أن ما ينتظر التقاعد في القطاع العمومي ، هو الأخطر والأسرع أثرا ، فالسخاء المفرط غير المحسوب العواقب ، ليس من شأنه إلا الوصول بالنظام التقاعدي العمومي ،  إلى مأزق حاد وفي زمن منظور.
خلال التسعينيات وبالعودة لحسابات الاخصائيين نبهنا على أعمدة جريدة الصباح إلى الخطورة التي تتهدد أنظمة التقاعد.
**
فقد بلغ السخاء حالا لم يعرفه أي بلد في العالم ، فاعتمادا على نظام التوزيع par répartition    فإن الحسابات المستقبلية  ، باعتبار الإنفاق ، وتزايد عدد المتقاعدين ،  وتقلص نسبة العاملين الناشطين إلى المتقاعدين ، وانقلاب الهرم السكاني ،  وطول مؤمل الحياة الذي تطور من 46 سنة عام 1956 ، إلى 75 سنة عام 2104 ، بات الانفاق في جرايات التقاعد أكبر من مداخيل الاقتطاعات ، وفي القطاع العمومي ، هناك أمثلة كثيرة لمن تفوق جراياتهم التقاعدية ما كانوا يحصلون عليه من أجور ، نتيجة وقف الاقتطاع لحسابات التقاعد  ، كذلك نتيجة الحط من المقتطع لفائدة الأداءات ، كما إنه تم منذ سنوات الثمانينات بالنسبة لكل القطاعات ، تمكين الأرامل رجالا ونساء من 75 في المائة من جراية الزوج المتوفي أو الزوجة فيما لا يتجاوز 50 في المائة في كل بلدان العالم  ، وهي نسبة لم نجد لها مثيلا في أي بلد من البلدان بالعودة المقارنة عبر الانترنت.
**
ومما زاد الطين بلة  ، أن الصناديق الاجتماعية اضطرت بقرارات رئاسية ارتجالية ، في سنة 1992 إلى التخلي ،  ويكاد يكون بالمجان عن جانب كبير من رصيدها العقاري ،  الذي كان يوفر مداخيل مهمة من جهة  عن طريق الكراء ، ويعتبر مدخرا للأوقات الصعبة ، التي كانت وفق الخبراء مبرمجة ، وآتية لا محالة ، إن لم تسع الحكومة للقيام بالإصلاحات الواجبة وفي وقت قريب .
هذه العوامل مجتمعة ، مع إحجام عن معالجة وضعية كارثية قبل الثورة وبعدها ، أدت إلى وضعية تستوجب إصلاحات عميقة وتضحيات كبرى ، لا يبدو أن المجتمع مستعد لها ، حتى يصل الأمر إلى المأزق المتوقع ، أي الكف عن دفع مستحقات المتقاعدين.
وإذ بلغ عجز صندوق الحيطة الاجتماعية والتقاعد الخاص بالموظفين والقطاع العام حجم مليار دينار ، في السنة السابقة  فإنه  مرشح أن يبلغ ما بين 4 و5 مليار في أفق 2020 ، وهو حجم تعجز حتى الحكومة عن دفعه  من ميزانيتها العامة ، بل إن عجز موازنة الدولة يبدو متفاقما ، وسوف لن تجد وزارة المالية الموارد الكافية في العام 2017 لدفع أجور للقطاع العام انفجرت بـ90 في المائة في ست سنوات وستبلغ 13 مليار دينار ، إضافة إلى تطور حجم سداد الدين أصلا وفائدة ، بعد أن حل أجل الديون الجديدة التي تم اللجوء إليها بعد 2010 ، والتي صرفت غالبها في سداد أجور ومرتبات متعاظمة ، بدون أي تحسن في إنتاجية العمل ، بل فقط لملاحقة تطور الأسعار وغلاء المعيشة.
**
ولقد كان دور الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال في مجالات التأمينات الاجتماعية ،  غير منطقي ولا خاضع لضوابط معينة ، فالصناديق من المفروض أن تكون قائمة على تسيير ذاتي ، بواسطة مجالس إدارية ، تنظر في أوضاعها وتقرر السياسات الواجبة  ، موارد وإنفاق حسب مقتضياتها والمتوفر والمتاح لها اليوم وغدا وفقا للدراسات الإكتوارية المضبوطة ، غير أن الواقع هو أن الحكومات المتعاقبة هي التي كانت تتولى ذلك التسيير ، وكانت الصناديق بمثابة الخزانة التي تستلف منها الدولة ضمن غيرها لتغطية عجز موازناتها وبسعر فائدة  أقل مما هو معمول به في السوق المالية مما كان يعني ببساطة تدهور قيمة تلك المدخرات باستمرار وانتقاص قيمتها عاما بعد عام ،حتى نضبت تلك المدخرات ، وباتت الصناديق المقرضة صناديق مقترضة وعلى أبواب الافلاس.
**
ولقد سبق أن كتبنا في مقال بجريدة الصباح في 30 مارس 2010 مقالا جاء فيه :
وتونس بالذات التي دخلت دورة التشيخ وتقلص الولادات والتي سيصل عدد سكانها في أقصاه إلى 13 مليونا ونيف ( 10 ملايين و481 ألفا في 31 جويلية 2009) قبل أن يتدهور إلى 10 ملايين قبل منتصف القرن مرشحة لأن تشهد في مستقبل منظور ما تعرفه اليوم عدة بلدان أوروبية من اختلال في التوازن الديمغرافي ، وهي التي تشهد بعد عجزا فادحا في أنظمة التقاعد خاصة منها العمومية ، وجب عليها أن لا تترك السيل يجرفها، وتواجه الأمر في الوقت المناسب بالقرارات الجريئة ربما المرة ولكن الضرورية خصوصا وأن عدد سكانها من السن الثالثة كما يقال ستبلغ نسبتهم 30 في المائة وفي مستقبل منظور لا يتعدى الجيل الواحد.
وإذا كانت أنظمة التقاعد التونسية تشكو اليوم عجزا منفلتا وجبت معالجته، فكيف سيكون الحال وأمر الاختلال السكاني في تفاقم.؟
إن ما يجري في أوروبا ، والحلول التي أخذوا يعملون بها جديرة بأن تنال اهتمامنا ، إذا أرادت بلادنا أن تنقذ أنظمتها التقاعدية ، على أسس عقلانية .
**
كما قرأنا  للكاتب لطفي الحيدوري في صحيفة المحرر في العام 2011 ما يلي :
من المتوقع أن يلتهم صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية في حدود 2015 جميع مدخراته أمّا صندوق الضمان الاجتماعي فسيلتهم مدخراته في 2014 إذا تواصلت المعطيات على ما هي عليه في الوقت الحالي من خلال عجز سنوي بين المداخيل والمصاريف تتضاءل بموجبه الإحتياطات المالية شيئا فشيئا إلى حد العجز التام.
ويقدّر عدد المتقاعدين بنحو مليون شخص  (العام2010) يزيد عددهم كل سنة، هؤلاء لا تذكرهم الأحزاب في برامجها
وبحسب رضا بوزريبة ( آنذاك )الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل المسؤول عن التغطية الاجتماعية والصحة والمكلف بالتفاوض في ملف نظام التقاعد مع الحكومة فإنّ أصعب ملف هو ملف التغطية الاجتماعية لأيّ حكومة مهما كان توجهها لأنّها مسألة استعجالية قد تخلق وضعا اجتماعيا صعبا ويتطلب إيجاد حلول لها تضحيات من عدة أطراف قد تكون غير مستعدة لها.
وكانت الحكومة قد اقترحت في مشروع وجهته للاتحاد العام التونسي للشغل في جويلية 2010  الترفيع في سن التقاعد ليبلغ 65 سنة وذلك على مرحلتين : من 2012 إلى 2016 إلى 62 سنة، ثم 65 سنة في حدود سنة 2030، ويستصحب ذلك الزيادة في نسبة اقتطاع مساهمة العمال والموظفين بـ8 في المائة بالنسبة إلى القطاع العام و7 في المائة للقطاع الخاص.
إنّه أصعب مشكل، يؤكّد رضا بوزريبة  لأنّه في أزمة وكلّما تأخّر الإصلاح سنة سيتعقد المشكل. 
**
إن تونس رغم أنها في حالة مرض سريري ، كما يتضح ذلك من خطاب الرئيس السبسي للتونسيين عبر القناة الوطنية الأولى قبل أسبوعين ، ما زالت في حالة سبات عميق عصية على الاصلاح ، إلى الحد الذي تسير معه إلى جدار عال ليس لها أن تتخطاه ، ولعل اتحاد الشغل يتحمل منذ سنوات لا فقط ما وصله الحال ، ولكن أيضا ما معه ستواجه البلاد مشاكل لا قبل لأحد بحلها لو زاد تفاقمها ، إلا بحلول صعبة وتقشف عميق مثل الذي واجهته اليونان.
ولعل أكبر دليل على ذلك هو استمرار انهيار الدينار التونسي الذي هو مقياس حرارة أمين لوضع بلادنا المتردي :
قيمة صرف الدينار التونسي بالنسبة للدولار واليورو
التاريخ
بالنسبة للدولار
بالنسبة لليورو
31/12/2005
1.3634
1.6112
31/12/2006
1.2671
1.7091
31/12/2007
1.2207
1.7971
31/12/2008
1.3099
1.8409
31/12/2009
1.3173
1.8985
31/12/2010
1.4379
1.9221
31/12/2011
1.4993
1.9383
31/12/2012
1.5506
 2.0476
31/12/2013
1.6467
2.2663
31/12/2014
1.8612
2.2622
31/12/2015
2.0321
2.2188
18/05/2016
2.0621
2.3259
اليورو يساوي يوم 8/06/2016  2دينار و430 مليما مواصلا النزول إلى الجحيم 
·       المصدر البنك المركزي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق