الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
الاعتراف
المبطن بالفشل الذريع
والقادم أخطر
وأكثر كارثية
تونس / ليدرز
العربية / 03/06/2016
متى الحكومة
الجديدة ؟ ما هي تركيبتها ؟ بمن سيضحي رئيس الجمهورية إرضاء لاتحاد الشغل ؟
وللنهضة ؟ مثلما ضحى بوزير الشؤون الدينية السابق .
أولا ومن
الناحية العملية وبالعودة إلى الدستور فإن لرئيس الجمهورية أن يقوم بتقييم لعمل
الحكومة ورئيسها ، ولكن ليس من حقه أن يقيل
الحكومة أو يغير تركيبتها ، والدستور يعطيه فقط الحق في تعيين رئيس الوزراء الذي يقترحه عليه الحزب
الغالب أي الأول بعد الانتخابات ، وبالتالي فإن في خطاب رئيس الجمهورية الاثنين
الماضي تجاوزا للصلاحيات التي منحها له الدستور ، عندما بدا أن بيده الحل والربط
بشأن صرف رئيس الحكومة أو التجديد له أو الحديث عن تعويضه.
**
لنقل أولا أن
سيناريو الحديث إلى "الوطنية الأولى" ، كان مرتبا وبمبادرة من الرئيس
نفسه من وجهة نظرنا ، وهذا دارج في العمل
الصحفي ، فكثيرا ما يكون لرجل السياسة رسالة يريد أن يبلغها ، وهذه الرسالة ليست
معلومة لدى صناع الرأي العام ، أي الاعلاميين ، فتقع دعوة الجهاز المناسب أو
الصحفي أو الكاتب المناسب للقيام بالمهمة ، والجنرال ديغول يتحدث في كتابيه " مذكرات الحرب " و "مذكرات الأمل " عن المرات التي احتاج فيها لتبليغ
رسالة معينة ، فيختار من سيتولى تبليغها بأكثر نجاح ، والجهاز المكلف بذلك ، وطبيعة الرسالة تحدد ما
إن كان الأمر يتعلق بصحافة مكتوبة إذا كان الأمر يتعلق بأفكار في العمق ومنتسبة
إلى العقل L’intellect، أو عن طريق التلفزيون إذا كان
فيه جانب متوجه إلى العاطفة سريعة التأثر L’affect ، وبالتالي فإن اختيار
التلفزيون لتوجيه الرسالة المراد تبليغها ليس صدفة ، وإنما فيه من جهة اختيار لأداة التبليغ التي تتجه في ما تتجه
للعاطفة ، وفيه عبر الوطنية الأولى اختيار للوقت الأكثر جاذبية للمشاهدين ،
والقناة الأكثر شعبية في تلك الفترة من اليوم ، إضافة إلى إيحاء بأن رئيس الدولة
يعتمد على جهاز الدولة أي القناة التي تملكها الدولة ، وهو في هذا يعتمد على
مستشاريه البارعين في مجال الاتصال La communication/ .
بما يعني أن
رئيس الدولة نجح في اختيار أداة التبليغ الجد مناسبة ، والأكثر تأثيرا بقطع النظر
عن المضمون
**
ومن الجهة
المقابلة فإن رئيس الدولة ، أوحى من جهة المضمون بأنه الأب الحاني على شعبه ، الذي
ينوء بحمل ثقيل على ظهره من أجله ، عندما
يرى ما يصار إليه ، بصورة تدفع للاعتقاد بأنه ليس المسؤول عن ذلك ، وإن أشار إلى
"أننا كلنا مسئول " على ما آل إليه الوضع من تدهور، مبرزا أنه قام بتشخيص
لذلك الوضع بالاستماع إلى مختلف الفرقاء
من الأطياف السياسية الفاعلة ، وأن لديه وصفة شافية هي الوحدة الوطنية .
والوحدة
الوطنية تستوجب أن تضع كل الأطراف يدها في
القصعة ، لتشترك في تصور الحلول ثم تشرع في تنفيذها دون أن يتفصى أحد من المسؤولية
، ملحا على النقابات سواء العمالية أو لرجال الأعمال ، كما كان الأمر في أول
حكومات الاستقلال ، وما لم يفته مؤكًدا ، أنه هو ليس بورقيبة ، ولا الوضع هو الوضع
، ولا الأطراف هي الأطراف ، وبالتالي فقد أراد أن يُشهد المجتمع على أنه سعى ، وأن سعيه سواء أتى أكله أو لم
يؤت فإنه ، قد حاول ، وأدخل رجة تختلف ردود الفعل تجاهها ، فمن الناحية الشعبية
فإنه نال شعبية من يجتهد ، ومن ناحية القوى السياسية كان مدركا أنه لن يجد لدى
غالبها ، وخاصة النقابات العمالية الصدى الذي يريده .
**
إلى أي حد
يمكن أن ينجح.؟
الرجة
النفسية حصلت ، والزلزال زلزل شعبيا وسياسيا ، هذا أكيد .
والارتباك أدخل
بلبلة ، ورئيس الحكومة (وأعضاء حكومته) ،
وجدوا أنفسهم معلقين في الفضاء ، هل كانوا وعلى رأسهم رئيسهم عارفين بما كان يحاك أم لا ؟ الأمر سيان .
هل سيبقى
رئيس الحكومة أم إنه للمغادرة أقرب ؟
بالتالي
فالحكومة بوزرائها ، باتت في حالة من السباحة في مياه غير آمنة ، فتحولت بين يوم
وليلة إلى وضع أشبه بحكومة تصريف أعمال ، لا مبادرة لها ولا قرار ، وغير مؤهلة
لاتخاذ القرارات الكبرى اللازمة ، في ظرف وزمن يفرض عليها أن يكون القرار بيدها ،
لطبيعة النظام السياسي القائم ، البرلماني أصلا ولكن بصلاحيات واسعة لرئيس الدولة
، لا تسمح رغم ذلك بحل الحكومة أو إقالة
رئيس الحكومة ولا حتى الوزراء.
هذا يطرح
سؤالا كبيرا:
دستوريا ، هل
يحق لرئيس الدولة أن يصرف رئيس الحكومة وأن يشكر سعيه ،
طبعا لا من
الناحية النظرية
في
الأثناء ، ولكن وباعتباره ( رغم رئاسته
للدولة ومقتضيات انتهاء رئاسته الحزبية) ما زال يمارس فعلا هيمنة وسلطة ونفوذا على
نداء تونس ، الذي اســتقال منه اسميا ، ألا تكون
له عليه دالة ، والحبيب الصيد الذي هو الذي جاء به من خارج الحزب وعلى أنه مستقل ، وهذا أمر ليس
محل جدال أو نقاش ومعلوم للخاص والعام ، فما عليه إلا أن يجمع ملفاته وينحني ، لقرار إما بالاستغناء عنه ، أو استعادة خدماته
لفترة مقبلة.
شخص طيع مثل
الحبيب الصيد الذي تم اختياره ليكون على المقاس ، لم يكن له أن يستقيل ، كما كان
أي شخص آخر يفعل ، لو تعرض لما تعرض له الرجل ، الذي لم يقصر وفي حدود إمكانياته
كشخص لا يتمتع بكاريزما ، تمكنه من السيطرة على فريق غير متجانس مثل الفريق
الوزاري الذي دعي لقيادته ، دون أن يكون له كبير تأثير في اختيار افراده أو على
الأقل بعض أفراده.
سيبقى الحل
معلقا في الانتظار ، وهذا من شأنه أن يشل عمل الحكومة التي لا يعرف اي عضو منها ،
فضلا عن رئيسها إن كان باقيا أم لا ، والمرشحون للمغادرة الذين يطلب رؤوسهم اتحاد
الشغل والنهضة و الوطني الحر ثلاثة مؤكدين هم محمود بن رمضان وناجي جلول وسعيد
العائدي ، كما سبق أن طالبت النهضة برأس وزير الشؤون الدينية السابق الشيخ بطيخ
وحصلت عليه (بعكس المنتظر) على طبق من فضة ، وبدا السبسي والصيد في أضعف حال ،
وقابلين للابتزاز.
كم من الوقت
سيمر قبل أن يصفو الجو ، وتتضح الصورة ، ولا يبدو أنها ستتضح قريبا ، لا أحد يعرف.
**
والحجارة
التي تم رميها في البحيرة ما زالت وستبقى دوائرها متعاقبة متسعة ، والبلد في أسوإ
حال ، والأيام والأسابيع المقبلة ، هي فترة إعداد ميزانية 2017 ، ميزانية لا يعرف
أحد كيف سيمكن ضبط ملامحها ، ولا خاصة مواردها فنفقاتها واضحة ، بلا أقل من 13
مليار دينار كأجور للموظفين والقطاع العام ، عدا نفقات سداد الدين أصلا وفائدة ،
فيما الموارد تتقدم كما النملة ، ولا أمل في أن تزداد مداخيل الدولة الرئيسية،
سواء من مؤسسات القطاع العام أو السياحة أو وخاصة الجباية ، في بلد يبدو اليوم
عصيا على الإصلاح في ظل نقابة عمالية ذات مطلبية عالية ، لا تبدو في انتظار
مؤتمرها ، مهتمة بسير البلاد نحو إفلاس محقق ، وعندما تغرق السفينة نغرق جميعا ،
ولكن الفئات العليا ، وإن تضررت فإنها ستحافظ على الأغلب من مكتسباتها ، فيما
البقية ستتهددهم أجور متأخرة ، وجرايات احتمالا تكون مقطوعة ، هذا إذا لم يزد
انهيار الدينار المتواصل ، في تأزيم وضع هو في حد حاله متأزم ، وتكون النقود بين
أيدينا كما يقول الفرنسيون نقد القردة.
وهنا هل تكون
المبادرة مجرد ملهاة بكل معاني الكلمة؟
fouratiab@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق