سانحة
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
وصمة عار
تونس / الصواب / 31/07/2015
ليس من المهم من هو المسؤول عن
الاغتيال المبرمج للبغدادي المحمودي ، والذين ارتكبوا هذه الجريمة ألصقوا بتونس
وصمة عار ، لن تنمحي من جبينها.
لن نشير بأصبع الاتهام لأحد، ولكن
لنقل ، إن الذين ارتكبوا الفعلة ، إنما خرجوا عن التقاليد المرعية للدول المتحضرة
، وإنهم خرجوا عن التقاليد الإسلامية التي ضمنت حق الإجارة ، ثم إنهم خرجوا بما لا
يدع مجالا للشك عن السلوك الذي سنته
تونس منذ الاستقلال وحتى قبل الاستقلال ، فلم تنحن أمام الضغوط ، ولم تركع للأقوياء،
ولم تسلم من آوته لـ" جرم" سياسي.
وبالرغم من أن تونس كانت تعتبر دولة
ضعيفة ، بكل المقاييس أمام جارتها الغربية ، المتسلطة ، والتي لم تستنكف من فرض حل
حدودي استولت بموجبه على 900 كلم مربع من الأرض التي تعج بالبترول في جانفي 1970
ورئيس الدولة الحبيب بورقيبة خارج البلاد
( هنا ينبغي أن نتساءل أين بترولنا؟)، فإنها لم ترضخ ، ولم تسلم العقيد الطاهر
الزبيري ، الذي حاول القيام بانقلاب عسكري ضد العقيد بومدين ، في تكرار فاشل
للانقلاب الذي قام به وجاء بالرئيس بومدين للحكم.
ولقد سلطت على تونس ، شتى أنواع
الضغوط والتهديدات لتسليم الزبيري ، غير أن الدولة التونسية ـ وكانت دولة بحق
وحقيق ـ لم تستسلم لذلك الابتزاز ، فحافظت على شرفها كما ينبغي للدول القائمة على
قواعد الشرف ، وانتظرت حتى حان الوقت ليجد العقيد الزبيري من يؤويه ويمنحه حق
اللجوء السياسي ، فغادر البلاد طوعا وبمحض إرادته
إلى منفى اختاره وضمن له سلامته ، ودون أن تسقط تونس في براثن الابتزاز.
ولم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي
تعرضت فيها تونس للتهديد والوعيد، فمن الجهة الشرقية وفد لتونس لاجئا الرائد عمر المحيشي أحد أبرز
الضباط الأحرار الذين كانوا وراء انقلاب الفاتح من سبتمبر 1969 بعد أن فشلت محاولة
انقلاب قادها في سنة 1975 ، وانتهت إلى إعدام 21 ضابطا ليبيا ، وفرار عمر المحيشي إلى تونس حيث تم إكرام
وفادته ، وقد سعى كومندوس ليبي ترأسه عــــمر النائلي ( قتل أخيرا ضمن جيش الجنرال
حفتر) للبحث عن المحيشي بقصد تصفيته ، غير
أن مساعي العقيد القذافي الذي كان يمر وقتها بمرحلة "جنون"تصفية معارضيه في الخارج باءت
بالفشل ، وتم القبض على النائلي الذي تورط كذلك في محاولة اغتيال الوزير الأول
الهادي نويرة ، وتم إصدار حكم بالإعدام ضده ، لم ينفذ قط.
وإزاء هذا الفشل تم اختطاف مقاول
تونسي كان يقود أعمال إنشاءات لفائدة الحكومة الليبية ، وهو ابن أحد أكبر
المقاولين التونسيين علي مهني.
ولم يتم إطلاق سراح المقاول التونسي إلا
في إطار صفقة اقتضت، إطلاق سراح العميل الإرهابي الليبي.
أما المحيشي، الذي ضاق ذرعا بما يفرضه
عليه اللجوء السياسي من التزامات ، فإنه وباتصال بالسفارة المصرية ، وباعتبار
العداوة القائمة أيامها بين الرئيس
السادات، والعقيد القذافي ، قرر الانتقال إلى القاهرة ، حيث أنشأ حزبا وإذاعة بهدف
تقويض حكم القذافي ، وفي إطار أنشطته تلك ، دعي لزيارة المغرب ، حيث وفي إطار صفقة
مشبوهة ، قدمه الملك الحسن الثاني كقربان
للعقيد ، فقد اتجه بطائرة قاصدة البقاع المقدسة ، ولكن المؤامرة اقتضت أن تحط تلك
الطائرة في سرت خارج إطار مسارها العادي، وأن يحضر القذافي نفسه
عملية تعذيب عمر المحيشي ثم ذبحه كالخرفان على أرض المطار، ودفنه في مكان مجهول حتى
الآن.
**
إذن كانت تونس كما مصر ، من الدول
القليلة في العالم العربي التي تحفظ للاجئين السياسيين إليها ، حقهم في عدم
تسليمهم إلى بلدانهم تلك تقاليد راسخة في البلدين ، حتى جاء العار لبلادنا مع الذين احتفظوا بالبغدادي المحمودي رغم أنفه
في ، وسجنه وتعريضه للمحاكمة بينما ، لم يكن إلا مارا منها نحو الجزائر، ثم تسليمه
المشبوه ، إلى ميليشيات ، لا تتمتع بصفة الدولة القائمة.
ولقد اقتضت المواثيق الدولية ، أن لا
يسلم اللاجئ السياسي إلى بلاده ، إلا بعد التأكد من أنه ليس واقعا تحت طائلة جرائم
حق عام ، ثم وحتى في حالة التسليم التأكد من أن حرمته الجسدية لن يقع المساس بها ،
بينما تضيف الدول المتقدمة التي يقع فيها احترام حقوق الإنسان ، أن، اللاجئ
السياسي الواقع تسليمه لسلطات بلاده ـ إن
كان في ليبيا سلطات دولة بمعنى الكلمة ـ لا يسلم إذا كان حكم الإعدام نافذ فيها.
**
من هنا فإن تسليم البغدادي المحمودي ،
وأنا شخصيا لا أحمل نحو الرجل ، لا احتراما ولا تأييدا ، بل أعتبر أنه مجرد مجرم
سياسي، يبقى ـ أي التسليم ،ـ من وجهة نظري وصمة عار في جبين تونس ،
ولكنها وصمة ملصقة غير قابلة للمسح ، للذين سلموه لقمة سائغة ، للتعذيب ثم لإعدام
بات محققا.
والذين يتظاهرون اليوم بأنهم حصلوا
على تطمينات بشأن حسن معاملته ، فضلا عن أنهم يدجلون على أنفسهم ، فإنهم يعرفون
بصورة مسبقة ، أن التأكيدات التي أعطيت إليهم لا تساوي حتى ثمن الحبر الذي كتبت به
، هذا فضلا عما إذا كانت هناك تأكيدات وتطمينات فعلا .
**
ولكن لماذا سجن وحوكم البغدادي
المحمودي في تونس ، ثم لماذا تم تسليمه ، وما هي الأسرار وراء ذلك:
من السذاجة الاعتقاد بأن هذا العار لم
يكن له ثمن :
-
لعله للمرء أن يستبعد الثمن المادي المالي لحزب أو شخص أو أشخاص،
مقابل هذا التسليم المشبوه.
غير
أن الاستبعاد لا يعني النفي التام والنهائي
-
لعل للمرء أن يتذكر أن المؤتمر الوطني وفجر ليبيا حكام تلك الفترة في
ليبيا هي أطراف متحالفة مع النهضة التي
كانت في السلطة أيامها في .
ومن
هنا فإن هذا التحالف وهو متواصل اليوم لعله يعطي تفسيرا لجريمة ستبقى كما قلنا وصمة
في جبين بلادنا،
وحتى
لا ننسى فإن فجر ليبيا هو الذي يأوي أنصار الشريعة في ليبيا وزعيمه "أبو عياض"، كما إنه وراء تسليح تلك
الفئة من الإرهابيين التي ترتكب الجريمة الفظيعة وراء الجريمة في تونس وآخرها في
باردو ثم في سوسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق