Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 19 أغسطس 2015

اقتصاديات : وضع سيء ينذر بكل الأخطار

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تونس تغرق .. تغرق *
تونس / أسواق العرب01/08/2015
إذا كانت تونس قد حققت وتحقق كل يوم خطوات مهمة على صعيد دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية ، وباتت تسير وفق المعايير الأكثر تقدما في مجالات حرية الرأي والتعبير، واعتماد القرار الشعبي عن طريق انتخابات مشهود لها بالنزاهة والشفافية  ليس فقط مقارنة بالدول التي عاشت ما أسمي بالربيع العربي بل قياسا حتى بأعرق الديمقراطيات في العالم، فإنها تغرق في المجال الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي ، وتتسارع خطواتها نحو هاوية سحيقة، وبالتالي فإنها ليست في مأمن من انتفاضات قد تهز كيانها ، وإذ كانت "أم الثورات العربية " كما أسميت من عديد الأطراف ، قد قامت من أجل الحرية والكرامة ، فإن الحرية تحققت ، أما الكرامة فهي أبعد من أن تتحقق ، أو يبدو في الأفق ما يوحي بأنها بصدد الإنجاز.
و لعل أولى المقومات التي تقوم عليها الكرامة هي الشغل والعمل، الذي يحفظ كرامة المرء، ويجعله في مأمن من الاحتياج والخصاصة.وكل الدلائل تشير إلى أن الوضع الاقتصادي قد تدهور بالقياس إلى سنة 2010 أي السنة السابقة لاندلاع الثورة ، فقد انهار الدينار التونسي ، وتفاقم العجز التجاري ، وارتفعت نسبة المديونية بحوالي 50 في المائة، ومما زاد الطين بلة تضخم ظاهرة الإرهاب الذي لم يعد مقتصرا على الجبال والقرى النائية ، بل تسرب إلى المدن وبالذات المناطق السياحية ، مثل متحف باردو في ضواحي العاصمة ، وأحد فنادق مدينة سوسة السياحية بامتياز (140 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من العاصمة)، مما أصاب السياحة التونسية في مقتل ، فألغيت الحجوزات ولم يتقلص عدد الوافدين فقط ، بل غادر حتى المقيمون ، فيما تمثل السياحة أحد أعمدة الاقتصاد التونسي بحوالي 7 في المائة من الناتج وما بين 5 و7 مليار دولار من العملات الأجنبية كموارد للبلاد، وبالمقابل تراجع إنتاج الحبوب بعد المحاصيل القياسية لسنة   2014 ، ولم ينقذ الموسم إلا زيت الزيتون بمحاصيل قياسية مكنت من التخفيف من العجز الجاري للميزان التجاري .
وتشير كل الدلائل إلى أن نسبة النمو للعام الحالي ستكون ما بين 0.5 و1 في المائة في أحسن الأحوال، بينما كانت التقديرات الأولية ترجح تجاوز 2 في المائة، وهي في كل الأحوال وفي حد ذاتها نسبة ضعيفة جدا، قياسا إلى النسبة المتوسطة التي كانت سائدة قبل الثورة، أي 5 في المائة. ويبدو الاستثمار معطلا ، وليس هناك من رصود جديدة في الغالب إلا في مشاريع الدولة ، وما دام الوضع على هذه الضبابية ، وما استمر انتشار الإرهاب ، فإنه لا القطاع الخاص الوطني ولا خاصة الأجنبي ، سيقدم أي منهما على استثمار ، في وضع وإن استقر سياسيا فإن أخطارا كثيرة محدقة به سواء اجتماعيا عن طريق مطالبات نقابية منفلتة ، أو استمرار ظاهرة الضربات الإرهابية المتواصلة.ولقد كانت تونس تؤمل بعد مفاوضات عسيرة مع شركة بيجو للسيارات ، أن ترى قيام وحدة صناعية ضخمة ، مبرمج لها استخدام 50 ألفا من المهندسين والإداريين والعمال مقسمة على 5 سنوات، غير أن الوضع المضطرب أثنى المستثمرين الفرنسيين عن إقامة هذا المصنع وفضلوا تركيزه في المغرب.ويعتبر العاطلون عن العمل وعددهم يناهز ما بين 600 و700 ألف من بينهم 200 إلى 250 ألف من خريجي التعليم العالي، بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي وقت،  وإذ دلت التجربة على إن نسبة نمو بواحد في المائة كفيلة بتوفير 10 آلاف فرصة عمل، في بلد تمثل فيه اليد العاملة الإضافية سنويا 80 ألفا من الوافدين الجدد على سوق العمالةّ، فإن هذا يبرز حدة الأزمة الاجتماعية القائمة، ومدى تعاظمها وبالتالي توقع تأثيراتها الكبيرة المقبلة.وإذ كثرت الوعود الانتخابية سواء بمناسبة الانتخابات التشريعية  أو الرئاسية في الخريف الماضي، فإن الأحزاب الأربعة أو الخمسة المؤتلفة لتشكيل الحكومة الحالية، بدت أعجز من أن تنجز وعودها المعسولة، والتي استعملت كصنارة لنيل العدد الأكبر من الأصوات ، لا أكثر ولا أقل...

·       تم النشر في العدد الأخير  من مجلة أسواق عربية الصادرة بلندن والتي تعتبر أشهر وأكبر المجلات الاقتصادية العربية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق