Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 2 أغسطس 2015

عربيات :25 سنة بعد اجتياح صدام للكويت

عربيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
منحدر .. بلا نهاية
مسؤؤلية من ؟
تونس / الصواب /02/08/2015
25 سنة يوما بيوم مرت على الكارثة التي حلت بالعرب، وقادتهم إلى منحدر بلا نهاية. وبلا روادع.
في 2 أوت 1990 أقدم الرئيس العراقي صدام حسين ، على اجتياح دولة الكويت المجاورة.
وباتخاذ هذه الخطوة غير محسوبة العواقب، فتح على نفسه وعلى بلاده، وعلى العالم العربي أبواب جهنم ، وقاد المنطقة كلها إلى مصير يعتقد البعض أنه مجهول ، بينما يعتقد آخرون أنه معلوم ، وأنه مثل القدر مرسوم مخطط ، بيد من بيدهم السلطة والنفوذ في العالم.
ولأننا أمة لا تقرأ ، فإن أحدا إلا القلائل  لم يتنبه لكتاب الجنرال شوارزكوف الذي صدر سنة 1972 ، والذي لا يعدو أن يكون سيناريو دقيق المعالم ، لما سيتحقق بعد 18 سنة في الصحراء العربية على يدي شوارزكوف نفسه(1990/1991).
مغامرة مهما كانت دوافعها، ومهما كانت أسبابها:
- تاريخية بقطع النظر عن وجاهتها من قلة وجاهتها،
- إستراتيجية سواء فتح العراق منفذا على الخليج أم لا،
- اقتصادية مالية سواء استحوذت بغداد على المقدرات البترولية للكويت التي تتجاوز الثروة النفطية العراقية أو لم تستحوذ، وتمكنت من سداد ديونها الناتجة عن حرب الثماني سنوات ضد إيران بفضل الأموال الكويتية  أو لم تسدد ، فإن المغامرة ، كانت نتائجها قاتلة سواء للرئيس العراقي الذي دفع في النهاية حياته  ثمنا لها ، معلقا في حبل مشنقة ، أو العراق الذي تجزأ ونالته مساوئ الطائفية، ففتته وقضت على دولته التي تعتبر واحدة من أقدم الدول في العالم وجعلته مستعمرة فارسية صفوية  شيعية بكل معاني الكلمة، أو العالم العربي الذي بات على قاب قوسين أو أدنى من أخطار تقسيم على تقسيم وتجزئة  على تجزئة.
**
 من المؤكد أن للولايات المتحدة أصابعها ، ليست وحدها ولكن لها شركاء في الشرق والغرب ، ولها طابور خامس طويل الباع ، ولكن ليكن واضحا أيضا أن لكل دولة مصالح تسعى لأن تحققها ، وإذا تضافرت المصالح مع القوة العاتية ، فإن ذلك يتحول إلى عدوان ، والعدوان في مثل هذه الحال لا يواجه وجها لوجه هذا إذا كان الحق لجانب الطرف الأضعف .
وفي هذه الحال ، فإن صدام حسين قد أقدم باحتلال الكويت في 2 أوت 1990 ، لا فقط على إعطاء المبرر للعمالقة بمواجهة بلاده ، بل إنه أتي فعلا غير مبرر ولا مقبول باعتبار ، أن احتلال أي دولة لدولة أخرى وابتلاعها بات من محرمات القانون الدولي ، خصوصا إذا كانت هذه الدولة  معترف بها من طرفك  وتشترك معك في منظمة الأمم المتحدة ، وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، وترتبط معك  ضمن غيرها  بمعاهدة دفاع مشترك ، تقتضي التكاتف إزاء أي عدوان خارجي ، لا مواجهة عدوان داخلي.
**
الخطأ كان فادحا وعواقبه كانت وخيمة كما تبدو اليوم بعد  مرور ربع قرن ، وبمكييفيلية باردة فإن المخطط كان محكما ، والرئيس العراقي زينوا له ، أنه سيفوز بغنيمته بسلام .
ولكن لم تمر أيام حتى سقط الرهان الأول للرئيس العراقي آنذاك ، فقد تدفقت جحافل 500 إلى 600 ألف من الضباط المدربين على أعتى الأسلحة.
وكان الرهان الثاني للرئيس العراقي أن الأمر كله لا يعدو أن يكون عملية تخويف ، وأن أمريكا بالذات التي خسرت حربا في فيتنام لن تكرر الخطأ ، في بلد فيه الروح البشرية ذات قيمة وأي قيمة.
ورغم تحذيرات الأصدقاء ونصف الأصدقاء ومنهم حامد القروي ، فقد كان الرئيس صدام حسين مصرا على ، أن أمريكا لن تغامر في حرب أخرى، وحتى إذا غامرت ، فإن الجيش العراقي الذي "يمثل خامس قوة في العالم" حسبما أوحي للرئيس العراقي ، كفيل بالفوز في أي مواجهة.
ورغم تحذيرات قائد أركان القوات المسلحة العراقية الفريق نزار الخزرجي في خريف 1990 ،  هو خريج معاهد الأركان العراقية الشهيرة منذ العهد العثماني بمستواها العالي، والذي نال تكوينا إستراتيجيا متعددا في الولايات المتحدة وفي الاتحاد السوفياتي ، فإن الرئيس العراقي لم يفعل سوى إقالته ووضعه في الإقامة الجبرية ، التي أفلت منها بفضل نفوذه في القوات المسلحة العراقية ، وتولى هو شخصيا رئاسة أركان الحرب ، وهو الذي لم يتلق قط أي تعليم عسكري ، بل هو مجرد خريج الجامعة المستنصرية أيام كان نائبا للرئيس أحمد حسن البكر.(1)
ولقد تسنى لنا في شهر سبتمبر 1990أن دعانا وزير في الحكومة التونسية إلى مكتبه  وهو رجل عسكري ، وعرض علينا  الكيفية التي ستجري بها الحرب التي كان يعتقد جازم الاعتقاد أنها آتية لا ريب فيها ، أولا بضربات صاروخية وقصف جوي لا قبل للجيش العراقي باحتماله، ثم اقتحام على الأرض كما سكين في الزبدة حسب وصفه ، وكان تقديره أن الحرب ستقع بين جانفي وفيفري 1991 ، وأن منتهاها سيكون في آخر فيفري 1991، باستسلام للأسف مذل.
**
فعلا اضطر كبار جيش العراق الذي يتميز بروح قتالية عالية ، ويعتبر مع الجيش الأردني والجيش المغربي ، أفضل الجيوش العربية تدريبا وتسليحا باللازم من السلاح الأكثر نجاعة، اضطروا لتوقيع الاستسلام في خيمة في صفوان داخل التراب العراقي ( لمزيد ...) وعلى تخوم الكويت ، فيما كانت طلائع قوات كويتية رمزية ، تضع رجلها  هي الأولى في العاصمة الكويتية محفوفة بقوات عربية ، وتحت حماية قوات أمريكية وفرنسية وبريطانية وغيرها من القوات العربية والإفريقية والأسترالية (أكثر من ثلاثين دولة).
كان يوم فرحة بالنسبة للذين اعتبروا يوم 28 فيفري يوم التحرير، ويوم حزن وأسى للذين وقفوا إلى جانب الرئيس العراقي.
في ذلك اليوم عادت الكويت دولة حرة مستقلة ، بعد أن تنبأ رجل سياسة تونسي مرموق بأنها خرجت من الجغرافيا ودخلت التاريخ.
وفي ذلك اليوم بدأ العد التنازلي لدولة العراق العريقة تاريخا وحضارة ، وعلما ، وثقافة ، فقد فرض على صدام حسين تدمير أسلحته ، وفرض عليه تخصيص جزء هام من موارد الدولة للتعويض للدول التي خاضت الحرب ضده ، وفي مقدمتها الكويت ، حتى جاء اليوم المتوقع أي اجتياح الدولة العراقية ذات التاريخ الذي يتجاوز 6 آلاف سنة ، والذي قدم للإنسانية أحد أكبر رجال القانون في التاريخ حمورابي الذي كان أول من نظَر للمسؤولية الشخصية  ، وكان ذلك الخطوة الأولى  في وضع لبنات حقوق الإنسان ، وأول بلد حقق الكتابة بالحرف النبطي أول حرف عرفته الإنسانية.
واليوم وبعد 25 سنة لنتوقف قليلا لنرى إلى ما آلت إليه خطوة غير محسوبة العواقب ، من عراق مقسم ، وعالم عريي متناحر ، وتطرف وتشدد كان النتيجة الطبيعية ، لما أصاب العالم العربي من انهيار، لعلنا نلقي بمسؤوليته على الآخرين.
ولكننا ما زلنا لم نستفق إلى الأسباب الحقيقية التي تكمن فينا دون غيرنا.

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا للاستاذ الفوراتي على هذا التحليل القيم والذي كان بحثا تاريخيا ووا قعيا لتلك الفترة العصيبة لكن لحد الآن لم نستعمل عقولنا ونعمل على نقد الذات حتى يمكن لنا ان نجتاز النكبة الحالية لاسلامنا السياسي الذي ولد من رحم الاخوان وحتى نتعلم من الماضي والحاضر لا بد لنا ان نراجع مافينا من اخطاء ونعمل على تفاديها حتى يستقيم العود المعوج فينا مع اكبر تحية لاستاذنا عبد اللطيف والله الموفق

    ردحذف