Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

بكل هدوء : تونس هل في الطرق إلى نظام رئاسي كما يريد السبسي

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صيحة فزع
 هل يراد العودة للنظام الرئاسي
** أمنية السبسي غير قابلة للتطبيق
تونس / الصواب /20/09/2017
" إن تدهور الدولة يؤدي بصورة  مؤكدة  لابتعاد الشعوب ، واضطراب الجيش خلال المعارك  (1) ، والتفكك القومي وضياع  الاستقلال ، فمنذ 12 سنة (2) وفرنسا تقف في مواجهة مشاكل قاسية جدا ناتجة عن نظام الأحزاب ، وتوجه كارثي  .
ففي عهد سابق  أعطاني الشعب في أعماقه  المقود لقيادته كله إلى بحر الانقاذ والسلامة ،  واليوم (3) وأمام التحديات والمحنة المتصاعدة  التي يواجهـــها  مجددا ، ليعلم ويتيقن أني جاهز وعلى استعداد للاضطلاع  بسلطات تسيير  الجمهورية "
كان ذلك هو أول بلاغ وزعه الجنرال ديغول ، وقد تعطش للسلطة  بعد أن " اجتاز سنوات صحراوية " ، ابتعد فيها عن الحكم مضطرا ، بعد أن سقط الدستور الذي ارتآه للبلاد في استفتاء عام 1946.
هل تونس في نفس الوضع اليوم ؟
وهل إن دستور   تونس لـ 2014 ، الشبيه من عدة نواحي بدستور الجمهورية الفرنسية الرابعة  ، وخاصة من حيث أنه دستور في عمقه هو دستور جمهورية برلمانية ، ولو قيل إنه  نظام برلماني  معدل ، فإن السلط فيه المرتكزة في قبضة البرلمان مفوضة لرئيس الحكومة ، فيما سلطات رئيس الجمهورية محدودة ، وباستثناء الخارجية والدفاع ، فإنها تكاد تكون تشريفاتية مثلما كان الأمر  زمن الرئيسين الفرنسيين الذين تعاقبا على الرئاسة الفرنسية بين  1946 و1958 فانسان لوريول وروني كوتي .
وحتى قبل إعلان دستور 2014 فإن الدستور الصغير الذي أعلن في 2012 ، انتظارا للدستور الدائم ، فإن الرئيس المرزوقي كانت صلاحياته محدودة ، وأمام قوة شخصية حمادي الجبالي و علي العريض وحتى المهدي جمعة فإنه لم يستطع أن يفتك شيئا ، وكأن كل همه أنه بلغ منصب رئيس الجمهورية واستقر في قصر قرطاج ، وكان يعتقد أنه سيستمر بعد انتخابات 2014 .
كان الوضع مخالف بعد 2015 ، فالتوازنات السياسية اختلفت ، وإذا لم يكن المرزوقي تمتع بأغلبية تعضده ، فإن انتخابات أواخر 2014 دفعت إلى الواجهة أغلبية رئاسية متمتعة بأغلبية برلمانية ولو نسبية من نفس الحزب والعائلة.
وبالتالي اختلف الوضع وجاء لقصر قرطاج ، رجل يملك أغلبيتين  رئاسية وتشريعية ( نسبية ) ، وإن كان الباجي قائد السبسي قد استقال من حزبه  ، فإنه حافظ  على سطوته على الحزب الذي أسسه أي نداء تونس.
ولذلك تجمع المعطيات المتاحة أنه هو الذي أوحى باسم الحبيب الصيد ليقدمه النداء مرشحا لرئاسة الحكومة ، وقيل في وقته إنه اختار رئيسا للحكومة مناسبا لمقاس رجله ، وهو الذي كان وراء التحالف أو التوافق مع حركة النهضة و"صديقه اللدود " راشد الغنوشي.
دستوريا هو الذي كان  عليه أن يختار رئيس الحكومة  بعد سقوط حكومة الصيد ، وبعد أن دفع الحبيب الصيد للخروج من النافذة ، فأتى بيوسف الشاهد.
** الفارق مع فرنسا في 1958 :
-        أن باريس كانت تخوض حربا مدمرة ماليا ورجالا في 1958 . وأن أحدا لم يتوفق لتشكيل حكومة.
-        وثانيا أن رئيس الجمهورية الفرنسية كان بلا حول ولا طول ، ولم يكن الرئيسان الفرنسيان المتعاقبان من قوة الشخصية ليستطيعا شيئا أمام برلمان متشذر  
-        أما في تونس فالبرلمان وفقا للطريقة الانتخابية  المعمول بها منذ 2011 والقائمة على النسبية مع أعلى البقايا ، وطبيعة التنظيم الحزبي ، يقوم على حزبين كبيرين نسبيا لكن أي منهما لا يملك أغلبية حتى بسيطة ، فيما أن بعض القوانين والتصويتات تحتاج وفقا للنظام الداخلي للمجلس  إلى ثلثي الأصوات ، ولو كان اعتمد على طريقة الاقتراع بالأغلبية على القائمات مثلما كان الأمر من 156 إلى 2010 لحصل نداء تونس على ما بين 135 و140 مقعدا وهي أغلبية مريحة ولكن لا تكفي لتمرير قوانين أساسية أو نتيجة إيجابية في بعض المسائل المعينة ، مثل انتخاب أعضاء هيئة الانتخابات.
**
المهم أن الباجي قائد السبسي غير راض عن الصلاحيات التي يتمتع بها ، والتي لا يراها من مقاسه ، وهو يغمز ليصنع ما صنع الجنرال ديغول عام 1958 بتأسيس الجمهورية الفرنسية الخامسة ، حتى يكون مطلق اليد في تسييره للدولة ، ويحكم وحده فعلا كما قال في سنة 2011.
كان في  تصريحه في جريدة الصحافة أكثر من تلميح ، أما في تصريحه للقناة الوطنية فقد أوكل المبادرة في ذلك للنواب. وسواء لما بقي من عهدته أو في احتمال الحصول على عهدة ثانية في 2019 لا يبيدو أنه يستبعدها ، بل لعله يسعى إليها.
ومهما يكن من أمر فإنه يبدو  أن الأمر ليس بالسهولة المتوقعة :
-        فالدستور التونسي الحالي هو من الدساتير المغلقة التي يصعب كثيرا تغييرها أو يستحيل تغيير بعض فصولها.
-        إن تمنيات الرئيس الباجي لا تجد حماسا مطلقا من عدة جهات سياسية وفي مقدمتها حركة النهضة ، وهذه الجهات تخشى من أن تكون عودة النظام الرئاسي بأي شكل من الأشكال مناسبة لعودة التسلط والديكتاتورية ، فما زالت الذاكرة الجماعية مطبوعة بذكريات الفترة 1957 /2011 التي اتسمت بالحكم الفردي المتسلط تحت يافطة حكم جمهوري كان يفصله عن الديمقراطية بون شاسع.
-        وبالتالي فإن تمنيات سي الباجي تبقى غير قابلة للتطبيق ، وهو يمارس فعليا نظاما رئاسيا ، لكن بدون سند دستوري.  
---------------------------------


(1)كان ذلك في بلاغ وجهه الجنرال ديغول للشعب الفرنسي عن طريق رئيس ديوانه أوليفيي قيشار ، وقد تورط الجيش الفرنسي في حرب تحرير الجزائر .
(2)الإثنتا عشر سنة التي قضاها الجنرال ديغول خارج الحكم بين 1946 و1958 ، بعد استقالته على وقع رفض الشعب خلال استفتاء عام لمبدإ  النظام الرئاسي وتخيير النظام البرلماني ، وهو النظام الذي برزت عيوبه وعدم قدرته على السير بالبلد ، ففي 12 سنة تداولت على حكم فرنسا 24 حكومة أي بمعدل حكومتين كل عام .
(3)   كان ذلك بين شهري أفريل وماي 1958 ، بعد أن دعا رئيس الجمهورية روني كوتي ثلاثة من رجال السياسة الفرنسيين فشل كل منهما في تشكيل حكومة لغياب أغلبية برلمانية ، مما اضطره لاستدعاء الجنرال ديغول الذي فرض فكرة صياغة دستور جديد باتجاه رئاسي كما كان يرغب في 1946 ، وهذا ما مكن بعد تشكيل لجنة خبراء من تحرير دستور الجمهورية الخامسة ، الذي بدأ العمل به في سنة 1958 ، وعمد إلى اختيار رئيس الجمهورية الفرنسية بالاقتراع العام منذ 1962.





هناك تعليق واحد:

  1. كلام دقيق و في غاية اللأهمية لكن نحن اليوم نعاني من غياب السلطة في كثير من الجالات وهناك تسيب في كل مكان وحالتنا الاقتصادية والمالية في انحدار وفي خطر ولذا من المستحسن التفكير عن طريق مجموعة من الخبراء للخروج من النفق الذي نعيشه وحتى تسترجع الدولة أنفاسها وبعدها يمكن ان نفكر غير ذلك بشأن الدستور وشكرا استاذنا الكريم

    ردحذف