Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 19 أغسطس 2016

حزبيات : بعد انفجار عدد الأحزاب ..حزبان جديدان من المتوقع أن يكون لهما شأن ؟

حزبيات                                      
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تورم حزبي .. ولكن ..
 حزبان قد يخلقان المفاجأة
تونس / الصواب /16/08/2016
في 25 جويلية تأسس حزب جديد في الساحة التونسية ، 25 جويلية هو تاريخ مفصلي في تاريخ البلاد ، حيث تم إعلان الجمهورية القمة في الممارسة الديمقراطية ، قبل سرقة الرمز، وفي 13 أوت تاريخ آخر يشكل مرحلة مهمة تتمثل في تحرير المجتمع من ربقة الظلام تأسس حزب ثان.
وعلى عكس أكثر من مائتي حزب تحفل بها الساحة ، ليس هناك من أحزاب حقيقية وفعلية ، إلا 5 وعلى أقصى تقدير أحزاب 10  لها وجود مؤثر  نسبيا في الساحة ، أما البقية فتبدو وكأنها أحزاب على الورق وحاصلة على تراخيص وليس لها وجود على أرض الواقع.
** ماذا كانت تكون نتائج الانتخابات الأخيرة
 لو اعتمد التصويت الأغلبي
ولعل نتائج الانتخابات الأخيرة تبرز حقيقة وزن الأحزاب القائمة ، ولعل وجودها أو وجود بعضها في البرلمان يترجم واقعا سياسيا معينا هذا بمقتضى التمثيل البرلماني الناتج عن طبيعة نظام اقتراع يعتمد النسبية مع أعلى البقايا ، فلو كان تم اعتماد نظام الاقتراع الأغلبي الذي كان معمولا به منذ 1956 ، لكانت النتيجة أغلبية كبيرة لنداء تونس ، وأقلية صغيرة لحزب حركة النهضة ، ولكان قد تم خروج كل الأحزاب الأخرى من حلقة الوجود البرلماني ، على أساس أن كل نوابها وعددهم حوالي 40 أو 45 لم يفز أحد منهم أصالة بل بأعلى البقايا.
و بالتالي فإن الساحة الحزبية التونسية لا تقوم إلا على حزبين رئيسيين، هما نداء تونس من جهة وحزب حركة النهضة من جهة أخرى.
وفي ظل طريقة الاقتراع المعمول بها حاليا أي النسبية مع أعلى البقايا ، فإن الحزبين مع بعضهما يمثلان تقريبا ثلثي أعضاء البرلمان ، مع عدد قليل آخر ما يسمح لهما مجتمعين ، بتمرير القوانين الأساسية ، أو التعديلات الدستورية ، وهو أمر لا يتيسر لأحدهما منفردا ، حتى بمساندة كل الأحزاب الأخرى مجتمعة الممثلة في مجلس نواب الشعب ، من هنا فإن ولادة الحزبين الجديدين قد تمثل ، تغييرا مهما في الساحة السياسية والخارطة الحزبية.
                                                                                              كيف ستكون الخريطة السياسية المقبلة؟
وإذا كان من السابق لأوانه  التنبؤ بمستقبل التوازنات الحزبية المقبلة ، في أول انتخابات منتظرة في أفق 2017 ، وستكون انتخابات بلدية ،  فإنه يمكن ومن الآن توقع تغيير في الخارطة السياسية التونسية ، أخذت تدل عليها علامات واضحو ، وبدأت تتبدى من خلال عمليات سبر الآراء المختلفة.
وهناك أسباب موضوعية للاعتقاد بأن الحزبين الكبيرين ، أخذ يصيبهما التآكل من الداخل ، فالحزب الأول في انتخابات 2014 أي النداء فقد مكانته البرلمانية الأولى وبات ثاني الأحزاب ، بعد النهضة ، التي لا أحد يعرف قدرتها على التماسك ، بعد مؤتمرها الأخير والتشققات التي بدأت تظهر في بنائها شقوق  ،  ما كان أحد يتوقع أن يصيبها يوما مستوى من الاختلاف على هذا القدر من العمق في حزب يتسم بالانضباط والولاء التام للقادة أو على الأصح للقائد.
وإذا كانت محاولة التوريث التي اعتمدها الباجي قائد السبسي قد جعلت نداء تونس مجرد شبح لنفسه ، وكما قال أحد الصحفيين "كان صرحا فهوى "، فإن الميول الاستبدادية التي تذكر بما عمد إليه بورقيبة بعد مؤتمر حزبه في 1971 ، قد تدفع بحزب الإخوان كما يحلو للبعض تسميته ، إلى تشقق بين أنصار ومعارضي الأستاذ راشد الغنوشي.

حزب المشروع يتقد حيوية فما هو مستقبله ؟
وفي الأثناء فإن حزب المشروع الذي نشأ بمناسبة ذكرى تأسيس الجمهورية ، في محاولة للركوب على ذكريات وطنية عالية الرمز ، قفز إلى المكانة الثالثة في البرلمان بكتلة برلمانية تتألف من أقل من 30 نائبا  تعتبر اليوم الكتلة الثالثة عدديا ووزنا ، في ظل مشروعية لا تقوم فقط على رفض التوريث الممجوج شعبيا ، ولكن بالخصوص على قاعدة شعبية عريضة ، أبرزها مؤتمر انطلاق واسع التمثيل والمشاركة ، وبدا وكأنه مؤتمر إنشاء الدستور الجديد عام 1934 ، من طرف بورقيبة على أنقاض الحزب القديم (القوقعة الفارغة) ، أي على أنقاض نداء تونس ، الذي لم يعد سوى الحزب الثاني في الحضور البرلماني .
ويتوقع الكثير من المراقبين للحياة السياسية ، أن هذا الحزب  الجديد  بزعاماته الكثيرة  سواء المنحدرة من النداء أو من آفاق أخرى ، وقوة إقناع أمينه العام وقدرته التواصلية ، وإتقانه فن الخطابة ، زيادة عن الكاريزما التي يتمتع بها ، وانفتاحه على الشباب والمرأة مؤهل ، لأن يلعب أدورا أولى في المستقبل ، وخاصة على أنقاض نداء تونس الذي بدا أو يبدو متحللا مترهلا.
..والحزب الدستوري الحر بقيادة امرأة ؟
إن عبادة المناسبات ليست حكرا على نداء تونس  أو حزب المشروع ، بل أخذ يشاركهما  فيها وينافسهما  عليها حزب جديد ، يتوقع له جانب من الرأي العام  أن يتخذ لنفسه مكانا تحت الشمس ، ففي 13 أوت ، الذكرى التي تؤرخ لانعتاق تونس المجتمعي بمناسبة إعلان مجلة الأحوال الشخصية ، وتحرير المرأة من ربقة قرون الانحطاط ، انعقد مؤتمر ما أسمي بالحزب الدستوري الحر  ، تيمنا باسم الحزب الحر الدستوري ، وهي تسمية لا تخفي توجهات معينة تحيل إلى أحقاب  من تاريخ البلاد ، منها إنشاء حزب الدستور في 1920 على يدي عبد العزيز الثعالبي ، وقد أريد له عبر إعلان دستور للبلاد تحريرها من الاستعمار تماما كما حصل مع حزب الوفد المصري ، مع إعلان ليبيرالية ( الحر) هذا الحزب ، ولعل من ذكاء المؤسسين أن أوكلت رئاسة الحزب إلى امرأة ، تتسم بكثير من الشجاعة والحزم وتتمتع هي الأخرى بالكاريزما وقدرة فائقة على الخطابة والإقناع، وتتمتع برصيد "نضالي" تمثل في وقوفها وبكل شجاعة منذ 14 جانفي 2011 في الصف المناهض للثورة إن صحت تسميتها ثورة ، وهي والنائب السيد الجربوعي من الأوائل الذي أصدعوا برأيهم  وتحدوا التوجه السائد، في وقت لم يكن سهلا فيه مواجهة التيار. وإذ تم نقد القصور الديمقراطي  في الفترة السابقة ، فإن شفافية مؤتمرهم أرادوا التدليل بها على أنهم قطعوا مع الماضي. أضف على كل ذلك أنها المرأة الوحيدة التي تم رفعها لزعامة حزب في تونس حسب ما نعرف.
وفي العودة للإرث البورقيبي ، وخاصة تحرير المرأة نصف المجتمع ، واستثمار ذلك باختيار امرأة على رأسه أكثر من إيحاء ودعوة، فضلا عن تعبئة تجربة تعبوية استمرت أكثر من 90 سنة .
ولعل لهذا الحزب إذا جمع صفوفه أن  يلم شتات الدستوريين والتجمعيين ، ومن انقطع بهم حبل تاريخ طويل من النضال  ومن أصابهم اليأس من " انحراف" الثورة، وما زالوا يحنون إلى تلك الأيام التي يرون أنها كانت مزدهرة ، وأن الأخطاء فيها ، لم تكن على قدر أخطاء وتعثر ما بعد 14 جانفي ، ألم يحشروا الفساد في عائلتي بن علي و الطرابلسي منفردتين ، فيما يعلنون أن الفساد استشرى بعد ذلك مؤكدين على ما جاء في تقارير دولية ذات مصداقية.
وكان الحزب القديم المتجدد من الذكاء والفطنة ما دفعه للالتصاق بموعد عزيز على التونسيين في غالبهم ومن النساء خاصة ، ألم تصوت مليون امرأة لفائدة الباجي قائد السبسي ، من جملة مليون وسبعمائة ألف صوت حصل عليها، في الانتخابات الرئاسية .
 هل يجرنا الحنين للماضي إلى ما لا نريد
 أو ما لم يكن يريده التونسيون عام 2011؟
وبالتالي وأمام انفجار نداء تونس من جهة ، والاهتزازات التي تهز النهضة من جهة أخرى واحتمالات تشظيها ، فإن الفرصة مواتية للحزبين الجديدين لشق طريقهما سواء باعتبار الحنين إلى الماضي ( الذي كان زاهرا في نظر الكثيرين رغم نقط السواد فيه بدليل عمليات سبر آراء حديثة  ستون بالمائة في المائة من المستجوبين  يحنون لزمن بن علي ، فالذاكرة قصيرة ،) أو بالقياس إلى شباب وحتى كهول يرفضون بالواقع عملية التوريث التي طرأت على نداء تونس ، وأفرغته من خيرة كوادره ، فضلا عن تحالفاته التي توصف بالمريبة ، والتي وفي نظر البعض جعلته تابعا فعليا للنهضة لا حليفا لها، وليس غريبا والشأن كما هو الحال ، أن يقدم الحزبان الجديدان وفي متسع من الوقت ودون أن تفرض عليهما الحقائق السياسية ، على رفض أي تحالف أو ائتلاف مع النهضة ، باعتبارها تبشر بنمط مجتمعي معاكس "لإرادة الشعب".
فهل تصح أحلام المقدمين ، على زعامة الحزبين الجديدين الذين سيأكلان من قاعدة الأحزاب المؤتلفة وحتى المعارضة ، فيؤديان إلى تقهقر كل الأحزاب بما فيها الوطني الحر وآفاق ، وربما حتى المبادرة إن قدر ودخلت الائتلاف الجديد ، فلم يعد الحديث حديث حكومة وحدة وطنية ، فضلا عن نداء تونس الذي لم يبق منه سوى شبح لنفسه ، ليس قادرا إلا على نفخ ريشه، وهل سيغيران من طبيعة الخريطة السياسية في البلاد ، علما وأن النهضة تجلس على قاعدة لا تقل مهما كان ضغط الأحداث عليها عن 25 في المائة ، فيما تتقاسم بقية الأحزاب ما بين 70 إلى 75 في المائة من أصوات الناخبين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق