Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 14 أغسطس 2016

الموقف السياسي : اتحاد الشغل ،، المسؤولية التاريخية

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
لماذا غاب الاستثمار ،،
 ولماذا انهار الادخار؟
تونس / الصواب / 22/07/2016
قبل بضعة أسابيع غامرت بالحديث عرضا عن أحد أسباب الانكماش الاقتصادي ، وعزوت ذلك في ما عزوته إلى انفلات في المطلبية ، أدت إلى زيادة بخمسين في المائة في عدد موظفي  الدولة والقطاع العام ، بحيث أصبحت ميزانية الدولة تنوء تحت عبء أعداد    كبيرة من الموظفين بدون مردودية ، فضلا عن زيادات في المرتبات رفعت حجم الأجور العمومية إلى حدود غير مسبوقة لا في تونس ولا في غيرها قياسا إلى الناتج الداخلي العام ، مع تدن خطير في إنتاجية العمل ، كما تعرضت إلى انتشار خطير في عدد الاضرابات وأيام العمل المهدورة ، و الاضرابات على عين المكان بدون إنتاج ، les grèves de zèle  فضلا عن التدخل في التصرف والقبول بهذا المسئول أو عدم القبول ، وغيرها من الأمراض المجتمعية التي باتت مزمنة ، بسكوت إن لم يكن بتشجيع من المركزية النقابية.
وقد جاءتني ردود فعل أحيانا هادئة وأحيان عنيفة ، سواء في باب الردود على ما كتبت ، أو حتى تليفونيا ومباشرة ، وكلها إذ تحتج  على ما أقول ، وتثير مسألة القدرة الشرائية ، وملاحقة الأجور للهروب التصاعدي للأسعار ، وتدهور مناخ العمل ، وغيرها من الملاحظات التي هي في حقها وفي سياقها ، بالنظر إلى ما يعانيه الأجراء خاصة ، لكن الآخرين  أيضا من عنت في توفير لقمة العيش ، فضلا عن أي كماليات .
ولقد تعاطفت مع من كتبوا لي ومن تلفنوا ومن خاطبوني مباشرة ، فأنا شخصيا ومحيطي من الأجراء والمتقاعدين وخاصة متقاعدي القطاع الخاص ، ممن تآكلت مقدرتهم الشرائية بصورة كبيرة بدون تعويض ، ولكن أعرف أن ذلك التعاطف ليس سوى شعور لا يقدم ولا يؤخر أمام الحقائق الصلدة والصلبة لواقع مترد ، سببه غياب الدولة ، تصديقا لمقولة الأستاذ مصطفى الفيلالي في مقال رائع نشره في جريدة الصباح بعنوان :" هل بقيت في تونس دولة  ؟ ".
ولكن الواقعية تقتضيني أيضا أن أكون في وارد فهم المحيط وأمراضه.
فمن جملة اللوم الذي تم توجيهه لي أني إن كنت محقا في لوم اتحاد الشغل على عدم ضبط منتسبيه ، ومسايرة مطالبهم المشروعة ، فإني لم أتناول مسؤولية رجال الأعمال والأعراف عن الاستثمار ، لزيادة الثروة الوطنية وتوفير مناصب العمل ، ومن رأي هؤلاء أن ذلك هو أصل الداء .
ولست هنا في وارد الدفاع عن الأعراف أو منظمتهم ولكني أود أن أتوقف عند ثلاثة عناصر لعلها تفيد :
**
تحت كل سماء فإن حصيلة نمو الثروة يذهب غالبا إلى ثلاثة اتجاهات ، أجورا وأرباحا وادخارا يستعمل في الاستثمار ، ونلاحظ منذ سنة 2011 أن قسط الأجور قد ارتفع بشكل كبير فيما ، إن  قسط الأرباح ( على الأقل المعلنة ) وقسط الادخار المعتمد في الاستثمار قد انهارا إلى أقل من النصف مما كان عليه الأمر في 2010 ، أي أنه لم يعد هناك هامش كبير كما كان قبلا لقيام حركة إحداث مصادر للثروة ، وبقدر انهيار عاملي الادخار والأرباح اللذان يوفران القاعدة الأساسية لقيام مؤسسات جديدة تشغل وتنمي الثروة بقدر تراجع عامل الاستثمار في وقت انهار فيه الادخار العائلي  الذي يمول جزئيا عملية النمو تحت ضغط متطلبات الحياة وارتفاع تكاليف المعيشة.
و من هنا انحسر الاستثمار تحت عامل تراجع مقوماته.
**
ولأن ذلك ليس كافيا في حد ذاته ، فإن المناخ الاجتماعي قد ضرب الاستثمار ، وبالتالي نماء الثروة والقدرة على خلق فرص العمل ، بل أحيانا الحفاظ على فرص العمل الموجودة ، والتي إما تلاشت أو أنها مهددة ، وإذ لا نذهب مذهب القائلين بأن الاتحاد العام التونسي للشغل واقع تحت سيطرة أقصى اليسار ، فإن سؤالا ملحا أخذ يطرح بإلحاح ، هل من مصلحة البلاد أن ينهار قطاع الفوسفاط بسبب المطالبة بالتشغيل لجحافل العاطلين عن العمل ( يسمون أنفسهم المعطلين عن العمل على أساس أنه لا توجد إرادة للتشغيل من قبل الدولة (؟)  ، وقد سمعت عددا من حاملي الشهادات العليا ينعتون أنفسهم بالأساتذة ، الذين ترفض وزارة التعليم تعيينهم في حين أن الواقع المعاش يفيد بأن القطاع يعج فوق الطاقة ، علما بأن الأستاذ عندنا يشتغل حوالي 18 ساعة عند بداية انتدابه ، والمعلم 22 ساعة ونصفا وحتى 15 ساعة في الأسبوع بينما يشتغل  رجل التعليم  في الولايات المتحدة ابتدائيا وثانويا وفي العالي 30 ساعة  أسبوعيا مقسمة بين تدريس وتدارك و تأطير ) ،  هذا فضلا عن تدني مردودية وإنتاجية العمل ، الذي هو خالق الثروة الحقيقية ، وليست الموارد الطبيعية في حد ذاتها ، فالسماء لا تمطر لا قمحا ولا زيتونا ولا أحذية أو ساعات أو سيارات ، بل هو الجهد والعمل ، وما دام المناخ على ما نرى من قلة استقرار اجتماعي ، ومن تدخل في التصرف ومن استعمال لعبارة ديقاج   لكبار موظفي الدولة ممن أفنوا عمرهم في خدمة البلاد ، أو تعطيل للعمل والصد عنه بسبب وبغير سبب ، لا مجال لاستثمار في بلادنا ، وبالتالي لا لنسبة نمو معقولة ، تفضي إلى إنتاج وفير من شأنه وحده السيطرة على الحركة الجنونية للأسعار والتضخم المنفلت  ، ولا لإحداث المطلوب من فرص العمل ، التي يعتبر الاستثمار محركها الأول.
**
يقال إن رأسلمال جبان ، بمعنى أن روح المغامرة تنقصه في بلادنا وبين رجال الأعمال عندنا ، هذا صحيح إلى أبعد الحدود لكن في كل مكان عبر العالم  ، ولكن لا بد من النظر للظروف الموضوعية التي تحف بالحياة الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا  ، لفهم  أسباب إحجام رجل الأعمال الوطني أو الأجنبي عن الاستثمار  في تونس وبالتالي تحقيق النمو و توفير فرص العمل بالعدد الكافي لامتصاص بطالة هيكلية فضلا عن استيعاب الوافدين الجدد إلى سوق   العمل  ، فبلادنا في حالة ملاحظة ليس فقط تراجع الاستثمار الجديد  ، بل تقلص الاستثمار القائم
Le désinvestissement  ،  ما يؤدي  إلى طرد  من  عدد العاملين إضافة إلى تراجع الانتاج أي تراجع الثروة الوطنية وتقهقر نسب النمو ، وبالتالي تقلص التنمية .
فالاستثمار ليس فقط من فعل أصحاب رؤوس الأعمال ، بل هو نتاج مشترك بين رجال الأعمال ومنظمتهم ومنظمة اتحاد الشغل.
 وعنصر تكاثر الاضرابات وانخرام المناخ الاجتماعي والتشجيع على ذلك أو السكوت عليه ، إنما هو شوكة في جنب الاقتصاد وقدرته على توفير التشغيل .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق