بكل هدوء
|
اختلال في المشهد
السياسي التونسي *
تونس / الصواب /
06/02/2015
انتهت الانتخابات
التأسيسية سنة 2011 بتقدم واضح لحزب حركة
النهضة ذي المرجعية الإسلامية ، على حساب ما أسمي بالأحزاب العلمانية أو الوسطية ،
غير أن الحزب الذي تنسبه جهات عديدة في تونس وخارجها إلى الحركة الإخوانية ، لم
يتمكن من نيل الأغلبية المطلقة ( نصف عدد النواب مع واحد) ، ولذلك اضطر مع حزبين
وصفا بالعلمانيين لجمع نصاب يستطيع معه الحكم ، وقد تذيل حزبا منصف المرزوقي (
الذي نال مقعد رئاسة الجمهورية بدون صلاحيات تذكر) ومصطفى بن جعفر ( الذي نال منصب
رئيس المجلس التأسيسي وكان أكثر فاعلية بقليل من رئيس الجمهورية) تذيلا لحركة النهضة ، وتركا لها الحبل على
الغارب ، فاتجهت بداية لتغيير نمط المجتمع الموروث عن 200 سنة من عمل إصلاحي عميق
تزامن مع ما حدث في مصر والشام، غير أن ردة فعل المجتمع المدني في صائفة 2013
أثنتها عن مسعاها ومنعتها مما كانت تسعى
إليه مما تسميه أسلمة المجتمع ، بل وفرضت عليها مغادرة الحكم ، كما كان للأحداث
التي جرت في مصر في تلك الصائفة تأثيرات على موقف حزب النهضة الإسلامي ، بدء
بالتمرد الذي أخرج الملايين للشارع
وللميادين ، واستمرا را باستيلاء الجنرال السيسي على الحكم ، مما بعث الهلع
في أوساط الاسلاميين التونسيين من أن يتكرر نفس المشهد في تونس.
وجاءت انتخابات
خريف 2014 لتقلب الطاولة ، ولكن دون أن تعطي أغلبية واضحة لأي من الأحزاب ، بل نال
حزب نداء تونس الذي لم يتعد عمره ما بين عامين أو ثلاثة أغلبية نسبية (86 مقعدا في
البرلمان من 2017 نائبا) ، لم تعطه الفرصة
للحكم منفردا ، باعتبار الأغلبية النسبية التي نالها.
وإذ جاءت حركة
النهضة الإسلامية في مرتبة ثانية (64) مقعدا في انتخابات 214 ، فإن الباجي قائد
السبسي اقتلع منصب رئيس الجمهورية ، واضطر لدعوة 4 أحزاب للمشاركة في الحكم في
مقدمتها الصديق الجديد اللدود حركة النهضة ، مما مكن من أغلبية معززة مريحة تتجاوز
الثلثين وتمكن من تمرير القوانين حتى الأساسية منها بالتوافق.
وإذ بدا أن الأمر
سيتجه لاستقرار سياسي أعرج ، ولكن يضمن حدا أدنى من الاستمرار في الحكم ، فإنه لم تمر سوى سنة واحدة ، حتى
انفجر الحزب الأغلبي نداء تونس ، ليس بسبب تناقضاته الداخلية الصارخة فحسب ، بل بسبب اتجاه رئيس الجمهورية لتوريث
ابنه حافظ قائد السبسي في رئاسة الحزب الذي سبق له إنشاؤه عام 2012 ، وهو ما رفضته
قواعد كثيرة ورأت فيه محاولة تبشيرلبدفع
ابنه إلى رئاسة الجمهورية عندما يحين الوقت بعد 4 سنوات ، واتهمت تلك الجهات النجل
بعدم الكفاءة فضلا عن رفض التوريث ، وهو أمر مرفوض من الشعب على أساس وكأنه يعود
بالبلاد إلى نظام ملكي تمت تنحيته منذ 1987.
واليوم انقسم
الحزب الأغلبي ( نداء تونس ) على نفسه ، وباتت كتلته النيابية في مرتبة ثانية ،
بينما تصدرت النهضة المرتبة الأولى بأكبر عدد من النواب ، في وقت
تتواصل فيه الاستقالات من الحزب " النداء " ومن كتلته النيابية أيضا ، فيما اتجه قدماء الحزب
الجديد أصلا وعدد من مؤسسيه ، إلى تأسيس حزب جديد ، سيعقد مؤتمره العام في 2 آذار مارس المقبل في
نفس التاريخ والمكان ، الذي اطلق فيه الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة حزب
الدستور الجديد انشقاقا عن حزب الدستور
القديم بزعامة الشيخ عبد العزيز الثعالبي ،
و هو أي بورقيبة هو الذي قاد مرحلة الكفاح واستلم الحكم من سنة 1956 إلى
1987 ، وهناك من يقول حتى سنة 2011 ، عندما انهارت السلطة تحت ضغط الشارع.
وفي نفس الوقت
تفتحت شهية عدد من السياسيين قدامى وجدد
لتشكيل أحزاب أخرى ، منها حزب منذر الزنايدي الوزير الأسبق في عهد بن علي ، و حزب كمال
مرجان ومحمد جغام الوزيرين الأسبقين أيضا ، فيما يسعى مهدي جمعة الذي ترأس حكومة
التكنوقراط التي خلفت حكومة النهضة بعد انسحابها في 2014 مع مجموعة من وزرائه وقيل
في حينه أنهم من غير السياسيين ـ يسعى ـ لتأسيس تنظيم سياسي لم تتضح صورته بعد
ليدخل السباق ، هذا عدا الأحزاب التي كانت في الصورة سابقا والتي خرجت من
الانتخابات الأخيرة في أواخر 2014 مكسورة الجناح بدون نواب في المجلس أو العدد
القليل غير المؤثر ، وبعد السقطة المدوية
للمرزوقي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة،كل هذا مع ضرورة عدم التقليل من
شأن الحزب المنشق عن نداء تونس بزعامة محسن مرزوق ، وهو شاب في مقتبل العمر يتمتع
بكاريزما وذكاء مفرط وحتى مكر كبير وقدرة
على الخطابة والإقناع ، وإن اعتبر وصوليا
ومستعجلا الدور الذي يرى نفسه فيه في القمة ، والذي يسعى للظهور بمظهر الخليفة
الطبيعي للرئيس الحبيب بورقيبة ، رغم أنه كان معارضا شرسا للرئيس الأسبق إبان
حكمه.
انتخابات بلدية ،
متوقعة لآخر العام الحالي ، ستفصل بين المتسابقين ، وهي انتخابات يستعد لها
إسلاميو النهضة بفارغ صبر وتحسب وكثيرا من الحذر ، لعلها تعيدهم إلى قلب
الصورة ، وتجعلهم يفوزون بقصب السبق كما
كانوا في انتخابات 2011، ولكن عليهم قبل ذلك أن يمروا بامتحان صعب هم الآخرون ،
يتمثل في مؤتمرهم العام في الربيع ، الذي
سيحاول من خلاله زعيمهم راشد الغنوشي أن يحول الحزب الإسلامي الإخواني إلى حزب
مدني بمرجعية إسلامية على شاكلة الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب ، والتي لم
يبق منها فاعلا إلا حزب رئيسة وزراء ألمانيا أنجيلا ماركل .
غير أن من يرون
الحفاظ بالنهضة على نهجها كحزب " دعوي " لا حزب مدني ، يبدون وكأنهم يستعدون للمعركة بكل قواهم.
·
تم النشر في وقت متزامن مع مجلة "أسواق العرب " الصادرة بلندن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق