Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 13 فبراير 2016

الموقف السياسي : تداعيات الحرب على ليبيا ،، بتونس

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
ما المصير ؟
الصواب / 12/02/2016
في وقت يبدو فيه الوضع غير مستقر في تونس ، وترتفع فيه المطالبات الاجتماعية إلى الأقصى ، وتتهدد البلاد تطورات مثل تلك التي شهدها شهر جانفي 2016 ، إزاء استمرار التحديات المتمثلة في البطالة ، والتي لم تستجب لها السلطة، وليس في استطاعتها موضوعيا الاستجابة إليها ، وفي وقت تبدو فيه الآفاق مسدودة ، تبدو تونس وكما لو كانت على حافة  هاوية عميقة ، تتمظهر في أمرين اثنين :
أولهما ، ما الذي تعده الأيام المقبلة لليبيا ، وهل ستكون موقعا لحرب مدمرة ، وهجوم ساحق؟
وثانيهما ما الذي ينتظر تونس ، سواء من جراء تلك الحرب أو باحتمال وارد ، هو أن يكون بين اللاجئين المحتملين من القطر الشقيق ، أعداد وافرة من الارهابيين ، هذا عدا ما عساه أن يحرك ما يسمى بالخلايا النائمة في البلاد ، مدعومة  بالوافدين من القطر الليبي المنفلت من كل انضباط.
**
وإذ ما زالت السلطة التونسية ، تأمل في أن لا تتحرك الأساطيل المتربصة على أبواب السواحل الليبية ، والغير بعيدة عن سواحلنا ، فإنها إما أنها غير متيقظة لحقيقة الأخطار ، أو أنها لا تصارح الشعب التونسي بحقيقة ما هو آت من أخطار ، والأغلب هو الاحتمال الثاني.
فالعدة تم إعدادها ، بإحكام كامل ، وليس من العادة أن توجه قوات للحرب ، وتنكص عنها ، إلا في حالة استسلام الطرف المقصود ضربه ، فالحرب هي الوجه الآخر والكريه للسياسة ، وما لا يتحقق سياسيا ، يفرض بقوة السلاح عسكريا.
وقد وصل الوضع في ليبيا إلى نقطة اللاعودة كما يقول العسكريون ، فداعش من جهة  وهذا ما يقال ، وفجر ليبيا وحلفاؤها وعلي الصلابي وعبد الحكيم بلحاج والميليشيات حولهما  وهذا ما لا يقال ، تقلق أكبر قلق الجــهات الأوروبية والغربية، خوفا من قيام نظام  يستولي على  الغرب الليبي يدعو لنظام ذي مرجعية إسلامية متطرفة ، تتناقض مع القيم الكونية ، ومن هنا فإنه يكون واضحا أن الحرب إن قامت ، فإنها ستحاول أن تسحق داعش ، وذلك ليس سهلا ، وتقصب أجنحة الحكم القائم حاليا في الشرق الليبي المحاذي لتونس والجزائر.
وليبيا لا تحكمها اليوم دولة مركزية ، ففي شرقها حكومة ، تعتبر دوليا الحكومة الشرعية ، على اعتبار أنها منبثقة من انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة ، وقد اضطرت تلك الحكومة  للجوء إلى طبرق للانتصاب فيها ، بينما الغرب الليبي واقع تحت يد فجر ليبيا ، الفرع الليبي للإخوان المسلمين ، ولميليشيات متنوعة التوجهات ، لا تعترف  كلها بحكومة طبرق وفقا لحكم صادر عن المحكمة العليا الليبية المستقرة بطرابلس والواقعة تحت إمرة المؤتمر الوطني البرلمان السابق الذي انتهت ولايته ، والذي لم تعد تعترف به الشرعية الدولية ، ولكن تؤيده كل من تركيا (الإخوان المسلمين) وقطر.
 إذن لا بد من الوعي بحقيقة لا يصرح بها أحد ، وهي أن "حملة ليبيا " لا تستهدف فقط داعش ، ولكن أيضا جهات أخرى واضحة المعالم.
وانطلاق الحملة ، ينتظر لا فقط تشكيل حكومة السراج ، بل وأيضا دعوة صادرة منها لبدء العمليات العسكرية ، لإعطائها صبغة الشرعية ، وهي شرعية إن لم تأت من حكومة ليبية جديدة ، فإنها ستكون مكتسبة شرعية ما يمكن أن يسمى بشرعية الدفاع عن الذات ، عبر مقولة أن الوضع الليبي بات يتهدد عددا من الدول الغربية في عقر دارها عن طريق داعش وإرهابها.
ولن ينتظر الأمر طويلا لبدء الهجوم على ليبيا ، فالوضع متفاقم والتمدد الداعشي متواصل ، ولكن دول الجوار مترددة أكبر التردد في إعطاء ضوء أخضر ، للقصف في مرحلة أولى ، قبل الإنزال الجوي والبحري الذي لا مندوحة عنه لاستكمال السيطرة.
ولكل من الجزائر ومصر أسبابها خشية فعلية ، من أن تمتد الفوضى إلى بلدانها ، فقد دلت التجارب السابقة في الشرق الأوسط على أن التدخل الغربي يؤدي إلى فوضى ، ليست خلاقة ولا هم يحزنون ، أما تونس وزيادة عن تلك الأسباب فإن لها سببا آخر غير معلن ، يتمثل في انقسام السلطة بين الجهات المدنية المرجعية و الجهات ذات المرجعية الدينية ( النهضة) ، ففيما  تؤيد الأولى من طرف خفي حكومة طبرق  ( باستثناء ما أقدم عليه وزير الخارجية السابق  الطيب البكوش من فتح سفارة  لتونس في طرابلس ) ، فإن الثانية لا تخفي تأييدها لفجر ليبيا وذيوله ، وهي تخشى أن يكون الهجوم المقبل ، فرصة للقضاء عليه في أعقاب القضاء على داعش ، إن قدر وتم مثل ذلك القضاء.
وتونس التي لها تجربة في استقبال عشرات آلاف الليبيين في سنة 1911 هروبا من الحرب  الإيطالية ، ومئات الآلاف في 2011 إبان الثورة اليبية تخشى ، أن يكون الدفق أكبر ، في وقت لا يبدو فيه أن الأجهزة الأممية والصليب الأحمر الدولي ، المنشغلان بما يجري في الشرق الأوسط وذيوله في أوروبا على قدرة على التدخل لإنجاد تونس، فيثقل عليها العبء  إلى حد عدم القدرة على تحمله وحدها ، وقد دلت التجربة ، في وقت كانت فيه الأجهزة متفرغة نسبيا إلا من القضايا المزمنة للاجئين في سنة 2011 أن ، تونس لم تنل ما كان موعودا لها.
**
وإلى جانب الخوف من أن تؤدي حرب جديدة على ليبيا ، إلى دفق فوق الطاقة ، فإن تونس تبدو على خشية كبيرة ، من أن يحمل اللاجئين الفارين من أتون  الحرب ، من ليبيين وأجانب في وفاضهم مزيدا من الداعشيين ليس فقط المحتمين بل ، بالخصوص المخططين لعمليات إرهابية في البلاد ، فتزيد من هشاشة وضع هو هش بحد ذاته ، هذا فضلا عن تحريك خلايا نائمة ، إذ لا  ينبغي نسيان ما قاله وزير الداخلية الأسبق بن جدو من أنه تم منع 19 ألف من الشباب من الالتحاق بسوريا للانضمام للحرب هناك ، وهؤلاء يشكلون طابورا خامسا ، تزداد خطورته بمزيد قدوم لفيف من الداعشيين .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق