الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
ما المصير ؟
الصواب / 12/02/2016
في وقت يبدو فيه الوضع غير مستقر في
تونس ، وترتفع فيه المطالبات الاجتماعية إلى الأقصى ، وتتهدد البلاد تطورات مثل
تلك التي شهدها شهر جانفي 2016 ، إزاء استمرار التحديات المتمثلة في البطالة ،
والتي لم تستجب لها السلطة، وليس في استطاعتها موضوعيا الاستجابة إليها ، وفي وقت
تبدو فيه الآفاق مسدودة ، تبدو تونس وكما لو كانت على حافة هاوية عميقة ، تتمظهر في أمرين اثنين :
أولهما ، ما الذي تعده الأيام المقبلة
لليبيا ، وهل ستكون موقعا لحرب مدمرة ، وهجوم ساحق؟
وثانيهما ما الذي ينتظر تونس ، سواء
من جراء تلك الحرب أو باحتمال وارد ، هو أن يكون بين اللاجئين المحتملين من القطر
الشقيق ، أعداد وافرة من الارهابيين ، هذا عدا ما عساه أن يحرك ما يسمى بالخلايا
النائمة في البلاد ، مدعومة بالوافدين من
القطر الليبي المنفلت من كل انضباط.
**
وإذ ما زالت السلطة التونسية ، تأمل
في أن لا تتحرك الأساطيل المتربصة على أبواب السواحل الليبية ، والغير بعيدة عن
سواحلنا ، فإنها إما أنها غير متيقظة لحقيقة الأخطار ، أو أنها لا تصارح الشعب
التونسي بحقيقة ما هو آت من أخطار ، والأغلب هو الاحتمال الثاني.
فالعدة تم إعدادها ، بإحكام كامل ،
وليس من العادة أن توجه قوات للحرب ، وتنكص عنها ، إلا في حالة استسلام الطرف
المقصود ضربه ، فالحرب هي الوجه الآخر والكريه للسياسة ، وما لا يتحقق سياسيا ،
يفرض بقوة السلاح عسكريا.
وقد وصل الوضع في ليبيا إلى نقطة
اللاعودة كما يقول العسكريون ، فداعش من جهة وهذا ما يقال ، وفجر ليبيا وحلفاؤها وعلي الصلابي
وعبد الحكيم بلحاج والميليشيات حولهما وهذا ما لا يقال ، تقلق أكبر قلق الجــهات
الأوروبية والغربية، خوفا من قيام نظام
يستولي على الغرب الليبي يدعو
لنظام ذي مرجعية إسلامية متطرفة ، تتناقض مع القيم الكونية ، ومن هنا فإنه يكون
واضحا أن الحرب إن قامت ، فإنها ستحاول أن تسحق داعش ، وذلك ليس سهلا ، وتقصب
أجنحة الحكم القائم حاليا في الشرق الليبي المحاذي لتونس والجزائر.
وليبيا لا تحكمها اليوم دولة مركزية ،
ففي شرقها حكومة ، تعتبر دوليا الحكومة الشرعية ، على اعتبار أنها منبثقة من
انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة ، وقد اضطرت تلك الحكومة للجوء إلى طبرق للانتصاب فيها ، بينما الغرب
الليبي واقع تحت يد فجر ليبيا ، الفرع الليبي للإخوان المسلمين ، ولميليشيات
متنوعة التوجهات ، لا تعترف كلها بحكومة
طبرق وفقا لحكم صادر عن المحكمة العليا الليبية المستقرة بطرابلس والواقعة تحت
إمرة المؤتمر الوطني البرلمان السابق الذي انتهت ولايته ، والذي لم تعد تعترف به
الشرعية الدولية ، ولكن تؤيده كل من تركيا (الإخوان المسلمين) وقطر.
إذن لا بد من الوعي بحقيقة لا يصرح بها أحد ،
وهي أن "حملة ليبيا " لا تستهدف فقط داعش ، ولكن أيضا جهات أخرى واضحة
المعالم.
وانطلاق الحملة ، ينتظر لا فقط تشكيل
حكومة السراج ، بل وأيضا دعوة صادرة منها لبدء العمليات العسكرية ، لإعطائها صبغة
الشرعية ، وهي شرعية إن لم تأت من حكومة ليبية جديدة ، فإنها ستكون مكتسبة شرعية
ما يمكن أن يسمى بشرعية الدفاع عن الذات ، عبر مقولة أن الوضع الليبي بات يتهدد
عددا من الدول الغربية في عقر دارها عن طريق داعش وإرهابها.
ولن ينتظر الأمر طويلا لبدء الهجوم
على ليبيا ، فالوضع متفاقم والتمدد الداعشي متواصل ، ولكن دول الجوار مترددة أكبر
التردد في إعطاء ضوء أخضر ، للقصف في مرحلة أولى ، قبل الإنزال الجوي والبحري الذي
لا مندوحة عنه لاستكمال السيطرة.
ولكل من الجزائر ومصر أسبابها خشية
فعلية ، من أن تمتد الفوضى إلى بلدانها ، فقد دلت التجارب السابقة في الشرق الأوسط
على أن التدخل الغربي يؤدي إلى فوضى ، ليست خلاقة ولا هم يحزنون ، أما تونس وزيادة
عن تلك الأسباب فإن لها سببا آخر غير معلن ، يتمثل في انقسام السلطة بين الجهات
المدنية المرجعية و الجهات ذات المرجعية الدينية ( النهضة) ، ففيما تؤيد الأولى من طرف خفي حكومة طبرق ( باستثناء ما أقدم عليه وزير الخارجية السابق الطيب البكوش من فتح سفارة لتونس في طرابلس ) ، فإن الثانية لا تخفي
تأييدها لفجر ليبيا وذيوله ، وهي تخشى أن يكون الهجوم المقبل ، فرصة للقضاء عليه
في أعقاب القضاء على داعش ، إن قدر وتم مثل ذلك القضاء.
وتونس التي لها تجربة في استقبال عشرات
آلاف الليبيين في سنة 1911 هروبا من الحرب الإيطالية ، ومئات الآلاف في 2011 إبان الثورة اليبية
تخشى ، أن يكون الدفق أكبر ، في وقت لا يبدو فيه أن الأجهزة الأممية والصليب
الأحمر الدولي ، المنشغلان بما يجري في الشرق الأوسط وذيوله في أوروبا على قدرة
على التدخل لإنجاد تونس، فيثقل عليها العبء إلى حد عدم القدرة على تحمله وحدها ، وقد دلت
التجربة ، في وقت كانت فيه الأجهزة متفرغة نسبيا إلا من القضايا المزمنة للاجئين
في سنة 2011 أن ، تونس لم تنل ما كان موعودا لها.
**
وإلى جانب الخوف من أن تؤدي حرب جديدة
على ليبيا ، إلى دفق فوق الطاقة ، فإن تونس تبدو على خشية كبيرة ، من أن يحمل
اللاجئين الفارين من أتون الحرب ، من
ليبيين وأجانب في وفاضهم مزيدا من الداعشيين ليس فقط المحتمين بل ، بالخصوص
المخططين لعمليات إرهابية في البلاد ، فتزيد من هشاشة وضع هو هش بحد ذاته ، هذا
فضلا عن تحريك خلايا نائمة ، إذ لا ينبغي
نسيان ما قاله وزير الداخلية الأسبق بن جدو من أنه تم منع 19 ألف من الشباب من
الالتحاق بسوريا للانضمام للحرب هناك ، وهؤلاء يشكلون طابورا خامسا ، تزداد خطورته
بمزيد قدوم لفيف من الداعشيين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق