كتبها عبد اللطيف الفراتي
الثورة التونسية
هل وفرت مقومات الثورة ؟
تونس / الصواب 20/01/2011 *
لا يمكن استنساخ أي ثورة ،، فالثورة هي وليدة
مناخها ،، وليدة تربتها،، وليدة ظروفها،، وليدة أهلها ، وليدة لحظتها.
لذلك لا يمكن البحث لا عبر التاريخ ،، ولا
عبر الأحداث، عن ثورة تمكن مقارنتها بثورة أخرى.
ولا بد هنا من التفريق بين الثورة
والإنقلاب، فالإنقلاب لا يمكن أن يكون ثورة وهو ينطلق عادة من فعل عسكري أو شبه
عسكري ، أي بقوة مسلحة ليست منبثقة من الشعب، ولا تعبر عن أعماق أمة ، بل
إنها تجد منطلقها في قوة قد تكون مركبة على الشعب ولكنها لا يمكن بدقة أن تكون
معبرة عنه.
وإذ سمى انقلاب 23 يوليو في مصر نفسه ثورة ،
فإن أعداد من المنظرين يرون فيه بعض ملامح الثورة باعتبار تعبيره عن إرادة شعبية،
لم تتمكن من تحقيق ذاتها إلا بتلك الطريقة، التي اعتمدت القوة المسلحة، واختطت
لنفسها أهدافا مما يمكن أن تختطه ثورة ، والتحمت بالشعب.
غير ذلك الإنقلاب في العالم العربي منذ
انقلاب حسني الزعيم في سوريا في أواخر الأربعينات لم يرق إلى مصاف الثورات رغم ما
ادعاه من ذلك.
تعرف موسوعة ويكيبيديا الثورة كما يلي :
الثورة كمصطلح سياسي هي
الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم وللثورة
تعريفات معجمية تتلخص بتعريفين ومفهومين ،التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع
انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من
مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب
والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي أسموهم البروليتاريا.
أما التعريف المعاصر والأكثر حداثةً
هو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته “كالقوات المسلحة” أو من خلال شخصيات
تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ
برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية.
والمفهوم الدارج أو الشعبي للثورة فهو
الانتفاض ضد الحكم الظالم.و قد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789
وثورات أوروبا الشرقية عام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في
نوفمبر 2004 أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا مثل الانقلابات التي سادت أمريكا
اللاتينية في حقبتي الخمسينيات/ الستينات من القرن العشرين، أو حـــــــــــــركة
مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية { 1954-1962
. أما الانقلاب
العسكري فهو قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم, بغية
الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي الحكم.
** طبيعة فريدة للثورة التونسية
لعل الثورة التونسية هي ثورة فريدة من نوعها
، ولعلها تكون مؤذنة ، بشكل جديد من أشكال الثورة ، في التاريخ العالمي، فهي ثورة
انطلقت من شرارة ، قد تكون منبثقة من تراكمات كثيرة ولكنها بالقطع ، كان يمكن أن
تمر كغيرها من الشرارات التي يعيشها أي بلد في ظل القمع والكبت وانعدام
الديمقراطية واكتساح الظلم والتعسف.
كما إنها ثورة بلا رأس ولا قيادة، فالثورة
الفرنسية أشهر الثورات في العالم ، قادتها نخب وقيادات استعدت لها، والثورة
البلشفية الروسية (السوفياتية لاحقا) قادتها قيادة طبقية بروليتارية، ولن نستعرض
كل الثورات الأخرى التي اتسمت دوما باعتماد إيديولوجية ، ووضعت على رأسها قيادات ،
حددت أهدافا وخط سير واستراتيجيات وحتى خط تكتيكي.
الثورة التونسية هي ثورة غير مخطط لها أولا
، بلا رأس ثانيا ، وبلا إيديولوجيا ثالثا.
وليس صحيحا أن طرفا بعينه أطلقها ، فلا
الماركسيون أطلقوها ولا الإشتراكيون ، ولا الإسلاميون ،ولا أي فئة من فئات
المجتمع، لقد تكون قد احتضنت كل هؤلاء ، ولكنهم كلهم ولا أي منهم لم يسيطروا
عليها، وبقيت ثورة الشباب ، في نقاوة وطهارة من حركوها بعيدا عن كل محاولات
الإلتفاف.
وبالنهاية فإنها على ما تبدو مما يتداوله
المحللون ثورة الكرامة ، ثورة القيام على القائم من وضع، اختزل الحياة في أرقام نجاح
بقطع النظر عن صحة ذلك من عدم صحته، نسب نمو عالية كما لم يتوفر لا عربيا ولا
إفريقيا، ارتفاع نسبي في معدلات الدخل الفردي، ارتفاع في مؤملات الحياة، نجاح في
النشر الأفقي الكامل للتعليم، ولكن فشل شديد في تعميم الخيرات ، فرديا وجهويا،
إقصاء واستثناء فادح تجاوز الأفراد إلى المجموعات ، ونهب لخيرات البلاد لم يظهر
على حقيقته المرعبة إلا بعد رحيل العائلة التي استباحت البلاد.
**قصور ديمقراطي
إن الظاهرة الدافعة أو الجارة للثورة
التونسية هي تلك المتمثلة في القصور الديمقراطي Le Déficit Démocratique ، وإلى جانب صعوبات الحياة ، بالنسبة للكثيرين الذين اعتبروا
أنفسهم مهمشين في بلد ظهرت فيه الفوارق الإجتماعية صارخة، وهو بلد تعود على
الوسطية ، ساد شعور دفين بنقص كبير في الإحساس بالتمتع بشيء ضروري لعزة النفس هو
الكرامة، ولقد انتشر هذا الإحساس بشكل واسع ، حتى بين طبقة الإنتهازيين المستفيدين
من الوضع ، والذين كما قال لي بعضهم لاحقا بأنهم كانوا يحتقرون أنفسهم
ويشعرون بأنهم رغم استفادتهم فإنهم كانوا غير مرتاحين إلى وضعهم.
وسواء كان الثائرون ـ البعض
يفضل الثوريون ـ يشعرون او لا يشعرون فقد كان الإحساس الشعبي موفقا بأنهم لا
يختزلون كل غضبهم في صعوبة الحياة ، وضيق ذات اليد ، والبطالة المتفشية، بل في شيء
أسمى وأعلى مرتبة ، يتمثل في قصور ديمقراطي ، صاحبه كبت شديد، تحولت معه الحالة
المجتمعية إلى ما يشبه “الكوكوت ” المغلقة بإحكام والتي لا متنفس لها ، وكان مقدرا
لها أن تنفجر في يوم من الأيام.
من هنا جاءت حركة البوعزيزي اليائسة والتي
وصفت أيضا بأنها كانت تعج بالحياة وإلا لما أطلقت ثورة بهذا الحجم ، كنست طاغية ،
ما كان أحد يتصور أنه سيفرض عليه يوما مغادرة الكرسي .
** عشية الثورة
عشية الثورة ما كان أحد يتوقع أن عاصفة
عاتية تدق البواب، كان باديا أن زين العابدين مثبت على كرسيه، يستعد لولاية رئاسية
جديدة اخذ يعد لها وهي في سنة 2014 من صيف 2010 أي قبل 5 سنوات إلا قليل عن
موعدها، هذا إذا لم يحصل انقلاب في الإثناء تعد له زوجته وفريقها، هذا أيضا إذا
استمر في الحياة وإشاعات غير مؤكدة تتحدث عن مرضه.
إذن كان أبو الهول جالسا على عرشه في
اطمئنان، والناس وقد ناضلوا طويلا من أجل زحزحته، أصابهم – إلا القلة – اليأس
وأسلموا في الغالب أمرهم.
وهو في قصره أو على الأصح بين قصوره (بكل
معاني الكلمة) لم يكن يساوره شك أي شك في أنه يسبح في مياه هادئة.
وفجأة هدرت العاصفة أرغت وأزبدت، وهو لم
يشعر بها ولا بأنها قد أثارت زلزالا ـ قال أحدهم تسونامي ـ سيحمله ويرميه بعيدا.
قيل إنه لما أحيط علما بالبوعزيزيي وحركته
اليائسة، قال والعهدة على الراوي ، فليمت.
لكنه لم يتحرك مطلقا، ولم يشعر بضرورة
التحرك، خطب ولكن بعد 11 يوما على بدء الزلزال، خطب وبدا انه لم يفهم شيئا ، وزع
وعودا لم يعد لها معنى، ووزع تهديدا لم يكن في محله لا هو ولا “بحزم بـ..حزم”.
أردف سريعا الخطاب الأول بثان وصفه أستاذ
جامعي في الفلسفة بقوله” لقد كانت مقالته خارج الموضوع”. ثم جاء الخطاب الثالث
ربما كان يفعل مفعوله من اليوم الأول ولكنه جاء متأخرا ، وفي وقت لم يعد أحد يصدقه
.
في اليوم التالي حزم حقائبه وغادر البلاد،
ما زال على أمل أن يعود على ما يبدو ، كمنقذ، ما زال لم يفهم إن دوره قد انتهى وأن
فرصته التي استمرت 23 سنة قد انتهت بالنسبة له غلى كارثة وبالنسبة للبلاد إلى حال
من الكراهية له ولحاشيته لا يمكن أن تدخل تحت وصف.
** العدوى
ثورة الشعب ،، ثورة الشباب ، الوقفة
البطولية للصدور العزلاء أمام الرصاص، انحسار شعور الخوف، دخول التكنولوجيات
الحديثة للمعركة ، الموقف البطولي للجيش الوطني ورفض إطلاق الرصاص على المتظاهرين،
كلها علامات أيقظت الشعوب العربية ، إلى أن الأمر ممكن ، أن جلوس الطغاة على
العروش ليس قدرا محتوما ، أن الرئاسات مدى الحياة والتوريث أصبحت من آثار الماضي
البائد.
بينما تحررت شعوب شرق أوروبا ، وفرضت بعد
سقوط جدار برلين الديمقراطية في بلدانها ، بينما مرت شعوب إفريقية عديدة إلى
الممارسة الديمقراطية ن بينما كان الحال كذلك في آسيا وفي أمريكا اللاتينية ، اتسم
العالم العربي بقصور ديمقراطي فاضح.
أول مظاهر الممارسة الديمقراطية ، التداول
على الحكم بقي غائبا، وفي ما عدا لبنان ، فإن رؤساء الجمهوريات لا يموتون في
فراشهم هانئين بعد أن يعيشوا لسنوات كمواطنين عاديين، تاركين مسؤولياتهم السامية
لمن يأتي بعدهم وهم على قيد الحياة.
العرب وفي المقدمة الجمهوريات الملكية
وبالتوريث كما حصل في سوريا، وكان مقررا أن يجري في مصر واليمن وليبيا والبقية
تأتي ، هم المنطقة الوحيدة التي تميزت بان هناك عداء مستحكما بينها وبين
الديمقراطية ، فلا حرية التعبير سائدة، وإن كان هناك تفاوت في الهامش، وتونس في
المؤخرة ، ولا صندوق للإقتراع نزيه وشفاف وبنتائج مقبولة منطقيا، ولا حرية تنظم أو
تظاهر. وبعبارة الوضع السائد هو الوضع الديكتاتوري بل التوتاليتاري.
**الإنفجارات المتلاحقة
ما إن فرضت الثورة نفسها، وفر الصنم من تونس
بليل، هاربا بنفسه من غضب الشعب ، كان ذلك في 14 جانفي ، حتى تحركت اأطار عربية
عدة.
والثورة ليست قابلة للاستنساخ، فلا الظروف
الموضوعية متماثلة، ولا المناخ واحد، ولا التربة جاهزة هنا أو هناك، ولا مقدار
الوعي على نفس المستوى.
ولذلك فقد هبت الشعوب العربية في انتفاضات
هائلة ، هددت العروش الجمهورية خاصة، وباعتبار المخزون الحضاري المصري ، وأيضا
باعتبار التقاليد الثورية ، ثورة 1919 المجيدة تحت قيادة سعد زغلول وثورة 1936 تحت
عنوان الجلاء، وثورة القنال ثم ثورة الضباط الأحرار، والعبور العظيم سنة 1973،
كلها كانت خميرة لثورة تتواصل منذ يوم 25 جانفي بلا كلل أو ملل ، تتواصل يوما بعد
يوم ليلا بعد ليل، هدفها إرساء قواعد الديمقراطية، مع ضرورة ،، ضرورة ، رحيل
الطاغية.
تعانقت الثورة في تونس وأختها في مصر، تم
رفع نفس الشعارات، الأعلام التونسية ،، وأنشدوا هناك عديد المرات كل يوم حماة
الحمى ، رفعوا صور البوعزيزي ، أشادوا بشهداء تونس، وبالمقابل فتونس التي أنجزت
ثورتها ، تسمرت تتابع أمام الشاشات مسار الثورة في مصر ، تتوقع لها النجاح، وتتوقع أن تلتقي الديمقراطية في تونس والديمقراطية في مصر.
تونس لا تدعي إنها تصدر ثورتها، فالثورة إما
أن تنبع من تربة شعبها أو فهي ليست ثورة، والثورة في مصر ذات جذور ضاربة في
الأرض المصرية، ومن خلال أغصانها تتلاقى عاليا مع الثورة التونسية
كذلك الثورة في اليمن ،، في الأردن في
الجزائر في كل قطر عربي مهما يكن نظام حكمه، فلا بد أن يستجيب القدر كما قال
الشابي لشعوب تطمح اليوم بان تُحكم ديمقراطيا،
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين
الحفر.
· تمت كتابة هذا النص لصحيفة مشرقية
إبان الثورة التونسية ولم يقدر له أن ينشر في تونس في الإبان