الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
غياب رئيس الجمهورية الملفت
تونس / الصواب/ 08/03/2015
بعد أكثر من شهرين من استلامه رئاسة
الجمهورية ، تميز الباجي قائد السبسي بغياب ملفت ، يتناقض مع ما كان عليه أيام كان
رئيسا لحزب ، ومرشحا للرئاسة.
وإذا صح ما يقال على أن النصيحة التي
أسديت إليه من مستشاريه ، تقتضي أن يقتصد في الكلام ، وحتى في الظهور ، اعتمادا
على مقتضيات دستور 27 جانفي 2014 ، الذي أقر نظاما برلمانيا معدلا ، فإن الواضح هو
أن الرئيس السبسي "كثر على اللي وصاوه" ، وأنه من مقتضيات الدستور ، إلى
الفراغ الكامل شوط يبدو أنه قطعه.
وللواقع فإن الدستور الجديد قد أقر
نظاما برلمانيا يحمل في طياته قدرا من الصلاحيات الرئاسية أشبه بالنظام البرتغالي
، بل أكثر من ذلك فإن صلاحيات الرئيس الجديد تفوق بكثير صلاحيات الرئيس السابق
منصف المرزوقي، التي كان أكثر محدودية ، وقد قبل بها في أواخر 2011 عند تحرير
الدستور الصغير ، لأنه كان متلهفا على المنصب أكثر من مقدار ما يمكنه من قدرة على
القرار. وإذ كان الأمر كذلك فقد اصطدم عديد المرات مع رؤساء الحكومات الثلاثة
الذين تداولوا مدة ولايته، وهو أمر ليس متوقعا مع الباجي الذي كان للواقع وراء
اختيار رئيس الحكومة ، من بين أكثر الموالين له.
وبالطبع فإن الرئيس السبسي لا يتمتع
بصلاحيات مثل تلك التي كان تمتع بها ، الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ، ولا الأكثر
منها الذي تمتع بها خلفه زين العابدين بن علي ، ولكن قراءة متأنية للدستور الجديد
تبرز أن الرئيس الجديد ، ليس خالي الوفاض من الصلاحيات ، وهو يتمتع مثلا بالحق في
رئاسة مجلس الوزراء ، وكلما انعقد المجلس بحضوره إلا وكان هو رئيسه ، مع كل ما
يعني ذلك من تأثير كبير ، خاصة وهو منحدر من الحزب الحاكم الرئيسي الذي يمتلك
أغلبية نسبية محترمة في البرلمان وفي الحكومة.
فلماذا هذا الصمت، ولماذا هذا الغياب،
بالنسبة لرجل معروف عنه القدرة على الخطابة، والتأثير، والقدرة على الحركة ، كل
ذلك رغم التقدم في السن ، فلا يبدو عليه لا تناقص في الذاكرة ، ولا تقهقر على قدرة
التحرك بالنسبة لمن في مثل سنه؟
هل هي نصيحة المقربين منه.؟
فقد جاءت مناسبات عديدة كان الواجب
يقتضي منه أن يكون على غير ما كان ، فمناسبة الفيضانات كانت تقتضي منه زيارة
المنكوبين ، في جندوبة ، وبو سالم وغيرهما ، حتى بطائرة الهيليكوبتر ، ومواساتهم
حتى وإن لم يبذل وعودا باعتباره نظريا لا يملك صلاحية القرار، وهذا مثال أقصى يهم
كارثة طبيعية ، ولكن كانت هناك مناسبات أخرى كان متوقعا منه أن يدلي بدلوه فيها ،
ولم يفعل.
وإذا كان يريد أن يقنعنا بأنه يكتفي
بالدور الذي أناطه بعهدته الدستور ، فإنه يواجه عقبتين اثنتين :
أولهما أن التونسي الذي تعود على رئيس
نشيط في العهود السابقة وبيده كل خيوط
القرار ، ومع وعيه بمحدودية الصلاحيات للرئيس الحالي كسابقه فإنه ينتظر من رئيسه أن لا يدفن نفسه في القصر
بلا ظهور ولا حركة ولا تواصل مع الشعب.
وثانيهما أن يكون قوة دفع للحكومة،
خصوصا وأنها حكومته، تنطلق من قواعد حزبه أساسا و، بالتالي ورغم استقالته من حزب
نداء تونس المعلنة ، فإن تأثيره فيه يبقى
كبيرا ، معنويا وربما حتى فعليا.
ربما يحاول الباجي قائد السبسي أن يوهمنا بأنه ليس
كبير تأثير على الحكومة وقراراتها، والجميع يعلمون أنه هو الذي اختار رئيسها وشارك
مشاركة كبيرة في اختيار أعضائها ، وبالتالي فهي لا يمكن أن تمثل القابس le fusible الذي يمكن أن " يطير " في أي حين دون
المساس برئيس الجمهورية .
ولكننا لا
نراه فاعلا بوضوح (ربما من وراء ستار ) في المجالين الذين هما من اختصاصه أي
الخارجية ( فأين إعادة العلاقات مع سوريا) والقوات المسلحة وبصورة غير معلنة الأمن
الوطني ، الذي تمتد مجالاته ليس فقط لجهاز الأمن، بل للاقتصاد والحياة الاجتماعية
بكل تفرعاتها ، والتعليم واحد منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق