تركيات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
احذروا العسكر ،
ولكن أيضا عدم الالتزام بدولة القانون
تونس / الصواب / 19/07/2016
أصابني الاستغراب وأنا أتابع على
التليفون ( لغياب الكومبيوتر قصدا خلال إجازتي ) مواقف عدد كبير من مثقفينا بشأن
انقلاب تركيا في الليلة الفاصلة بين الجمعة والسبت ، فرحة البعض قبل الأوان ،
ولوعة البعض الآخر قبل الأوان .
فجعت للحقيقة في رد فعل عاطفي لا
علاقة له بالمنطق ، ولا بالعقلنة التي كان مفترضا توافرها عند هؤلاء وأولئك.
فالانقلاب العسكري أو غير العسكري مرفوض
، خاصة عندما يقوم ضد سلطة تتمتع بالشرعية الانتخابية ، ومهما كان
الموقف من سياساتها المتبعة ، ترضي نفوسنا أو تمجها.
وإني لأذكر خطابا للدكتور فاضل
الجمالي وزير خارجية العراق آنذاك في المجلس التأسيسي في
سنة 1958 ، وكان نصيرا لتونس في المحافل
الدولية هو ومحمد صلاح الدين وزير خارجية مصر ومحمود فوزي بعده والباكستاني ظفر
الله خان ، قال فيه احذروا من الانقلابات العسكرية ، فهي كارثة في الغالب أينما
حلت ، وكان هو نفسه ضحية بعد أشهر لانقلاب عبد الكريم قاسم ، كما كان عرضة لحكم
بالإعدام ، أنقذه من براثنه الرئيس الحبيب بورقيبة ، واستقدمه إلى تونس ، التي قضى بها بقية حياته الطويلة عزيزا مكرما.
ولذلك فإني أجد من المستغرب أن ينحاز
مثقف إلى جانب انقلاب عسكري على سلطة أفرزها صندوق الاقتراع ، وأن يبرره ، بدعوى فساد سياسة ، أو إضرارها بمصالحنا
الوطنية أو العربية.
وتركيا التي رعت حكومتها الحالية صحبة
السعودية وقطر الارهاب ، وسهلت سبله في
سوريا والعراق وليبيا وبالتبعية عندنا ، عبر فتح المنافذ له ، وعبر تسهيل تمويله
بسرقة الثروات السورية والعراقية ، تقف في صف الأعداء ، وقد اكتوينا في تونس بلهيب
الارهاب كما اكتوى غيرنا ، ممن تفتقت دولهم ، وأصابها الخراب.
غير أن ذلك ومن وجهة نظرنا لا يبرر
مطلقا ، الوقوف إلى جانب الانقلاب العسكري لإسقاط شرعية ، ولو كانت مشروخة ، بفعل
سياسات خاطئة وحتى مجرمة.
في المقابل فإن ما أقدم عليه النظام
التركي بعد سقوط الانقلاب ، والسكوت على تصرفات إجرامية تتحدى منطق القانون روحا
ونصا ، السكوت من قبل جانب من مثقفينا في الصف المقابل ، من المؤيدين بلا حدود للرئيس
أردوغان ، تبدو لنا في قمة اللامسؤولية كما الأولى ، وتحتاج إلى تنديد ليس فقط من
قبل المعادين للرئيس التركي وحكمه ، ولكن أيضا من أنصاره في ربوعنا ، إن الوصول
بعدد الموقوفين والمسرحين من أعمالهم إلى ما بين 25 إلى 30 ألفا في أربعة أيام ، من بينهم 15 ألفا من
المعلمين و3 آلاف من القضاة من بينهم 10 من المحكمة الدستورية الذين يتمتعون
بحصانة ولا تمكن إقالتهم ، و8 إلى تسعة آلاف من منسوبي وزارة الداخلية ، فضلا عن
قرابة 9 آلاف من العسكريين ممن أسيئت معاملتهم ، فجرد بعضهم من لباسهم إلا من تبان
لا يستر عورتهم ، وظهرت على بعضهم آثار التعذيب وخاصة قائد أركان الطيران ، وهم أي
العسكريون الموقوفون بنسبة 1.5 في المائة من جملة أفراد القوات المسلحة التركية
التي تعد مع إسرائيل ومصر وإيران رابع قوة رئيسية في منطقة الشرق الأوسط ، هذا فضلا عن أن
الموقوفين والذين أسيئت معاملتهم ليسوا كلهم من المنقلبين فضباط الصف والجنود وحتى
الضباط الصغار يخضعون بالولاء إلى قادتهم الذين جروهم إلى سوء المصير ، وهم وفي كل
جيوش العالم وفي مثل هذه الأحوال لا يتحملون تبعة الأفعال لأنهم ملتزمون بالولاء
والطاعة للقادة ، وفضلا عن ذلك فإن ما شاهدناه من مظاهر الإذلال لقادة كبار بين
جنرالات وعقداء ، وقد جردوا من لباسهم العسكري ومن أنواطهم يتناقض مع أمرين اثنين
:
أولهما أن المتهم بريء ولو تم إمساكه
بالجرم المشهود أو متلبسا كما يقال عندنا.
وثانيهما أن العسكريين يمثلون( بفتح
الياء وتسكين الميم) طلقاء وبأزيائهم
العسكرية لحين إصدار أحكام باتة بشأنهم ، والعقوبة لا تتمثل فقط بالسجن أو الاعدام
( حيث ما زالت تنفذ عقوبة الاعدام ) ، بل أيضا بنزع الأنواط والعلامات الدالة على
الرتبة في حفل علني ومشهود ، ولعل مثال الماريشال "بيتان " خائن فرنسا الأكبر أو النقيب "دريفوس" لأكبر
دليل على ذلك.
إن أول ما يمكن للمرء أن يتمناه هو أن
يتراجع مثقفونا مهما كانت مشاربهم عن حماسهم ويتعاملوا مع الأحداث ، بكثير من رفعة
النفس ، خصوصا وبينهم من يدعون الالتزام بمبادئ وقيم حقوق الانسان ، وبعضهم من
تولوا مسؤوليات في الأجهزة التي تدافع عن حقوق الانسان ، وإذ لم أسجل من حسن الحظ
من من التونسيين من يدعو إلى العودة للعمل بحكم الاعدام في تركيا ، وهي ( أي منع
الاعدام) خطوة جريئة اتخذتها الجمهورية التركية في اتساق مع متطلبات العصر ، وفروض
احتمال الدخول في الاتحاد الأوروبي ، فإن الأمر مطروح وبإلحاح رغم أن ذلك يقوض حظوظ
تركيا في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي ، كما إنه يتنافى مع المنظومة الكونية لحقوق
الانسان ، فضلا عن أنه ومن الوجهة القانونية فإن إصدار أحكام الاعدام على المنقلبين هو تجاوز
للقواعد القانونية ، فالقاعدة تقول بأن الأحكام
لا بد أن تخضع لتشريع سابق الوضع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق