Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 14 يوليو 2016

الموقف السياسي : ما قبل وما بعد الحبيب الصيد ،، التحدي وما بعد التحدي ؟

 الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الدستور الأعرج
والتغيير الحكومي المنتظر
تونس / الصواب / 14/07/2016
بدأت تظهر بوضوح عيوب دستور جانفي 2014 ، دستور أريد له خاصة من قبل النهضة ، أن يكون الحكم  عبره برلمانيا ، أي بيد السلطة التشريعية التي تتولى الحكم الفعلي ،  من خلال التشريع والمراقبة والمحاسبة  و ألمساءلة، والذي لا يترك سوى هامش صغير للوجه الآخر لسلطة تنفيذية مبتورة ، الهامش المتروك لرئيس الجمهورية.
وفي الأنظمة البرلمانية الحقة ، فإن خيوط القرار تبقى بيد رئيس الحكومة بالذات ، وحتى الحكومة فإنها تستمد سلطتها من رئيسها ، الذي بمجرد استقالته تستقيل   أوتوماتييكيا معه ، مثال ذلك  النظام البرلماني في بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وإسرائيل ،  رئيس الدولة  فيه يلعب أدوارا تشريفاتية  فقط ، باعتباره الرمز الممثل للدولة بروتوكوليا ، وعلى العكس فالنظام الرئاسي يجمع كل الخيوط بيد رئيس الجمهورية ، وحتى في الحالات التي يكون فيها وجود لوزير أول ( لاحظ أن التسمية ليست رئيس حكومة ) فإن الأخير مسئول لدى رئيس الجمهورية ولدى البرلمان بحيث يمكن لرئيس الدولة تغييره وإقالته ،  كما يمكن للبرلمان سحب الثقة منه ، وليس هذا أمر النظام الرئاسي الأمريكي الذي يضع خطا موازيا بين سلطة الرئيس وسلطة الكونغرس.
أما في تونس ، فإن دستور جانفي 2104 قد اعتمد  بعكس دستور 1959 ، (القائم على نظام رئاسي  متمركز جدا  حتى لا نقول رئاسويا  ) بدأ على الشكل الأمريكي ثم ومنذ 1970 تطور إلى الشكل الفرنسي  واقتضى أن يقرر رئيس الدولة تعيين رئيس الحكومة أو إقالته ، وإليه يعود تعيين الوزراء أو صرفهم .
إذن فإن دستور جانفي 2014 قد اعتمد النظام البرلماني الذي فضلته النهضة ، منذ كتابة الدستور الصغير أو تنظيم الحكم في 2012 ،  خوفا من تركيز السلطة في يد وحيدة قد تقود إلى الاستبداد ، ولكنه وبعكس الدساتير البرلمانية ( وبعد المساومات)  خصص لرئيس الدولة مجالات لا يقتضيها عادة النظام البرلماني ، قيل في حينه أنها مقتبسة من الدستور البرتغالي ، وقد خص دستور 2014 رئيس الدولة ، بمساحة واسعة في ضبط السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية ، وتنفيذها بمشاركة رئيس الحكومة وإن بقيت في مجاله الخاص.
**
في ظل هذا الدستور وبعد سنتين ونصفا على سنه ، تبدأ ملامح خلافات هي في عمقها ، مبرزة لتناقضات يعود بعضها للنص في حد ذاته ، والبعض الآخر للممارسة ، مع قسط كبير من الحساسيات  الشخصية ،
أولا : إن الدستور ليس دستور نظام برلماني بالكامل ، فقد حفت بصياغته تنازلات مما جعله إلى حد ما متأرجحا بين نظامين.
ثانيا : لقد أبرزت الممارسة أن رئيس الدولة ، المنتخب والمكتسب لشرعية شعبية يوفرها له ، التصويت بالاقتراع العام ، يريد أن يستعمل هذه الشرعية ، رغم نصوص دستورية ، لا تمكنه من تلك الممارسة ، ولكن تقاليد البلاد بحكم حوالي  55 سنة وقوة شخصية ودهاء مفرط   للباجي قائد السبسي  ، تجعله في موقع من يسعى وينجح في فرض الأجندا التي يريدها ، أمام رئيس حكومة هو الذي اختاره على المقاس ، ولكنه تفطن عندما مسه التيار ، أن صلاحياته على الورق يمكن أن تمكنه ، - إن لم يكن من  البقاء  - من تسجيل حضوره كرجل سياسي  يمارس مشمولات  سياسية واسعة ، لا كرجل إداري كما حدد له رئيس الجمهورية أي  إداريا تحت الأوامر ،  و من محاولة أن يكون  رجل سياسة فاعل ، و أن ينتقل  من موقع الإداري إلى  موقع رجل الدولة  ، حريصا على أن يضمن مستقبله السياسي ، لا أن يكون فقط قد استخدم وانتهى أمره ودوره.
ثالثا : لعل الحبيب الصيد قد فوجئ بخطاب الرئيس للشعب في ذلك الخميس المشهود عشية حلول شهر رمضان ، ولعله كان يتمنى أن يكون رئيس الدولة قد فاتحه في الأمر ، وخفف من مرافعته ضد كل ما تم إنجازه من وجهة نظره خلال العام ونصف من توليه رئاسة الحكومة ( تحت القيادة الرشيدة ) لرئيس الدولة.
الخطاب والتحركات الموالية تركت مرارة العلقم في حلق الحبيب الصيد ، فقد أظهره الرئيس بمظهر العاجز ، باعتباره غير صالح لاستكمال المرحلة ، وفي نفس الوقت فإن الباجي قائد السبسي ، يكون قد غسل يديه من إخفاقات كل الفترة منذ انتخابه رئيسا للجمهورية ، ومسحها في الصيد.
والباجي قائد السبسي من جهته لعله يؤمن بأمر أساسي ، بأن عليه أن يغير مركوبته في الطريق ، لعله يستعيد شيئا من الشعبية التي انطلق بها غداة انتخابه رئيسا للجمهورية ، خاصة وأن نسبة مؤيدي الصيد فاقت نسبة مؤيديه.
**
المهم أن الصيد أظهر صلابة عوده ، وأنه ليس حربوشة  للبلع السهل ، وبين أخذ ورد ، انتهى إلى أن لا أحد يمكن أن يقيله ، ولا أحد يمكن أن يؤثر عليه للاستقالة ، وإنه إن كان من بد  فلعل الأسلم بالنسبة لمستقبله السياسي ، أن يسحب البرلمان الثقة منه ، كما هو الشأن في البلدان الديمقراطية البرلمانية التوجه ، وأنه ليس من حق الباجي صرفه ، وبذلك يخلق سابقة مهمة في تاريخ الديمقراطية التونسية الوليدة.
بهذا المسعى السليم دستوريا ، وغير المستقيم ممارسة في نظر الكثيرين ، يرسم الحبيب الصيد مستقبله السياسي ويخرج من ظل الباجي قائد السبسي ، ويعد نفسه لأدوار مقبلة   لم يكن الرئيس قد قرأ لها حسابا أو توقعها ، من "الموظف " البسيط الذي رفعه إلى أعلى المراتب ، ولعل الحبيب الصيد  يقدر أن مسار التحدي أفضل مما  أعده له الباجي  ، فيمكن له أن يكون له قول في المذهب ، ومستقبل سياسي ، فتفطن عن حق أو باطل بأن  صرفه  من قبل من صنعه  ، وهو الوفي المخلص لا يعني انتهاء أمره  ، أو إنهاء حياته السياسية ، ودفعه لغياهب  للنسيان .
 صحيح أن الرئيس الباجي قائد السبسي   أتى به مرة أولى في 2011 كوزير للداخلية ، وهو الذي فرضه على نداء تونس في أوائل 2015 كرئيس للحكومة وليس وزيرا أول ، وهو يرى  بذلك وباعتباره نال ثقة مجلس نواب الشعب  قد اكتسب شرعية ، لا يمكن أن يزيلها أحد غير مجلس نواب الشعب ، كما تقتضيه القاعدة القانونية الأثيرة  لدى رجال القانون أي توازي الأشكال.
**
السيناريو المقبل إلا إذا حدثت مفاجأة ، أن يقف الصيد ليدافع عن "إنجازات" حكومته ( في اجتمع تقرر بعد وسيجتمع مكتب مجلس نواب الشعب الاثنين لتحديد موعده )، ويطلب الثقة ، وكل الدلائل تشير إلى أن الثقة ستحجب عنه ، فيضطر إلى الاستقالة ،  ويكون أثبت لنفسه وللناس أنه سياسي  وليس رجل أحد ، وسيأخذ مهلة للراحة والتفكير ، وسنراه ينضم  إلى واحد من الأحزاب القريب إليها ، وفي التقدير العام فإنه سيكون له شأن في الحياة العامة ، بحكم الشرعية التي اكتسبها  من رئاسته للحكومة الموقع الأول دستوريا في الدولة ، والبريق الذي يعطيه المنصب المرموق الذي تقلده ، وهو الذي خبر الأحزاب ومدى جدية بعضها  ومدى جدية رجالها  ، لن يضع رجله في فراغ ، ولن يكون ضمن حزب مهزوز أو بلا مضمون.
**
لكن أهم المهم في كل هذا  أن الباجي قد ضمن الإرث لابنه حافظ ، عندما أمضى الأخير على وثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية باسم نداء تونس أو هكذا يظن هو وأبيه ،  أي فرض نفسه على رأس " أكبر " حزب في البلاد ، كان صرحا فهوى ،  فوضعه  أبوه في صدر الصورة ، والبقية تأتي.
أليس ذلك هو أكبر هدف للرئيس الباجي قائد السبسي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق