بكل هدوء
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
تركيا في عين
الإعصار
تدفع ثمن
التوجهات الخاطئة
** أنقرة تعاقب العرب بالإ رهاب على ما
اعتبرته خيانة منهم قبل قرن من الزمن
تونس /
الصواب / 30/06/2016
بعد تونس
ومصر ، أخذت تركيا تواجه تحركات إرهابية أو ما تسميها كذلك ، والمؤكد أن هذه
الأعمال مختلفة من حيث طبيعتها وأصولها ، ولكنها تشترك في أنها تحاول ، هز
الاستقرار التركي ، ومن ذلك الضغط الاقتصادي ، أو تدمير ما أسمي بالمعجزة التركية
أخذت تصاب بالإعياء .
ولا بد من
القول أن التركيبة السكانية لتركيا متنوعة ، وهي تقوم على أساس 2 من القوميات ،
القومية الغالبة وهي القومية الطورانية ، ثم القومية الكردية ، والبقية أي ما بين
5 و10 في المائة هم من قوميات مختلفة .
وينص الدستور
التركي في فصله 66 على أن صفة المواطن التركي تطلق على كل مواطن ، فيما إن ما بين
70 و75 في المائة من السكان هم من الجنس
التركي ، فيما إن 20 في المائة هم من الأكراد ، المتجمعين في المنطقة الشرقية
الجنوبية من تركيا المتاخمة للعراق وسوريا وإيران.
وبالتالي فإن
ما بين 5 و10 في المائة هم من العرب واليونان الأتراك واليهود والأرمن والجورجيين
والبوسنيين والأشوريين والألبان والأبخازيين والغجر والشيشان والشركس .
والدين
السائد هو الدين الاسلامي الذي يمثل 97.5 في المائة من عدد السكان الجملي ، أما
البقية فهم من المسيحيين واليهود وديانات أقلية أخرى ، ويمثل السنة الحنفية غالبا
90 في المائة من عدد المسلمين ، بينما 10 في المائة هم من الشيعة غالبا الاثني
عشرية ، والبعض من العلويين المختلفين في طقوسهم عن علويي سوريا.
**
تاريخيا
سيطرت تركيا العثمانية على الغالب الأعم من العالم العربي باستثناء اليمن والمغرب
الأقصى وأطراف لم يصلها الاحتلال التركي ، والرأي السائد وهو حقيقة معلنة ، فإن
الأتراك لا يحبون العرب ، ويعتبرونهم السبب في انهيار الخلافة العثمانية ، عندما
انحاز الشريف حسين إلى الغرب ، وانتصر للغرب في الوقت الذي انحازت فيه تركيا
للألمان إبان الحرب العالمية الأولى ، وفي
زمن ظهور القومية العربية في الشام ، وطالبت سوريا وجبل لبنان بالاستقلال ، ما جعل القيادة التركية ترسل
بالجنرال أنور باشا ليقيم المشانق للوطنيين ، ويرسل إلى الاعدام علية القوم ، وعموما
فإن المشرق العربي الذي كان أشد التصاقا بدولة الخلافة لقربه منها ، كان تحت استعمار حقيقي تاق للتخلص
منه ، بعكس تونس والجزائر وليبيا التي كانت تكتفي بالبيعة للخليفة ، وترسل إليه
مساهمة في الميزانية ، وأحيانا فرقا عسكرية للمشاركة في الحروب التي كانت تخوضها
الآستانة ، ولعل أشهرها حرب القرم التي شارك فيها جنود تونسيون ، بقي جانب من
أحفادهم في الشمال التركي لليوم.
**
وتركيا
السنية الحنفية ، والتي خاضت حروبا مدمـرة مــع الشيعة الصفوييــن
( التابعين
للدولة الصفوية في فارس التي كانت في
تنافس مع الخلافة العثمانية ) لم تكن تحمل في قلبها ، ولا تحتمل الشيعة بمن فيهم
العلويين ، الذين حكموا سوريا وما زالوا يحكمونها على مدى نصف قرن ، ولا حزب الله اللبناني ، فضلا عن الشيعة الفرس ، فيما عرفت الخلافة العثمانية حروبا مع مصر
المحكومة من عائلة تركية الأصل ، وكبرهان على الكره المتأصل للعرب ، فإن كمال
أتاتورك بمجرد أن استولى على الحكم ، فإنه ألغى العمل بالحروف العربية ، واختار
استعمال الأحرف اللاتينية ، وربط تركيا بالغرب مديرا ظهره لعالم عربي اعتبر أنه
خان تركيا ، وإن لم تكن تركيا الدولة القوية قد رفعت خلال القرن التاسع عشر
والعشرين ، أصبعا للدفاع عن أقاليم كانت تعتبر ضمن سيادتها وهي الجزائر وتونس
وليبيا فضلا عن مصر.
**
في منتصف القرن العشرين دخلت تركيا صحبة العراق
( زمن نوري السعيد ) وإيران ( زمن الشاه ) وباكستان تحالفا ضد القومية العربية سمي
بحلف بغداد، وأصبحت عضوا في الحلف الأطلسي ، غير أن هذا حلف بغداد انفرط عقده
بمجرد قيام انقلاب 14 تموز في العراق ، ضد الثلاثي الملك فيصل الثاني والأمير عبد
الإله ورئيس الوزراء والرجل القوي نوري السعيد رئيس الوزراء ، ولكن تركيا ومن
ورائها بريطانيا والولايات المتحدة وبالأموال
السعودية عن طريق الملك سعود بن عبد العزيز ( يا للبلاهة) ( أرسل شيكا بمبلغ مليون
دولار للرجل السوري القوي ممثل جمال عبد الناصر في دمشق عبد الحميد السراج ) لفك ارتباط الوحدة المصرية السورية ، وهذا ما يعطي تصورا عن طبيعة العلاقات التركية
العربية.
**
واجهت تركيا
منذ الخمسينيات حربا أهلية مستمرة ، تخمد حينا ليشتد أوارها أحيانا مع الأقلية
الكردية التي قوامها حوالي 15 مليونا من السكان ، يتحصنون في مناطق وعرة ، على
غرار ما كان حاصلا في العراق والذي بلغ الأوج عندما استعمل الرئيس العراقي الأسبق
صدام حسين ، السلاح الكيمياوي في حلبجة ، ما أدى لسقوط آلاف القتلى ومثلهم من
المحترقين الذين كان مصيرهم الموت المحقق
، وإذ نال أكراد العراق استقلالهم عن
الدولة المركزية في بغداد ، إن واقعا وليس
قانونا ، فإن أكراد تركيا ما زالوا ينافحون لنيل
حقهم في إقامة دولتهم ، وقد عرفوا مثل أكراد العراق بتمرسهم بالحرب وخبرتهم
، في حرب المدن بالذات التي تقض مضاجع حكام أنقرة ، وتختلف التقييمات بين من
يعتبرون عمليات الأكراد التي تعاظمت في الفترة الأخيرة إرهابا ( السلطة التركية) ،
ومن يعتبرونها حرب تحرير ، قصد تمكين الشعب الكردي من حق تقرير المصير ، وعلى
الأقل قيام حكم محلي ، ببرلمان منتخب ، وحكومة
تتمتع باستقلال ذاتي( المجتمع الدولي).
**
وكأن المصائب
لا تأتي منفردة ، فقد لحق بما تسميه السلطة التركية "الإرهاب الكردي "
إرهاب حقيقي ، رعت بداياته أنقرة ، وشجعته ، وبمجرد أن غيرت سياستها تحت وطأة
الضغط الدولي ، حتى انقلب السحر على الساحر ، وبات أولئك الذين مررتهم عبر حدودها
إلى سوريا ألد خصومها ، يقترفون أعتى الجرائم على أرضها انتقاما من انقلاب الحكم التركي على عقبيه ، بعد أن شجع
طويلا الدواعش والقاعديين ، انتقاما من الحكم السوري وعلى أمل إنهاء وجوده القائم
على قاعدة من المذهب الشيعي سواء الإثني عشري أو العلوي السوري اللبناني الإيراني ، واستعمال التراب
التركي كمسلك مرور وعبور للبترول السوري والعراقي المسروق ، ليباع في تركيا بسعر
التراب ، أو يصدر تهريبا للخارج ، فتقتنيه جهات مشبوهة ، فقد استعملت المطارات والأراضي التركية ،
كمحطات تمرير للوافدين من كل فج عميق نساء ورجالا بدعوى الجهاد ضمن كتائب لا علاقة
لها بالإسلام سلوكا ومدعية الخلافة في انتظار عودتها إلى تركيا أردوغان ، وذلك
بتوطئ من جهات خارجية ممولة منها السعودية وقطر أو منتسبيها ، أو من البلاد
المصدرة للإرهابيين ، ومنها تونس بتواطئ أيضا ، من حكم الترويكا خلال سنوات 2012/2014 عن وعي أو غير ، وعي وغالبا جهات منها عن وعي
وسابق إصرار ، وتمويل غالبا من مصادر
خارجية راعية للإرهاب حكومات أو أفرادا ، وجدت في بلادنا رعاة بقوا بدون محاسبة
ولا عقاب، أذاقونا ويلات الارهاب ونتائجه المدمرة.
**
واليوم فإن تركيا بالذات وبعد أن كانت مصدرا
لنشر الإرهاب ن عرفت أن ما حاولت تنفيذه لدى غيرها قد امتد لهيبه الحارق إليها ،
فإنها تكتوي بناره ، عقابا لها على تراجعها ، ومن السهل السهل أن ترعى الارهاب ،
ولكن هيهات أن تستطيع استئصاله ، بعد أن هيأت له المناخ في عقر الدار ، فتمكن
واستوطن ، لاستعماله ضد من اعتبرتهم
أعداءها ، لا من الحكام فقط بل من الشعوب انتقاما منها لما بدر منها قبل قرن من
الزمن ، اعتبرته مؤامرة ضدها ، وضد خلافة لم تكن سوى رجلا مريضا انهار بأقل جهد
ممكن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق