من الذاكرة
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
ثورة 18 جانفي 1958..
6 أفريل 2006
تونس / 2/ أفريل/ 2020
يوم 18 جانفي 1952 جاءت الشرطة
الفرنسية إلى حي رحبة الزعيم غير بعيد عن باب منارة وفي الأرباض المحيطة بتونس ،
واقتلعوا الرئيس الحبيب بورقيبة من فراشه ، وكان مريضا ، يشكو من التهاب في الحلق
وقد ارتفعت درجة حرارته ، كان ذلك إيذانا بانطلاق ما سمي لاحقا بثورة 18 جانفي ،
التي ستصبح عيدا وطنيا منذ سنة 1957 حتى الإلغاء بعد قيام نظام الرئيس بن علي في
1988.
كانت البلاد في احتقان شديد ، والحدث
الذي عرف حزب الدستور بصفه الثاني والثالث كيف يستغله ، بمثابة إشعال عود ثقاب في
كومة من التبن ، سوف يقول التاريخ إن تلك الهبة التي أرادها بورقيبة هي التي انتهت
إلى إعلان الاستقلال ، بمساعدة ظرف دولي وإقليمي كبيرين ، فقد أنهكت حرب الهند
الصينية فرنسا وجعلتها تنزف للآخر ، حتى حصول الهزيمة الفرنسية في ديان بيان فو ،
وكانت الثورة المصرية برئاسة جمال عبد الناصر
في 23 يوليو 1952 قد ألهبت المشاعر في كل
العالم العربي ، وكانت ثورة الجزائر الكاسحة في 1 نوفمبر 1954 قد غيرت كل
الموازنات الاقليمية والدولية، فيما تصاعد الكفاح المسلح في تونس ، وتحركت الطبقات
الفاعلة في الداخل التونسي ، وثورة
المثقفين قد أوجدت كل تلك العناصر داخليا وخارجيا ، خميرة حالة ثورية شاملة بقطع
النظر عن مرتكازاتها.
كان الحبيب شيخ روحه والحبيب الشطي من جريدة الصباح قد أرسلا مجموعة صور فظاعات
العسكر الفرنسيين ، بفرنسييهم ولفيفهم
الأجنبي ، في مدينة تازركة إلى محمد المصمودي مراسل الجريدة ، في الأمم المتحدة المستقرة أيامها في قصر شايو
في باريس ، عبرت تلك الصور كل العالم وانتظمت حملة دولية صاعقة للحضور الفرنسي في
تونس والاستعمار عامة.
باتت تونس تحت حكم عسكري يقول
العارفون أيامها ، إنه كان شبيها بأيام
الحرب العالمية الثانية عند مرورها من
تونس ، في تلك الأيام كان بيتنا قرب جامع
سيدي إلياس في باب القصبة ، محجا للأقارب والجيران ، فلقد كنا نتمتع في ذلك الحين
بمذياع كبير اشتراه الوالد من البشير الرصايصي في العطارين ، وكان معروفا ليس
فقط بتجارة الآلات التي لم تصبح
إليكترونية وقتها ، بل كان يتوفر لديه ستوديو لتسجيل الأغاني وطبعها على إسطوانات
سوداء 25 و33 و72 دورة ، وبها تم نشر
أغاني صليحة وحبيبة مسيكة وعلي الرياحي طيلة الأربعينات وحتى في الخمسينات ، وكان
المذياع في بيتنا " ضخم الجثة " يعلوه جهاز لقراءة الإسطوانات ، وكان
الاعتقاد السائد بين الأهل والجيران أنه بسبب كبره ، كان أقدر على تبليغ الأصوات ،
وكانت الاذاعة التونسية في البداية تصلنا مشوشة ، ولكن بعد ذلك صفا صوتها ، بينما
كانت هنا لندن تصلنا صافية ، وكنا نستمع ، لهنا القاهرة
وإذاعات أخرى ، وقبل الثورة التونسية ، تابعنا باهتمام أنباء الحرب الكورية
، وانقلاب ما وتسي تونغ على تشان كاي تشيك ، واستصفائه لكل الصين ، ودحر خصمه
لجزيرة تايوان .
في هذا الجو جاء 18 جانفي ، ولما كانت
الإذاعة التونسية بين أيدي الفرنسيين ، فقد انتقل الاهتمام على الأقل اهتمامنا ، إلى إذاعة لندن ، وكان الصوت الصادح فيها منير
شماء الذي سوف يستقدمه بورقيبة للإذاعة التونسية ، وإذاعة القاهرة وكان الصوت الصادح فيها أحمد
فراج ، الذي سنسمعه لاحقا يقرأ البيان رقم
واحد موقعا باسم مجلس قيادة الثورة ، ،،،
ومما أذكر أنه ويوم اغتيال المرحوم
فرحات حشاد استمعنا إلى لندن والقاهرة وهما يطلقان عليه اسم فرحات حاشد ، وفيما
كانت إذاعة لندن ترسل الخبر مجردا ، فقد كانت إذاعة القاهرة ، تطنب في الحديث عن جريمة اغتيال الزعيم الوطني
والنقابي فرحات حشاد ، وتذكر آنذاك بزعامة الحبيب بورقيبة بتخفيف القاف ، وتشيد بثورة تونس بزعامة بورقيبة ضد الاستعمار ، ولم تكن تحركت بوادر الثورة لا
في المغرب ولا في الجزائر، وإذ قرأنا في الغد في الصباح تفاعلات حدث اغتيل فرحات
حشاد ، في جريدة الصباح ، التي كنا ننتقل
جماعات إلى محطة القطار بصفاقس ،
لاستلامها حال وصولها في قطار الحادية عشرة صباحا مقابل 15 مليما ، من قبل السيد
السيالة الذي كان يبدو بالنسبة لنا بطلا ، وهو مكلف من متعهدها في المدينة وأحوازها المناضل السيد حامد قدور في نهج العدول، وكان رجلا جم
الأدب مثقفا ، أصدر في وقت ما مجلة من صفاقس ،
تحت عنوان مكارم الأخلاق أحتفظ ب شخصيا بمجموعتها كاملة ، وكان يكتب فيها
علية القوم من صفاقس ومن العاصمة ومن القيروان والجريد ، أذكر من بينهم اليوم محمود خروف ،
بمناسبة ذكرى وفاته هذه الأيام ، وكان وطنيا عرف السجون زمن فترة الاستعمار أو
إبراهيم بورقبة المحامي الكبير الوافد
لصفاقس من الجريد حيث تبنته المدينة ، كنا ونحن ما زلنا في سن الطفولة نجري
بصيدنا الثمين ، الذي سريعا ما تنفد
نسخه لإبلاغه إلى آبائنا ، وكنت دائما
أتساءل وقتها لماذا لا يرسلون لنا العدد
الكافي من النسخ ، حتى عرفت حين احترفت الصحافة ، ما معنى أكراهات تحديد رقم السحب
أيام وصلنا بالصباح إلى ما يفوق 100 ألف نسخة.
في أحد أيام جانفي وقد حوصرت المدينة
بالجيش الفرنسي ، والجندرمة التي كان مقرها
الرئيسي داخل الأسوار يسار باب القصبة ،
وانتصبت شاحنات الجيش الفرنسي بجنود مدجــجين بالسلاح ، بعضهم أفارقة كنا نقول تجاوزا أنهم
سينغاليين ، فتشوا وبعضنا كنا ندرس خارج الأسوار في فرانكو أراب ، فتشوا حقائبنا ،
وصادروا الأمقاص (جمع مقص ) الصغيرة التي كنا نستعملها في حصة الأشغال اليدوية لقص
الأوراق الملونة وتشكيلها.
والبعض منا من الأولاد كانوا في هذه
المدارس يدرسونهم في حصة التدبير المنزلي ، مبادئ الخياطة وخاصة تركيب الأزرار ،
ولم أتمتع شخصيا بمثل هذه الدروس ، وإني
آسف لذلك أني لليوم عاجز عن أي أشغال من هذا النوع.
حوصر الناس في منازلهم لا يدخلون ولا
يخرجون ، إلا من أثبت أنه يعمل أو يدرس خارج أسوار المدينة، وتم التضييق على
الوافدين من الأجنة ، لاستلام أعمالهم داخل الأسوار ، أو في المدارس الابتدائية
وهي كثيرة ، وكلها بناها أهل الخير ، وكان سكان المدينة قد آمنوا بفضل العلم ،
ولعل هذا هو التفسير لاستمرار تميز سكانها على المستوى الوطني في مجال الدراسة ،
حيث كانت المدينة سباقة لبناء المدارس بتطوع السكان .
وباعتبار انتشار العلم ، قامت نخبة من
المثقفين ، من الشبان بمساندة الحركة الوطنية ، فنظموا المظاهرات في المدينة وخارج
أسوارها ، وتم إلقاء القبض على عدد كبير من الشبان ، وتمت محاكمتهم ، ومن بينهم
ابن عمي الحبيب الفراتي وهو يكبرني بست سنوات ، وقد تولى لاحقا خطة مدير ديوان
وزير التخطيط ، ثم مدير عام بنك ، أو عبد السلام القفال الذي بات مهندسا ، وقذداشتهر
أخوه عثمان صحبة عدد من أقرانه منهم محمد بكور والطاهر كمون بالقيام بأعمال فدائية
، واختصوا بقطع أعمدة التليفون والكهرباء ، وكان صيتهم قد تجاوز المنطقة ، وكانت
جريدة الصباح تنشر كل يوم أصداء أعمالهم ، واحتارت السلطات الاستعمارية في معرفة
هوياتهم ، كانوا سريعي الحركة ، ينتشرون كل ليلة في ناحية من نواحي الضواحي فلا
تمر ليلة بدون تسجيل شيء من أعمالهم ، ووصل الأمر إلى حد اغتيال الشيخ أحمد
بالقروي ، الذي أوفده الباي للتهنئة
بتنصيب الملكة إلزابيث ملكة بريطانيا ، فصرح بما معناه ، أنه لا فكاك للعلاقة بين
تونس وفرنسا وأن تونس ستبقى في الدائرة الفرنسية ، فقرر الحزب الدستوري تنفيذ حكم
الإعدام فيه ، وهذا ما حصل ، وعلى الرغم من كل الجهود الفرنسية ، لم تستطع المصالح
الاستعمارية القبض علي الفدائي حتى
تحقيق الاستقلال فخرج طليقا حرا ، وقد
توفي مؤخرا ، غير أن السلطات الفرنسية جعلت المقاومة في صفاقس تدفع الثمن غاليا ،
بصدور أمر من وزارة الخارجية الفرنسية ، تم بموجبه تكليف المراقب العام الفرنسي في
صفاقس ، غونتاس بتنظيم اغتيال الهادي شاكر ، بمساعدة المراقب العام في نابل حيث
كان يقيم الزعيم شاكر ، وبمعية من جندهم الاستعمارمن أقارب الشيخ أحمد بلقروي ، الذي نفذت فيه المقاومة حكم الإعدام كما رأينا
، صحبة آخرين من أذناب فرنسا. فتم اغتيال الهلدي شاكر زعيم صفاقس بلا منازع في 13
سبتمبر 1953. وأذكر أننا أطفالا وشبابا وكهولا تجمعنا على غير موعد في الجمع
الكبير ، ببيت صلاه المترامية الأطراف وصحومنه التي تفتح على أربه جهات ، وقد
ارتفعت حناجرنا بالله أكبر الهادي شاكر شهيد الوطن، قبل أن تتجه المطاهرات إلى دار المراقب الفرنسي المورط
ومكتب القائد وكانت تسمى وقتها دار العمالة باعتبارها تأوي العامل أو القائد.
غير أن تلك لم تكن عملية الاغتيال
الوحيدة لأحد أعوان الاستعمار ، بل لحقتها
أخرى في نهج الباي الشارع الرئيسي في المدينة العتيقة ، حيث تم استهداف كولونيل
سقط مضرجا بدمائه، ولم تنجح الجهات الاستعمارية في معرفة من ارتكب الاغتيال ،
ونتيجة لكل ذلك ، أخضعت فرنسا المدينة إلى الأحكام العرفية ، وحظرت الجولان فيها عدة
مرات ، فانتفضت صفاقس وأعلنت الإضراب العام في المتاجر والمصانع وحتى في عدد من
الإدارات ، فكانت كما هي الحال هذه الأيام في البلاد التونسية من تضييقات على الحركة استوجبتها ما فرضه علينا
فيروس الورونا.
وغادر الكثيرون قلب المدينة ليلجِؤوا
إلى الأجنة خاصة مع اقتراب فصل الربيع، وأصبحت صفاقس بمثابة مدينة أشباح ، فيما
تواصلت عمليات التخريب التي أقضت مضاجع الفرنسيين والسلطات الاستعمارية ، وتطور
الأمر من قطع أعمدة الهاتف والكهرباء إلى قطع أصول الزيتون في ضيعات الفرنسيين ،
بما اعتبر وقتها خسارة شخصية لم يسمون بالمعمرين ، الذين شعروا بقرب الخطر منهم
وهم الذين كانوا يسكنون في ضيعاتهم ، فازداد تطرفهم ، ورفضهم الكلي لأي حديث عن
استقلال تونس ، ومن هنا ولأسباب أخرى في كل القطر التونسي فإن منديس فرانس الوزير
الأول الفرنسي ليعلن أمام الباي منح تونس استقلالها الداخلي ، تم امتناع المقيم
العام الجديد الجنرال بوايي دو لاتور ، عن السماح الطائرة رئيس الحكومة الفرنسية
بالهبوط ، قبل تأمين المدرج والطائرة والمطار.
**
31 جويلية 1954 وعد الاستقلال الداخلي وإطلاق سراح المساجين
بمن فيهم المحكومين بالإعدام لأسبلب سياسية
1 جوان 1955 عودة مظفرة لقائذ الكفاح
الوطني الحبيب بورقيبة في مظاهرة لم تشهد
البلاد مثيلا لها ،ثم توقيع اتفاقية الاستقلال الداخلي المنقوص
سبتمبر أكتوبر حرب أهلية بقيادة
بورقيبة وبن يوسف
20 مارس توقيع الطاهر بن عمار رئيس
الحكومة لمعاهدة الاستقلال التام بمحضر بورقيبة في باريس
أفريل 1956 حكومة جديدة برئاسة
بورقيبة والشروع في الاصلاحات العميقة في البلاد
3 أوت 1956 مجلة الأحوال الشخصية التي
حررت نصف المجتمع
25 جويلية1957 إعلان الجمهورية
15 أكتوبر 1963 الجلاء
12 ماي 1964 الجلاء الزراعي
26 جانفي 1978 الخميس الأسود
4 جانفي 1984 ثورة الخبز
7 نوفمبر 1987 نهاية حكم بورقيبة
6 أفريل 2000 وفاة الزعيم الذي أطلق ثورة التحرير الحبيب
بورقيبة ، شعلة لن تنطفىء
14 جانفي الثورة الثانية في تاريخ
تونس وإسقاط زين العابدين بن علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق