بكل هدوء
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صف الخاسرين
تونس / الصواب /22/12/2012
حرص بورقيبة دوما بإعلان أو بدون
إعلان ، ليكون في صف الرابحين les gagnants سواء عن قناعة أو لحسابات
سياسية وحتى ماكييفيلية، وأورث الديبلوماسية التونسية هذا التوجه ، وأعطى انطباعا
بأنه على حق دوما ، حتى عندما لم يكن على حق ، ونحن اليوم في تونس في مفترق طرق ،
على بلادنا أن تختار لتكون في صف المنتصرين أو المهزومين. هذا إذا ما زال متاحا
ذلك.
أقول هذا الكلام ونحن في قلب المعمعة
ولم نعد خارجها ، كما أوهمنا أنفسنا على مدى سنوات ، بشأن ما يحدث في ليبيا ،
وعندما كان على تونس أن تكون على الحياد في أدنى الأحوال ، فإن حكامها وجانب من
شعبها ، اختارا أن يقفا إلى جانب الميليشيات الإسلاموية ، على حساب القوة الحقيقية
التي كانت مستعدة لتسيطر على ليبيا .
منذ 4 أفريل الماضي شن جيش حفتر عملية أسميت
بالجراحية للسيطرة على طرابلس ، وحفتر هو عسكري ليبي عرف الهزائم على يد الجيش
الفرنسي في تشاد في منتصف الثمانينيات ، عندما أراد العقيد القذافي أن يلحق نجامينا
العاصمة بإمبراطوريته الأفرو عربية ، فهبت باريس لنجدة مستعمرتها السابقة ، واذاقت
جيش معمر الويلات ، وأطردته بعد أن استولت على عدد كبير من الأسرى ، كان من بينهم الكولونيل
( وهي أعلى رتبة في الجيش الليبي حتى لا يكون أحد في صفوفه أعلى من القذافي نفسه )
.
يبدو أن الولايات المتحدة استنجبت أسير فرنسا ،
فانتدبته لمهام محتملة ، ونقلته إلى واشنطن ، وبعد ثورة مارس في ليبيا وجد نفسه
على رأس طغمة قليلة ، تم تكليفها من طرف الغرب للسيطرة على المنطقة الشرقية في
انتطر أيام أفضل ، غير أن الأسير السابق وجد نفسه في نفس المنطقة التي انتقل إليها
البرلمان المنتخب في سنة 2013 في كامل
البلاد ، والذي أطردته ميليشيات الإخوان على اختلاف مشاربها من العاصمة طرابلس ، لتفرض نفسها بقوة السلاح ،
وخارج إطار شرعية الصندوق الانتخابي كسيدة في طرابلس .
من هنا وجد حفتر نفسه متمتعا بشرعية ،
أضفاها عليه برلمان منتخب كان مفترضا أن يتسلم السلطة في طرابلس ، ويشكل جكومة
مناوئة للإخوان ولكن حيل بينه وبين الواقع.
نظريا فإن حفتر لا قوة شرعية ولا يتمتع
حتى بالمشروعية ، إلا عبر برلمان وسلطة منتصبة في الشرق الليبي ليس لها عليه لا
دالة ولا سلطة.
ووجد العالم نفسه في بلد واحد أمام
شرعيتين ، شرعية من الخارج أي من الأمم المتحدة ،
أضفتها على مجلس رئاسي عين على رأسه السراج في طرابلس بمهمة أساسية هي
تصفية الميليشيات وإعادة قيام الدولة الليبية الموحدة ، وشرعية ثانية ممثلة في
برلمان منتخب ولكنه مطرود من عاصمة بلاده ، بفعل تلك الميليشيات الاسلاموية، وعوض
أن يقوم السراج بتصفية الميليشيات ، أصبح خاضعا لها وأصبحت تعتبر نفسها هي الدولة
الليبية، ولم تكن الأمم المتحدة لتعطي السراج الوسائل التي تمكنه من أداء المهمة
التي كلف بها ، أمميا فسقط بين براثن الميليشيات ، وبات أسيرا لها واستمرأ ذلك
الوضع.
حفتر الذي تولى تصعيد نفسه من كولونيل
إلى ماريشال ( أفضل من موبوتو في كينشاسا من سرجان إلى ماريشال ، وبوكاسا من أقل
من سرجان إلى ماريشال ) وجد العون من الدول المضادة للاسلام السياسي ، مثل
الامارات والسعودية ومصر وإلى حد ما فرنسا ، ما وضع السراج وميليشياته في حماية
قطر وتركيا وإلى حد ما إيطاليا ، علما وأن لكل مصالحه الخفية ، ومنها استثمارات
ب18 مليار دولار لتركيا ما قبل نهاية القذافي ،الذي كان صديقها تريد أن تسترجعها أو تعيد
وهجها ، وإيطاليا التي تغمز لبترولها وغازها في المنطقة الغربية ، وفرنسا التي
تغمز من جهتها لشركاتها البترولية في الشرق الليبي ، وكلا الطرفين ، وحتى غيرها
مثل مصر والإمارات ، ولكن خاصة الولايات المتحدة وروسيا ، كلها تنظر بعين الطمع
باستغلال جانب من عائدات إعادة الإعمار، التي ستتكلف في أقل التقديرات بـ270 مليار
دولار ، ستدفع من الأموال الليبية متى انتهى أتون الحرب المشتعلة.
تونس وحدها هي التي لم تبحث عن
مصلحتها ، فيما الجزائر التي عاشت خلال أشهر عديدة على حافة بركان، لم تعرف لا هي الأخرى مصلحتها وانشغلت عنها بوضع داخلي متفجر لا يعرف أحد متى
يسترجع توازنه ، ولذلك كان انخراط تونس بلا مواربة إلى جانب السراج وميليشياته
الاسلاموية إرضاء للنهضة، فيما عدا سنة 2014 عندما تولى مهدي جمعة رئاسة الحكومة ،
ومنجي حمدي وزارة الخارجية ، حيث حاولا
بأكثر أو أقل توفيقا ، الوقوف على حياد لم يكن ليرضي لا هذا الطرف ولا ذاك.
أين هو الوضع اليوم ؟
وهل وقع حساب الربح والخسارة ، فيما عليه الموقف
التونسي وهو ما يهم في المحصلة البلاد ، وشعب الجنوب الذي كان أكبر المتضررين من
الحاصل في ليبيا.
غالب المراقبين عبر العالم يقولون إن
حفتر يسيطر على ما بين 80 و85 في المائة من الرقعة الليبية ، وإذا تركنا أقوال
هؤلاء وأولئك من المتواجهين ، واطلعنا على تقارير الصحافة والتلفزيونات المتسمة
عادة بنقل أخبار موضوعية ، فإن الخناق قد ضاق ضيقا شديدا حول السراج وميليشياته ،
يبرهن على ذلك جري السراج السريع وراء تحالف مع تركيا بقصد إنجاده ، وهو اتفاق في
نظر شراح القانون غير قانوني ، لأنه ليس صادرا عن حكومة تتمتع بالسيادة على أرضها ،
ولا يمكن اعتبارها دولة بالمفهوم القانوني والواقعي للدولة ، ومهمة السراج التي
كلفته بها الأمم المتحدة لا تسمح له باتخاذ مثل هذه الخطوات.
غير أن التبادلات القانونية والسيادية
لم تعد هي الفيصل اليوم ، وبعد التطورات على ساحة المعارك ، بل وكما قال هتلر
وللأسف ، فإن الحق بات في أفوه المدافع.
وإذ يمكن للمرء أن يستنتج أمرا ، فهو
أنه من المستحيل على حفتر ، أن يحتل قلب طرابلس ، إلا إذا لجأ لقوة كاسحة تؤدي
لقتل المئات وحتى الآلاف لتشابك ما هو أهداف عسكرية بالمدنيين ، في عاصمة مثل طرابلس ، ولكن ومن جهة أخري إن
حكومة يضيق عليها الطوق لهذه الدرجة ، لا يمكن أن تستمر طويلا ، هذا إذا كانت لها
شرعية شعبية علما ، وأن حتى المفتي الغرياني وهو من هو تأثيرا معنويا في ليبيا ، قد انقلب وهو من أشد أنصار السراج ، إلى تأييد
حفتر الذي يسميه الآن سيدي المشير.
ولعل مؤتمر برلين في الأيام الأولى من
جانفي ، سيفرض على ليبيا حلا ترعاه أوروبا الغربية والولايات المتحدة وروسيا ومصر
والامارات ، لفائدة الذين يسيطرون على الأرض أو غالب الأرض ، ويقع "اقتصاد"
مجزرة في طرابلس.
**
كلمة أخيرة ... لك الله يا تونس في
اختياراتك الاستراتيجية الخاطئة ، فإذا بات حفتر على أبوابنا ، هل ما زالت
تكون ليبيا مفتوحة لعمالنا ، ولشركات
مقاولاتنا ، وللتجارة البينية التي كانت مزدهرة في زمن سابق ؟ هذا فضلا عن عداء
كامن قد لا يظهر للعلن ولكنه باق تحت السطح يؤثر تأثيرا كبيرا.
هذا عدا التداعيات السياسية المحتملة
نتيجة التطورات الآتية ؟؟؟؟