الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
مدرسة
الجمهورية العمومية
تتراجع أمام
المدرسة الخاصة والأجنبية
تونس /
الصواب /22/02/2016
لم يكن توحيد
التعليم في 1956/1958 على يدي بورقيبة / المسعدي ، صدفة ، بل كان نتيجة سياسة
مخططة ، تستهدف توفير تعليم موحد في أهدافه يأخذ من كل جانب بطرف ، التعريب
والتونسة ، الانفتاح على الثقافات الأجنبية وخاصة الفرنسية ، والغوص في أعماق
العلوم الحسية ، إعدادا لأجيال إن لم تكن موسوعية فعلى الأقل ذات عقول منفتحة ،
تعيش في محيطها المحلي بنوافذ مشرعة على العلوم والأصالة والتفتح.
هكذا كانت
فكرة مدرسة الجمهورية ، أجيال منسجمة في توجهاتها ، مقبلة على عوالم فكرية تقدمية
، ولعل الدمار الذي أصابنا بين 1994 و2010 يتمثل أساسا في محاولة نجحت إلى حد بعيد
في تدمير تلك الفكرة العبقرية التي جاء بها بورقيبة .
وبدل أن يتم
إنقاذ أجيالنا الجديدة من هذا الدمار الذي يتربص بها ، وهو ما بدأ مع إصلاح تعليمي
اعتمد استشارة واسعة ، وحددت له أهداف مرحلية مستنبطة من الواقع التونسي ،
ومستوحاة من أعتى التجارب العالمية وفي
مقدمتها التجربة الفنلندية الرائدة ، انطلقت محاولات التحطيم لوأد التجربة، فاتخذت
لنفسها مسارا ليس بيداغوجيا ولا إصلاحيا ، بل سياسيا ، استهدف وزيرا قد نتفق وقد
نختلف معه ، ولكنه كان من الشجاعة بحيث أخذ الثور من قرونه ، وحاول كما حاول من
قبله " كلود ألليقر " وزير التعليم في حكومة جوسبين الفرنسية تحريك
حيوان الماموث الثقيل المنقرض ، في بلد
عصي على الاصلاح كما هو شأن فرنسا.
والنتيجة
اليوم ، ونحن أمام إضراب " للمربين " بمطلب غريب ليس لا مهني ولا مطلبي
، بل سياسي بامتياز وهو صرف وزير من الوزارة التي يتولاها ، النتيجة أن مدرسة الجمهورية هجرها من له قدرة على هجرها ،
فذهب للمدرسة الحرة التي نجد من بين المدرسين
العاملين فيها عدد مهم من المدرسين
المضربين في المدرسة العمومية ، كما هجرها للمدرسة الفرنسية والمدرسة الأمريكية
والمدرسة الألمانية وغيرها ، من باستطاعتهم أن يدفعوا الثمن الغالي هربا من مدرسة تونسية كانت في وقت من الأوقات
مفخرة ، وتردت أحوالها بفعل فاعل اليوم وما زالت على طريق التردي ، تاركين للمدرسة
التونسية العمومية من لا يقدر أولياؤهم على دفع ثمن الدراسة الغالية ، ولكن الجيدة
المتطورة ، والتي لا تعرف الإضرابات ، ولا يكفي أن تعليمنا قد انحدر مستواه للحضيض
على مدى 15 عاما ، حتى نضيف إلى انحداره تكبيله بمزيد التقليص في أيام التدريس.
واليوم نجد
أن الهدف الرئيسي المقرر بداية والذي عشنا على وقعه طويلا في انسجام ، وهو تعليم موحد لكل الأبناء عبر كل البلاد ،
بات في مهب الريح ، وأن هناك تعليما للقادرين على الدفع الجزيل ، في المدرسة الحرة
أو الأجنبية ، و تعليما في المدرسة التونسية الكسيحة ، التي لا يريد لها البعض أن تتطور وتلحق على الأقل بما كانت عليه
من إشعاع ورفعة وصيت في العالم ، في انتظار أن تلحق بالتطور الذي لحقت به مدارس
ومناهج تعليمية عديدة بعضها حتى في العالم العربي ، تجاوزتنا وتركتنا على الرصيف .
هيهات ،
هيهات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق