عربيات
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
التدمير
الذاتي
الصواب /
تونس/26/04/2015
ما حصل في
اليمن منذ حوالي شهر ، وبصورة مستمرة لا يعدو أن يكون تدميرا ذاتيا لحضارة تمتد
على مدى آلاف السنين، ولن نبحث هنا عن المسؤول عن ذلك ، فالأمر أعقد من أن تمكن
الإحاطة به ، وإن كان من اللازم التعريج.
للأسف فإن
تاريخنا العربي الإسلامي شهد فترات كثيرة من التدمير الذاتي ، وما نسميه حضارتنا
العربية الإسلامية ، اكتنفتها كثير من عمليات إزهاق الأرواح ، وتدمير المعالم ،
غير أن ما جرى ويجري في هذه الأوقات تجاوز الحدود ، لأن آلات الدمار والفتك قد
تطورت وباتت ، على قدرة خارقة من التدمير.
ويكفي القول
أن 3 من أربعة خلفاء راشدين، أي الذين خلفوا النبي ، قد ماتوا مقتولين ، وأن الحكم
انتقل وراثيا منذ ذلك الحين بعكس التنظير الذي جاءت به النصوص الدينية المثبتة،
ولما بات الحكم وراثيا فإن الأطماع قد اكتنفت في كل الأحوال مسألة من يحكم ، مع ما
أضيف إليها من خلافات أسميت مذهبية ، وكانت في كثير من الأحيان قومية بين عرب وفرس
وأتراك وبربر وغيرها من الأقوام التي كانت ترى أحقيتها في أن يكون الحكم بيدها.
ولم يردع شيء
لا من دين ولا أخلاق ، الحاكمين أو الطامحين للحكم عن ارتكاب أفظع الجرائم ، في
سبيل الجلوس على عروش سواء تحت اسم الخلافة أو السلطنة أو الملك أو الإمارة أو
المشيخة.
غير أن
التدمير الذاتي ، على هذا القدر من الفظاعة ، بدأ متأخرا ويمكن القول إن منطلقه
كان ما بين 25 و35 سنة إلى الوراء .
فقد تركت حرب
الثماني سنوات بين 1980 و1988 ، كلا من العراق وإيران ، بلدين مخربين ، على أهمية
ثروة كل منهما ، لا فقط المادية المتمثلة في البترول وغيره من الموارد المادية
السخية ، بل بالخصوص الثروة من الموارد البشرية المؤهلة والقادرة على صنع المعجزات.
وفي العراق
وكنت قد قمت بزيارته في أواخر السبعينات، كان الفخر كبيرا بأنه تم القضاء أو كاد
على الأمية، وكان الأمر مختلفا بعد ذلك بعشر سنوات بعد أن وضعت الحرب أوزارها في
سنة 1988 بانتصار عراقي نسبي ، على العدو الذي كان يسمى الشيعي الفارسي الصفوي.
وأنتجت تلك
الحرب دمارا في البلدين بما نالته الطائرات والصواريخ ، من مقدرات ومكاسب حضارية
كان يمكن البناء عليها.
وأبرزت تلك
الحرب ، شرخا عربيا ، اتخذ تمظهره في الفوارق المذهبية ، وبعكس كل الدول العربية،
اتخذت سوريا موقفا مؤيدا لإيران ضد العراق، وعاضد حزب الله اللبناني دمشق في
موقفها، وكان وراء هذا الموقف الحكم الشيعي العلوي في سوريا ( حافظ الأسد)، والمذهب
الشيعي الاثني عشري في لبنان، ولأول مرة انقسم العرب لا لخلافات سياسية معهودة، بل
بسبب افتراق في المذهب الديني.
غير أن السنة
الفاصلة لبداية التدمير الذاتي العربي ، كانت سنة 1990، فقد أدى اجتياح الرئيس
صدام حسين للكويت ، إلى وضع قام فيه العرب لأول مرة بالتقاتل الحربي الواسع فيما
بينهم.
ولم يكن
الرئيس العراقي صدام حسين ، قد قرأ حسابا لنتائج خطوته ، وإضافة إلى أنها خطوة لا
تضع في حسابها الشرعية الدولية ، والتوازنات الإقليمية ، فإنها لم تنتبه إلى نتائجها المؤكدة والتي نبهنا إليها في حينه ، وفقا لتخطيط أمريكي
غربي كان معلنا ومعروفا ومنشورا، دفع في
اتجاه قيام العراق بمغامرة لم يكن رئيسه صدام حسين في ظل نظام ديكتاتوري توتاليتاري
، والذي لم يكن يسمع نصيحة ناصح ، و بعملية كانت نتائجها متوقعة ، انتهت على مدى
13 سنة بالتدمير الكامل للعراق ، بمقدراته الاقتصادية وانسجامه السكاني ودولته
المركزية ، وفقدان استقلال قراره ، الذي أصبح بأيدي الأمريكان لفترة أولى ثم إيران
باعتبار التركيبة السكانية العراقية ، القائمة على أغلبية شيعية جزء منها من أصول فارسية ، تدين بالولاء
لطهران.
فلم تمر إلا
أشهر قليلة على 2 أوت 1990 ، حتى قام تحالف دولي قوامه المركزي الولايات المتحدة ،
بمشاركة عربية وانطلاقا من الأرض العربية ، ضم في ما ضم سوريا "الأسد"
المحكومة شيعيا علويا ، والتي هي في عداء كبير لنظام عراقي سني، قام تحالف دولي بتحرير الكويت ، وتدمير الجزء الأكبر
من الجيش العراقي ، الذي كان يعد أحد أكبر جيوش العالم ، وتفكيك منظومته
الباليستية ، و ما كان يعتبر قوة غير تقليدية ، حتى جاء يوم 9 أفريل 2003 اليوم
الذي تم فيه احتلال بغداد، وسقوط صدام حسين، وبدأ تفكيك الدولة العراقية التي كانت واحدة من أقدم
الدول حضارة وتنظيما، وتسليمها إلى مجموعة شيعية أنهت وجودها الفعلي وأخضعتها
لإرادة إيرانية فارسية شيعية ، باعتبار أن أغلبية سكان البلاد من الشيعة ، ومكنت
من إقامة دولة كردية فعلية في الشمال ، وأعدت العدة لتقطيع أوصال دولة مركزية كانت
قوية مهابة الجانب.
ويبقى السؤال
مطروحا : من المسؤول عن هذه الحالة ،؟
وللأسف ، فإننا نحن العرب نبقى في غير الوارد
عند غالبنا تحميل المسؤولية لمن يتحملها ، ونلقي بها على ظهر المؤامرة الدولية
والولايات المتحدة والإمبريالية ، وكلها وإن كانت مسؤولة ، فلعلنا نحن العرب الذين أعطيناها بعمانا الفرصة لتحقيق
أغراضها.
غير أن
المصائب لا تأتي منفردة ، وإذ لم يكف ما حصل للعراق من انفجار ، فإن سوريا التي اعتبرها البعض عن
غير حق ، السد المنيع الباقي في وجه إسرائيل ودولة الممانعة، والتي لم تكن سوى دولة
قائمة على حكم أقلية علوية لا عمق شعبي لها ، قد انفجرت هي الأخرى في أعقاب ثورة
عربية تكاد تكون شاملة ، وصفت بثورة الربيع العربي ، وبدل أن يتعامل معها نظام
مهترئ في دمشق كما حصل في تونس وفي مصر ، وهما دولتان متحضرتان تماما كالدولة السورية
العريقة ، اختار مواجهة أنتجت كارثة ضخمة بكل المقاييس ، فقد انهار بنيان متمدين تم تشييده على مدى مئات السنين، وأبرز قيام تطرف
ديني لم تعرفه سوريا قط أتى على الأخضر واليابس ، وجعل من الدولة السورية كما
الحال في الدولة العراقية أثرا بعد عين.