اليوم الأول في بلاط صاحبة الجلالة
تونس/ الصواب / 22/05/2013
التحرك الأول وكان أول عمل صحفي توليته،كلفني به شيخ الصحفيين الهادي العبيدي، وكان علي أن أرافق في ذلك المساء من يوم 19 سبتمبر 1959 الأستاذ الصادق بسباس الذي كان صيته يملء الأسماع ، لما سبق له أن غطى وبأمانة كبرى المحاكمات السياسية في تونس ابتداء من المورطين في قضية صالح بن يوسف،، إلى المورطين في اغتيال الهادي شاكر.
اتخذنا طريقنا نحو بئر الباي مكان انعقاد مؤتمر الكشافة التونسية ، على سيارته البيجو 203 السوداء ، ومن كان يملك أيامها سيارة وخاصة بيجو.
كنت متهيبا ، وزاد تهيبي عندما وصلنا إلى مخيم بئر الباي، فوجدت كل الوزراء بين الحضور، وكنت أيامها قد عرفت صورهم إما من الصحف أو عبر شريط الأأحداث في السينما، ولقد أعجبت يومها بالصادق بسباس الذي سريعا ما كان دخل في الجو وأخذ يتحدث بدون كلفة مع هذا أو ذاك من كبار الشخصيات، التي كانت تبدو لنا وكأنها نجوم لامعة في السماء.
ولقد زال عني الحرج شيئا ما عندما عثرت بين المنظمين ابن عم لي هو المرحوم الحبيب الفراتي الذي كان عضوا بارزا في القيادة الكشفية التي انبثقت عن توحيد منظمات كشفية عدة ، وخاصة منها منظمة الكشافة الإسلامية وكشاف الرجاء الذي نشطت في صفوفه ونظمنا من خلاله ملتقيات وندوات ومسرحيات ورحلات انطلاقا من مدينتي، غير أنه سحق على إثر التوحيد ولم يبق له أثراحيث استولت الكشافة الإسلامية على كل الفضاء الكشفي ، وتفرقت كوادر بقية التنظيمات الكشفية ، بإرادة حكومية واضحة، كان هدفها تنميط كل شيء من منظمات الشباب إلى المنظمات القومية.
وكان علينا أن نعود إلى الجريدة ليلا في تلك الأيام الخريفية التي يظلم فيها الليل مبكرا نسبيا، ولم تكن الطريق بين العاصمة تونس وبئر الباي مضاءة إلا في جزء قليل منها عند المرور بحمام الأنف.
كان الهادي العبيدي يتصدر قاعة تحرير الصباح التي احتلت طابقا أول من جريدة لابريس حيث كانت تطبع الجريدة ، كان رجلا مهيبا طويل القامة بنظرات نفاذة وقدرة على التسيير لا تلين في صلابة واضحة ، وكان علي أن أكتب تقريرا صحفيا أعرف مسبقا أنه لن يرى طريقه إلى النشر ، فتلك المهمة كانت موكولة للصادق بسباس، ولقد استغربت بعد ذلك من أن الرجل قد أنهى كتابة تقريره في حوالي ثلث ساعة، بينما لم أتقدم أنا إلا بقدر عشرة أسطر، وكان علي أن أتعلم أن العمل الصحفي يحتاج إلى السرعة ولكن الدقة أيضا ، وقد أفهمني ذلك منذ الليلة الأولى الهادي العبيدي في حنو ، وهو حنو مستمر، ما لم تعد لارتكاب خطإ سبق لك أن ارتكبته.
ولقد أخذ بيدي منذ ذلك اليوم أساتذة لي ولجوا بي عالم الصحافة، قبل أن أخبره نظريا عبر معهد علي باش حانبة للصحافة ثم دروس المسيو بوايي في معهد الصحافة حيث كان علي أن أتجول بين الأقسام وأخبر كل المجالات، جلت بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والثقافة والرياضة والمحاكم ثم الإقتصاد ، قبل أن أطير بجناحي ، كان أساتذتي الذين أحاطوا بي الصادق بسباس، وعبدالجليل دمق، وإبراهيم المحواشي، و من الجزائريين محمد الميلي وعبدالله شريط.
غير أنه لا ينبغي لي أن أنسى الحبيب شيخ روحه الحريص دائما على التذكير بالمثابرة والنشاط، وكان دوما يقول إن العمل الصحفي لا يعرف وقتا، وأن الصحفي ينبغي أن يسير في أول الركب لا آخره ولو صدم قناعات الناس.
أما الهادي العبيدي فقد علمني الإنضباط والإنضباط الشديد.
وتعلمت من عبدالجليل دمق الدقة وكيفية اصطياد الخبر، ودقة الملاحظة وحاسة شم مفرطة.
وتعلمت من إبراهيم المحواشي ضبط النفس وعدم التحمس لأي فريق بل ترك مسافة بينك وبين من تميل إليه.
أما محمد الميلي فقد حببني في القراءة وطريقته في التركيز الشديد.
فيما إن عبدالله شريط وكان صديقا حميما للأستاذ مصطفى الفيلالي فقد تعلمت منه التعمق في تناول الأحداث، والتنبه إلى ما قد لا يتنبه له الآخرون.
وإلى عودة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق