Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 22 فبراير 2020

الموقف السياسي : اللهيب يشتعل بين الرئاستين ، ورئيس الحكومة في بيت الطاعة


الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الأيام الصعبة على الأبواب
تونس / الصواب /23/02/2020
تشكلت الحكومة بعد صعوبات جمة ، وانتظر الناس الاعلان عنها إلى آحر لحظة في المهلة الممنوحة للمكلف لتكوينها ، بين إكراهات رئاسة للجمهورية تريد أن تسترجع صلاحياتها الواسعة ، كما كان الأمر أيام الرئاسة الرئاسية ، وهو ما أفصح عنه رئيس الجمهورية بشرعية الـ72 في المائة من الجسم الانتخابي للأصوات ، معتبرا نفسه الرئيس الأوحد للبلاد ، لا ينافسه في التسمية أحد ، والوحيد الذي له حق التأويل النهائي للدستور في غياب محكمة دستورية ، عملت النهضة طيلة 5 سنوات منقضية على تعطيل قيامها عبر إرادة فرض سيطرتها عليها ، والمؤكد أنها تعض اليوم على أناملها من أجل ذلك ، وبين إكراهات ما حاولت أن تفرضه النهضة الحزب الأول ولكن فقط بنسبة 20 في المائة من عدد النواب في مجلس نواب الشعب مباشرة ، و33 في المائة من مجموع النواب باعتبار أعضاء "ائتلاف الكرامة "، المعتبر بمثابة  زائدة دودية  ، للنهضة يأتـمر بأوامرها.
ورغم وضع اقتصادي اجتماعي في منتهى الخطورة ، بنسبة نمو صفر في المائة في الثلاثي الرابع  من 2019 ، وواحد في المائة على مدى السنة  ، فالحكومة الجديدة تواجه بعد نيل الثقة وضعا سياسيا مهتزا لثلاث اعتبارات متظافرة  فضلا عن الصعوبات الاخرى :
أولها أن رئيس الحكوة وينعته جزء كبير من الطبقة السياسية بالوزير الأول ، باعتبار أنه لا يتمتع هو شخصيا بأي سند شخصي في البرلمان ، أو بحزام يتمتع به يساوي صفرا من النواب ، ويعتبر أن ثقة رئيس الدولة ، هي مرجعه في كلمة إعلان حكومته  وتركيبتها ، وبالتالي فهو لا يتجاوز أن يكون  كمن يعيش في ظل وضع لا سيطرة له عليه ولا حول ولا قوة .
ثانيها أن استمرار حكومته من إسقاطها بعد فترة قد تطول وقد تقصر،  باعتماد لائحة لوم تبقى سيفا مسلطا ، بل هناك من بدأ ينادي بذلك ،حتى قبل دخولها في عملها الفعلي  ومنحها الثقة ، على أساس أن الأحزاب السياسية تجنبت عدم التصويت السلبي لحكومة الفخفاخ ، خوفا من حل البرلمان الذي اعتبرته تلك الأحزاب ،  مغامرة غير مأمونة العواقب ، لاحتمالات تغييرات في تركيبة مجلس ، قد سزداد تشتتا على تشتته ، وقد تصبح فيه عبير موسي وحزبها الرقم الأول كما تتنبأ به بعض معاهد استطلاع الرأي ، ثم أيضا لتخوفات مشروعة لدى أعداد كبيرة من النواب الذين يصيبهم الخوف من عدم عودتهم للنيابة في حال إجراء انتخابات سابقة لأوانها ، خصوصا وأن بعضهم قد تورط في قروض ثقيلة على فرض بقائهم في أماكنهم للتمكن من سدادها ، كما قال النائب ياسين العياري.
ثالثا أن احتمالات سيطرة إلياس الفخفاخ على حكومته يبقى محل أخذ ورد، على اعتبار،  أنه لا يتمتع بشخصية كاريزماتية ، أو أنه ليس ممن يتمتع بقبضة حديدية لفرض توجهات معينة على حكومته ، مما يحتاج قرارات جريئة وصادمة وموجعة ، باعتبار الوضع الكارثي الذي تركته حكومة يوسف الشاهد والأشبهه بالإفلاس ، إلى عدم وجود الشخصيات القوية التي تتمتع كما يقال بكنش معارف ذات تأثير على الصعيد الدولي  ، بعد أن تم استبعاد محمد فاضل عبد الكافي وبن حمودة وبن مصباح ، وغيرهم ممن لهم خيوط اتصال وثيقة  مع الخارج وحاصة المؤسسات المانحة.
كل ذلك وحكومة الفخفاخ هي حكومة مفخخة ،  بشخصيات ربما تتجاوز العشرة من النهضة معلنين وغير معلنين ، وشخصيات قوية من التيار الديمقراطي ومن حركة الشعب ،  بحيث قد لا يكون  الفخفاخ يملك أغلبية بين وزرائه ،  لتمرير برنامجه إن كان له برنامج ، وحتى العقد الذي اقترحه الفخفاخ والذي لا يرقى إلى برنامج حكم ،  لم يوقع عليه أحد ممن دخلوا الحكومة بدون اتفاق حتى على ملامح برنامج.
**
تونس اليوم في حضرة لي ذراع بين رئيس دولة ،  يريد استعادة صلاحيات رئيس يتمتع بصلاحيات واسعة ، واعتقاده أنه هو الرئيس الوحيد  في لدولة والأحق بتسميته الرئيس بكل تعريف ، فيما الرؤساء الآخرون تضاف لرئاستهم  صفتهم كرئيس الحكومة،  أو رئيس البرلمان ، أو رئيس هيئة الانتخابات وغيرهم من الرؤساء  ، فيما يعتقد  رئيس مجلس لنواب الشعب  راشد الغنوشي أنه صفته تلك فهو المؤتمن على الشرعية الشعبية أي الشرعية السيادية المنبثقة من الشعب ، في نظام شبه برلماني  ، وكلاهما لن يتسامح مع الآخر ، مما سيقود البلاد نحو أوضاع غير سليمة ، ستتضح معالمها عند أول مناسبة لمواجهات متوقعة  : فهل سيمضي رئيس الدولة على قانون اعتماد عتبة الـ5 في المائة ، وهل سيوقع على قانون منح النواب  جواز السفر الديبلوماسي ، فقط للذكر ، في سنة 1985 كنت في سفر إلى الشرق الأوسط ، وفي مطار روما كان المرحوم الباجي قائد السبسي في نفس الوقت ، في اتجاهه إلى صنعاء مرفوقا بديبلوماسي تونسي كبير،  كان كاتب دولة ، وبعد مرور الباجي قائد السبسي أمام المراقبة ، جاء الدور على كاتب الدولة التونسي ، فأمره عون الوليس بفتح حقيبته الديبلوماسية ، فأرغى وأزبد ورغم تدخل الوزير ، تم الإصرار على فتح الحقيبة ، وإذ حل رئيس العون ، فقد أمر كاتب الدولة بفتح حقيبته ، وتدخل يومها القائم بأعمال السفارة ، ليهمس  للمعني التونسي ،  بأن الجواز الديبلوماسي لا فائدة له إلا في بلد الاعتماد ، ولما كان كاتب الدولة غير معتمد لا في روما ولا في الفاتيكان  ، فإن الجواز الديبلوماسي لم يكن ليسمح له إلا بالمرور من الممر الخاص بالديبلوماسيين  تجاوزا وليس حقا  ، دون أن يعفيه ذلك  من أن يكون مطالبا بفتح حقيبته وحتى بتفتيشه وفقا لميثاق فيانا. وقد اضطر يومها كاتب الدولة لفتح حقيبته ، فمر حتى بدون أن ينظر العون لمحتوياتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق