اقتصاديات
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بعد ارتفاع مشط في الأسعار ،
من يدفع ؟
تونس/الصواب/29/06/2018
ارتفعت الأسعار منذ بداية السنة بصورة
مشطة ، وقفز مؤشر غلاء المعيشة بصورة غير مسبوقة ، وإذ لم يبلغ بعد ما حصل سنة
1982 عندما رفع الوزير الأول محمد
مزالي ـ في قرار معاكس لكل الذين نصحوه بـزيادة
20 دينارا ورقة تحك ورقة ـ ما قفز معه ألأنديس
كما يقولون بـ15 في المائة، والمتوقع أن تستقر الأسعار في النسبة العالية الحالية إن لم تشهد تزايدا.
اشتكى الناس ولهم الحق من وضع اهترأت
فيه طاقتهم الشرائية ، وتراجعت بشكل كبير ، هذا طبيعي.
أما غير الطبيعي فهو أن تقدم مؤسسات
تحفل بالاقتصاديين ولنقل حتى المتعلمين، بما فيهم اتحاد الشغل على التنديد
والتهديد والوعيد فهو ما لا يعد طبيعيا.
لنبدأ ونقول ـ وأنا لا أعطي دروسا
لأحد ـ أن الأسعار التي لا تخضع في بلادنا كما في سائر بلاد العالم للقرار الإداري
الذي جربناه فظهر فشله، بل لقاعدة العرض والطلب ، لنستمر ونقول أن السعر هو محصلة
تكاليف يدفعها المنتج والوسيط وتنتهي عندما اصطلحنا على تسميته بالوكال ، لنواصل ونقول أن وفرة العرض تردع الارتفاع في
السعر ، لكن بعد حساب الكلف المختلفة ، فلا أحد يستطيع أن يواصل البيع بالخسارة ،
لا سلعا ولا خدمات ، بل مآله الإفلاس والهروب ، كما هو حال منتجي الحليب حاليا.
من هنا نصل لاستنتاج لا مفر منه ، وهو
أن غلاء الأسعار حالة مرضية ، تنبئ كما هو المحرار ( الترمومتر ) عن مرض كامن ،
وبعكس ما يعتقد البعض فهو دليل مرض في العمق ينبغي علاجه ، لا بطابع أسبيرين بل
أحيانا بعلاج قوي بالمضادات الحيوية، وفي هذه الحالة معالجة الداء من نفس الدواء
أي برفع سعر المواد والخدمات لأمرين :
أولهما تغطية الكلفة والتمكين من فائض
للربح وربما الإستثمار
وثانيهما لردع الاستهلاك المفرط
فالسعر هو الرادع الأكبر ضد التبذير .
وفي الغالب فإن ارتفاع السعر ، إلا في
حالات الاحتكار ولا ننكر وجودها ، يكون حافزا على مدى متوسط وطويل على حقيق
المعادلة بين حاجة السوق ومتطلباتها.
من هنا لعل رفع الأسعار ولو بطريقة
مشطة يبدو وكأنه ظاهرة وإن لم تكن صحية فلا بد منها لخلق التوازن الضروري .
لنأخذ مثالين على ذلك: المثال الأول
هو رفع سعر المحروقات، فقد ارتفع السعر الدولي بحيث ضغط على حجم نفقات الدولة، فمن
54 دولارا قبل نوفمبر الماضي إلى 78 دولارا للبرميل حاليا وهو مرشح للزيادة.
المثال الثاني هو سعر الحليب ، فلقد
وصل الأمر بالمنتج لحد غلق مؤسسات الأبقار الحلوبة ، وتجفيف السوق من الحليب ، بعد
أن بات السعر المدفوع للمنتج غير مجزي بل ربما بتسجيل خسارة أمام ارتفاع كلف
الإنتاج نتيجة انهيار الدينار كأحد الأسباب.
إذن نصل إلى لب المشكلة، فالذين
ينادون بأن تبقى أسعار المحروقات مثلا أو الحليب كمادتين مختلفتين على حالها، إنما
ينادون بأحد أمرين:
بالنسبة للمحروقات فإنهم سيدفعون
الثمن بصورة غير مباشرة من خلال أموالهم المجمعة في خزائن الدولة كسعر اصطناعي
لتلك المادة ، إذ لا مناص من أن يكون هناك من يدفع وإذا دفعت خزينة الدولة فإنك
أنت الدافع النهائي عن طريق الضرائب التي تدفعها ، وفي هذه الحال فإنه لا مناص من
أن تزيد الدولة من ضرائبها لتتمكن من دفع القسط الذي لم تدفعه أنت مباشرة.
وفي الحالة الثانية ، فإذا أبقي سعر
الحليب على حاله ، بينما ترتفع أسعار كلفة إنتاجه من علف ويد عاملة وأدوية ونقل
باعتبار غلاء البنزين والمازوت ، فإن المنتج الذي يصبح في حال عدم التمكن من تكاليفه
سيكف عن الإنتاج ويبيع قطيعه فيقل الحليب ويتم استيراده ويكون ثمنه أعلى.
إذن من يظن خطأ ، بأن هناك من يدفع
مكانه دولة أو فردا أو مجموعة فهو واهم ، فثمن الكلفة لا بد أن يتم تسديده لا
محالة ، لذلك لا ينبغي أن نستغرب غدا عندما يرتفع سعر النقل ، ذلك هو الطبيعي بعد
ارتفاعين في سعر المحروقات نقدر أنها ستكون متبوعة على الأقل بارتفاع آخر ، إذا
قفز سعر البرميل بعد الشح المنتظر في
الخام نتيجة الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران ، والذي سيخفض المعروض
في السوق بعدة ملايين من البراميل يوميا فإن زيادة أسعار النفط ستقفز بصورة لا قبل
لدولة مفلسة مثل بلادنا أن تتعهد الحكومة بدفعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق