الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
تشاؤم مبرر
الصواب –
تونس – 19/06/2018
لست عادة
متشائما ، بل يعتبرني محيطي شخص متفائل بالسليقة أو حتى بالفطرة ، ولكني هذه المرة
أبدو مفرطا في التشاؤم تشاؤمي هذا ينطلق
من عنصرين اثنين :
العنصر الأول
، للوضع الاقتصادي والاجتماعي ليس فقط المتردي والذي يزداد ترديا يوما بعد يوم ،
ولا يكفي الحكومة ولا الخبراء أن يؤكدوا أن هناك بصيص ضوء ، باعتماد إرتعاشة في
نسبة النمو بحدود 2.5 تقل أو تزيد قليلا وعلى مدى ثلاثية وحيدة ، قد تصح وقد لا
تصح في الثلاثية الموالية ، وهي لا تصح عادة إلا بعد 4 ثلاثيات ، بل لا بد أن
يتأكد الأمر وأن تتدعم نسبة النمو فتصل إلى 4 أو 5 في المائة ، ليعود الاقتصاد إلى
نسقه ما قبل الثورة ، ويستطيع أن يوفر ما
يحتاجه من استثمارات معقولة ، وادخار طبيعي ، وفرص عمل قادرة على استيعاب العمالة
الجديدة الوافدة، هذا مع تحسن أوضاع المالية العمومية التي تعتبر شوكة ليس في رجل
الاقتصاد التونسي فقط بل في حلقه ورجله.
أما العنصر
الثاني فهو الوضع السياسي المنذر بكل الأخطار ، والمعرقل لأي إصلاح :
إن دواليب
الحكم معطلة عطالة قصوى ، فوضع الحكومة بين الذهاب والبقاء ، ليس مما يمكن أن يوضح
الصورة ، أو يعطي أملا لأي كان فالبلاد في حالة انتظار قلق لما ستسفر عنه المعركة
التي بلا نهاية ، هل ستبقى الحكومة أو تذهب ، ومن من الوزراء من سيجلس على كرسيه
بعد أسبوع أو شهر ، ومن سيطير كالصاروخ ليحل محله وزير جديد يفترض أن يقضي أشهرا
لا فقط لاستيعاب متطلبات كرسيه ، ولكن لرد الفعل إزاء احتمالات كل ما يجري من عمل
أو مناورات لإقالته لأخذ مكانه . هذا فضلا عن رئيس حكومة في الأرجوحة بين مطالبين
بذهابه ومطالبين ببقائه ، وحزب حاكم لا هو في العير ولا في النفير ، رأسه مدير
تنفيذي فجر حزبه ويواصل تحت رعاية أبيه وضع البلاد على فوهة بركان.
تونس اليوم
دولة إن صح عليها تعبير الدولة ، بلا قرار ، بلا سلطة حقيقية بلا وضوح رؤية ،
بحكومة مغلولة الأيدي نصف وزرائها ينتظرون اليوم الذي يصرفون فيه أو لا يصرفون ،
والنصف الآخر من الوزراء لا يعرفون إن كانوا من الباقين إن بقوا و أي حقائب ستكون
في متناولهم ، وحتى الأحزاب و بعض قياداتها تدعو لصرف وزراء منها ، بعضهم عن طمع
في منصب ، وبعضهم لمعاداة لمن كانوا وزراء معهم ولم ينالوا في تشكيلة لاحقة
"شرف " الوزارة ،
كيف للمرء أن
يكن متفائلا في مثل هذه الأوضاع ، والسفينة تغرق بنا جميعا ، رئيسا ورئيس حكومة
ووزراء ، وأحزاب حاكمة وغير حاكمة ، وشعب يعيش
في تلاطم أمواج ، كما كان قارب
قرقنة الذي ضل طريقه ونحن كلنا صورة مكبرة منه،
ليس للمرء إلا أن يكون متشائما وفي أشد حالات التشاؤم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق