الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
حكومة اتحاد الشغل
تونس / الصواب/05/12/2017
لم يبق في غياب الدولة إلا أن يقدم
الرئيس الباجي قائد السبسي على إقالة حكومة يوسف الشاهد ، ويدعو الاتحاد العام
التونسي للشغل لتعيين من يتولى رئاسة حكومة جديدة ، تكون الثالثة في عهدته
الرئاسية ، وبهذه الصورة يتم إطلاق يد اتحاد الشغل في تصريف الشأن العام خاصة
الاقتصادي والاجتماعي ، ومواجهة التحديات التي تعيش في ظلها بلاد ، أشبه أن تكون
في وضع أسوأ مما عرفته سنة 1986 وسنة 1969
و سنة 1956 ، بل في وضع يمكن مقارنته بما كانت عليه البلاد سنة 1880 و1881 ، عندما
تم فرض كوميسيون مالي على البلاد ، انتهى إلى فرض الحماية ، وإخضاع تونس لاستعمار
استمر 75 سنة فقدت خلالها البلاد مقومات سيادتها
، وبالتالي استقلال قرارها.
ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي ،
تم تشريح ميزانية العام2017 ، وسقطت التعهدات
التي تم بذلها للمؤسسات المالية الدولية ، والتي كان يمكن معها أن تستعيد
المالية العمومية شيئا من عافيتها ، فتراجعت الحكومة عن قرارات كانت ضرورية لتقويم
أوضاع البلاد ، وجاءت نهاية 2017 بمناسبة درس موازنة 2018 بتراجعات في غير نظام للحكومة ، فاتخذ النواب قرارات بتقليص ضرائب و
أداءات مقررة لها ، من شأنها أن تسعى للعودة بالمالية العمومية إلى عقلانية فقدتها منذ 2011 ، مما تم
معه الاضطرار إلى أمرين اثنين :
أولهما : التراجع عن قرارات تجميد
الأجور في الوظيفة العمومية بعد أن وصلت نسبتها إلى أرقام تعتبر من أعلى ما هو
موجود في العالم .
ثانيهما : إلى الإعلان عن ضرورة
القيام بإعداد ميزانية تكميلية قبل بدء السنة المالية ، وهي سابقة غريبة في الدول
، فعادة وعندما تضطر دولة ما لميزانية تكميلية يكون ذلك في آخر السنة المالية لا
في أولها أو حتى قبل المصادقة على ميزانية سنة ما.
أما ميزانية العام الجديد 2018 فإن النواب أقدموا على قضمها ، بعدم المصادقة
على مقابيض كثيرة مبرمجة ، في تناقض كامل مع القانون الأساسي للميزانية الذي يفرض على كل
نائب أو جهة تسحب مداخيل مقررة ، اقتراح ما يقابلها من مقابيض ، على اعتبار أن
الموازنة هي تعادل بن الإنفاق والمداخيل ، غير أن ذلك على أهميته لا يعد المظهر
الأخطر ، بل جاء الاتفاق بين الحكومة واتحاد الشغل المعلن عنه قبل أسبوع بمثابة
الضربة القاضية لتوازن ميزانية هي في حد ذاتها تشكو من انخرام فادح ، وذلك بتعهدات
من الحكومة لعدم اتخاذ إجراءات مقررة كان مفترضا أن تدخل لخزينة الدولة أموالا
طائلة وفقا لميزانية بدأ خرقها قبل أن يبدأ تطبيقها.
ويبدو من
المؤكد أن يوسف الشاهد الحريص على البقاء في منصبه كرئيس للحكومة ، وأمام المناورات
الجارية داخل حزبه نداء تونس ، فضل بدأ مسك الثور من قرونه ، وعلى أمل أن يكون
رئيس الجمهورية المقبل ، فضل أن يقدم على
تقديم تنازلات كبيرة في تناقض مع تعهدات لمؤسسات مالية دولية ، وهو أول من يعرف
أنه غير قادر عليها ، على أن يواجه الواقع.
وإذ ضمن
استناده إلى اتحاد الشغل الذي سيقف في صفه ، في مقابل زعماء حزبه ، فإنه ومتى تقرر
التخلص منه كما سبق أن حدث مع سلفه الحبيب الصيد ، ودارت ماكينة نداء تونس فإن
الرياح ستذروه ، لن يفيده في ذلك لا اتحاد الشغل ولا غيره ولن يجد النهضة في صفه ، ومن هنا فإن البلاد
تعيش في خضم مناورات قاتلة لاستقرار الحكم ، وبالتالي لإمكانيات القيام بأي إصلاحات لا في
العمق ولا على السطح .
ولعل حكومة
اتحاد الشغل "قادرة " على مواجهة تحديات كبرى تعصف بالبلاد ، فتتخذ
القرارات الموجعة التي يرفض اتحاد الشغل أن تتخذها الحكومات المتعاقبة منذ 7 سنوات
، فيسهم بالتالي في دفع البلاد إلى حافة الهاوية ، برفض عقلنة سياسات التعويض
الدافعة للإفلاس ، وسياسات إعادة هيكلة المؤسسات العمومية في اتجاه خوصصة من منها
في القطاع التنافسي ، وتحسين أداء المؤسسات المحتكرة بطبيعتها ، وإعادة مؤسسات التأمينات الاجتماعية
إلى موقع يعيد إليها توازناتها.
ولكن هل يقبل
اتحاد الشغل الدخول في مغامرة استلام
الحكم الفعلي ، وهو أول من يعرف أنه سيترك فيها رياشه ، ولذلك
لعله يعود بذلك إلى حد أدنى من الرشد، ويكتفي بدوره المطلبي وفقا لإمكانيات البلاد
الحالية في انتظار أيام أفضل. ويكف عن مزايدة ولعب دور سياسي أكبر من حجمه، وم
إمكانيات بلد ينزف وليس هناك من يقف من أجله على حد تعبير يوسف الشاهد.
fouratiab@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق