عربيات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
إعادة توزيع الأوراق
تونس /الصواب
/ 28/11/2017
بعد مرور قرن على إطلاق وعد بلفور في
2 نوفمبر 1917 ، في تنكر لتعهد بريطاني تجاه الشريف حسين ملك الحجاز من طرف ماك
ماهون ، وبعد قرن أو يزيد على اتفاق اقتسام جثة الرجل المريض المتمثل في الخلافة
العثمانية ، التي خسرت مغامرتها بالدخول في الحرب العالمية الأولى إلى جانب
ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية وإيطاليا في مواجهة فرنسا وبريطانيا وروسيا ، وهو
اتفاق سايكس بيكو الذي قطع أوصال الأمة
العربية ، وجزأها أكثر مما كانت مجزأة في ذلك الحين ، والتي اقتطعت منها
فرنسا وبريطانيا وإيطاليا أجزاء واسعة ، متمثلة
في كل الشمال الافريقي بما فيه مصرـ قبل أن تقتطع بريطانيا وفرنسا كلا من العراق
وفلسطين والأردن والشام ، بعد مرور قرن حان الحين لإعادة تقطيع الأوصال وتجزئة
المجزأ.
في ما عدا تركيا وإيران وهما الدولتان
غير العربيتين على مشارف العالم العربي اللتان حافظتا وستحافظان على وضعهما كأقوى
قوتين متماسكتين في المنطقة مع مصر ،
وتتمتعان باستقرار فعلي ، فإن بقية الدول في المنطقة وكلها عربية تشهد اهتزازات
وزوابع شديدة ، وتخضع لأطماع إقليمية ودولية ليست بالهينة ، فإيران استكملت
السيطرة على الهلال الخصيب متمثلا في العراق وسوريا ولبنان ، بيد طولى تتمثل في
شيعة العراق وعلويي سوريا المنتصرين وحزب الله اللبناني الشيعي الذي تهدد بواسطته إسرائيل ، هذا في ما عدا اليمن الذي يكاد يكون سقط بيد الزيديــــين الشيعة ، بينما (
طهران)عينها تغمز نحو البحرين التي توجد بها
أغلبية شيعية ، وتحكمها عائلة
مالكة سنية ليست محل إجماع في بلادها ،
كما إن إيران لها قدرة على تحريك أقليات شيعية في المملكة العربية السعودية
والكويت والإمارات يشك البعض في ولائها لدولها ، ففي الأيام الأخيرة تحرك وفقا
لتقديرات فرانس 24 عشرون مليون من الشيعة من كل الأقطار للحج للنجف وكربلاء بمناسبة ذكرى مقتل الإمام
علي ، أي 10 أضعاف الذين أدوا فريضة الحج إلى مكة فيما يمثل الشيعة بكل فروعهم 12
في المائة من مجموع المسلمين.
ويبدو أن تركيا خسرت المواجهة
بالخسارة الفادحة التي حصلت لها في سوريا ـ حيث سواء بقي بشار الأسد في الحكم أو أستبعد
كشخص ـ فإن أنقرة التي راهن "خليفتها
" أردوغان على التطرف السلفي ، قد منيت عبر داعش والقاعدة بهزيمة كبرى ، إذ
تم أو سيتم كنـــس " دولة الخلافة " التي كان أردوغان الرئيس التركي، يمني
النفس باستعمالها لاسترجاع الخلافة العثمانية في شكل جديد ، ومواجهة المد الشيعي
الفارسي الصفوي كما كان حصل خلال قرون بين الصفويين والعثمانيين بلا غالب ولا
مغلوب ، فبينما راهن قادة إيران على العقيدة الشيعية الصاعدة منذ انتصار الإمام
الخميني ، واستعملوا الشعور الوطني بصبغته الدينية العقدية في محاربة إسرائيل بقصد استرجاع فلسطين (؟..)،
راهن القادة الأتراك وفي مقدمتهم أردوغان على التطرف الإخواني والأبعد من الإخواني
من السلفيين ، ممن نفخت في صورتهم الولايات المتحدة زمن باراك أوباما ( صاحب
الأصول المسلمة بوصفه ينحدر من عائلة مسلمة من كينيا ) والسيدة كلينتون ، فاستنجد
بمواطنين سنيين من مختلف البلدان العربية وغير العربية ، كانوا غالبا منسلخين عن الأغلبية
في بلدانهم ، وتسفيرهم وتسييرهم لمحاربة
نظام الأسد والحكم العراقي المتهم بشيعته
، وفي الحقيقة لمحاربة المد الشيعي وانتصارا للسنة ، وذلك اعتمادا على تمويل قطري
مباشر ، وتمويل سعودي غير مباشر ، عبر جمعيات تمولها الحكومات السعودية وتسلحها أنظمة خليجية رجعية.
وللواقع فإن انتصار الأسد الشخصي
، الوقتي أو الدائم ، وتطهير سوريا
والعراق ، لم يحصلا إلا بتدخل روسي كاسح مكن الروس لأول مرة من وضع أرجلهم بقوة في
المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط ، وأعطى الفرصة للفرس بتحقيق ما عجزوا عنه
منذ قرون بالسيطرة على أجزاء كبيرة من الوطن العربي بفضل شدة وحزم وانضباط الحرس الثوري وحزب الله ، ولعل
المكسب الوحيد الذي حصل لتركيا أردوغان هو
المتمثل في الانتصار لتركمان سوريا
والعراق وتمكينهم لأول مرة من وزن في بلادهم زيادة عن السيطرة على الأكراد وكسر
طموحهم بإنشاء دولتهم االكردية ـ والمتمثل
أيضا في الاعتراف لتركيا بدور في محادثات ثلاثية روسية- إيرانية -تركية
استبعد منها العرب أصحاب الشأن.
خريطة جديدة للمنطقة على حساب العرب
كما كان الشأن قبل قرن ، ولكن بعنصر جديد ، هو أن الاسلام بات محضنة للإرهاب الدولي ، ومهما كانت خسارة داعش كبيرة
على الأرض ، فإن المجتمع الدولي يجد نفسه في مواجهة حركة إرهاب دولية لو بحث المرء
في أسبابها العميقة ، لوجدها متمثلة في
تداعيات وعد بلفور ونتائجه على الأرض ، وما يشعر به 500 مليون عربي ومليار و600
مليون مسلم من غبن لاغتصاب فلسطين ، والعجـــز عن استرجاعها بالحرب أو الـــسلام ، ولن يهنأ بال العالم وعلى مدى أحقاب ما دامت
المظلمة مستمرة ، وسيعيش بين مخالب عمليات إرهابية ، يعترف الغرب قبل غيره أنها
مرشحة بأن تستمر ما دامت قضية فلسطين لا تجد حلا ، وكما يقول المنظرون فإن الارهاب
هو سلاح من وقفت بهم الحال إلى زقاق مغلق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق