صفاقسيات3/4
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بمناسبة زيارة رئيس الحكومة الثانية
إليها خلال بضعة أسابيع
صفاقس .. هل يعود الاعتبار؟ (3)
بذهاب منصور معلى في 1974 إثر مؤتمر
للحزب الدستوري ، أسمي مؤتمر الوضوح ، وتآمرت فيه زعامات محلية صغيرة من صفاقس تم وعدها بمناصب على الصعيد
الوطني ، انتهى نهائيا السند الذي كان يمكن أن تعتمد عليه البلاد ، فقد حصلت
مؤامرة التسعة ، أي الدعوة لعدم التصويت في المؤتمر للذين يأتون على قائمة الترشح
في المواقع 9 و19 و29 و39 و49 و59 و69 وكل من بعدهم ، وكانت الضحية الأولى منصور
معلى ، المترشح على قائمة اللجنة المركزية في الموقع التاسع باعتباره عضو في
الديوان السياسي ، وكان هذا المؤتمر جاء بعد أول مؤتمر ديمقراطي للحزب الدستوري
منذ 1955 ، أي مؤتمر 1971 ، الذي افتك زمام المبادرة من أيدي جماعة بورقيبة
والهادي نويرة ومحمد الصياح وعبد الله فرحات والطاهر بلخوجة بتحالف مع الحبيب
عاشور زعيم المركزية النقابية الفاعلة .
ولقد انكشفت اللعبة بمحض الصدفة ،
واتضحت ملامحها بوضوح ، فقد تم الاتفاق بين إدارة التحرير في جريدة الصباح والمبعوث الخاص للمؤتمر الذي
كان شخصي أنا ، على تجهيز قائمة المرشحين كاملة على صفحتين ( حجم تابلويد أيامها)
وربحا للوقت أتولى إملاء أسماء غير
الناجحين فقط ، فتطبع بالحبر الأحمر، فظهرت اللعبة في أجلى واقعها ، وتبين الناس
فظاعة اللعبة ، وأذكر أن الصفحتان بقيتا معلقتين في المغازات والمحلات وحتى بعض
الإدارات ، مشيرة إلى كيفية من كيفيات تزييف الانتخابات ، وقد اتهمت أنا وعبد
الجليل دمق بتدبير الأمر ، ولكن الواقع لم يكن كذلك ، وقمنا فقط هو وأنا بعمل
احترافي ، أبرز ما تم تبييته بليل في أجهزة الحزب لاستبعاد شخصيات اعتبرت إما
مشاكسة أو لها طموحات كبرى ، وكان في وقته
عبارة عن فضيحة بجلاجل.
غضب الهادي نويرة من الأمر ، ورغم
تأكيدات صديقه الشخصي ، الحبيب شيخ روحه بأنه ليس في الأمر مؤامرة ، فلا يبدو أنه
قد اقتنع ، كما يبدو أن منصور معلى نفسه لم يقتنع بتلك الصدفة وقتها.
**
غادر منصور معلى الحكومة كما كانت
رغبة الهادي نويرة وما اعتبر توجه " ساحلي " ضد صفاقس ، وباتت صفاقس
في نظر الكثير من أبنائها يتيمة ، ولم يستطع لا التيجاني مقني الذي فاز
بمقعد في الديوان السياسي (1) ولا الهادي الزغل الذي سيعين في منصب كاتب الدولة في
وزارة التربية بدون نفوذ فعلي تحت قيادة إدريس قيقة المتسلطة ولفترة محدودة ، نفض إذن منصور معلى يديه من صفاقس ، واعتبر أن له مستقبلا على
الصعيد الوطني ، وربما الدولي ، وهذا ما دفعه لإنشاء المعهد العربي لرؤساء
المؤسسات ، كحاضنة فكرية من مستوى دولي، وبنك تونس العربي الدولي الذي بات بسرعة
أكبر بنوك تونس وأنشطها حتى الآن رغم افتكاكه ، ولكن حتى هذه نازعه فيها الحكم ، فتسبب له زين
العابدين بن علي ، في مغادرتها كمغادرة البنك الذي أنشأه منذ 1976 والانكفاء على
ذاته ، وإن شده الحنين إلى مسقط رأسه في عام 1982 بعد عودته للسلطة في حكومة محمد مزالي ، بمناسبة الفيضانات الطوفانية التي اجتاحت
صفاقس ، وتسببت في أكثر من مائة قتيل ، فكان وهو وزير التخطيط مجددا السبب في إنجاز حزام بورقيبة الذي تكلف 50
مليون دينار وقام بحماية المدينة من فيضانات كانت متكررة تتهددها عاما بعد عام .
**
بعد عبد المجيد شاكر وخاصة منصور معلى
، فهم سكان صفاقس ، أنه لم يكن مرغوبا أن يخرج منهم زعيم محلي يكون له فعل وطني ،
وفهموا أنه ليس مرغوبا لهم ، أن تهتم بهم الدولة ولا أن تستثمر على أرضهم حتى في
البنية الأساسية ، وهناك رغم ذلك من أقدموا على استثمارات محدودة سواء في ولايتهم
أو في مناطق عديدة من البلاد.
**
كانت هناك محاولة أخرى لزعامة جديدة
للمدينة ومحيطها في عهد بن ، فقد تصدر للمحاولة الجديدة عبد الله القلال وزير الدفاع ثم وزير الداخلية وأخيرا رئيس مجلس
المستشارين ، غير أن المحاولة فشلت لعدة أسباب :
أولها أن الرجل لم يكن يتمتع بكاريزما
جاذبة
وثانيها أنه لم يكن مرغوبا زمن بن علي
أكثر من زمن بورقيبة قيام زعامة يمكن أن
تؤدي إلى ظل يحجبه هو شخصيا
وثالثها أنه وبعد مغامرة التصنيف
للجمعيات التي تصدر لها وانتهت بحل رابطة حقوق الانسان قبل التراجع غير المنتظم
للحكومة والمتسم بأنه كان شائنا ، فقد كل شعبيته.
ورابعا تصدره في العام 1991 و1992
للتعسف ضد الاسلاميين وغيرهم من المعارضين والمحاكمات المفبركة وغير المقنعة ولا
المستندة لقواعد المحاكمات العادلة استكمل فقدانه لكل أمل في الزعامة لا وطنيا ولا
جهويا.
ومن مظاهر تحقير مدينة صفاقس ومنطقتها
أن الاذاعة الجهوية التي تأسست منذ بداية الستينيات ، على يدي مؤسس التوجه الثقافي الجديد الشاذلي
القليبي أطال الله عمره ، وكانت منارة ثقافية ، وكان صوتها مسموعا في غالب
أنحاء البلاد ، وفي ليبيا ، باتت شبحا لذاتها ، فقد تقلصت من إذاعة تبث على الموجة
المتوسطة ، إلى إذاعة تبث على الأف آم بصوت غير مسموع لأكثر من 60 أو 70 كلم ، في
وقت نجد إذاعات تبث على أف آم تبث في كامل أنحاء الجمهورية ، والفرع التلفزيوني
التابع لتلك الاذاعة الذي كم أثرى التلفزة
التونسية بالبرامج والإبداعات أغلق أبوابه أو بقي في حكم المغلق.
والحياة الثقافية الزاخرة، لم تعد تلك
التي عرفتها المدينة فيما قبل الستينيات وحتى في الثلاثينيات ، ومنذ تأميم الثقافة
، وغلق الجمعيات الثقافية الأهلية ، والتراث التاريخي كالسور ، والدور المبثوثة
بجمالها في المدينة العتيقة ، لم تستغل سياحيا لا هي ولا الأبراج التاريخية ، أما
البحر فحدث ولا حرج ، فقد كان ملجأ ورئة
على طول ما لا يقل عن 40 كيلومترا جنوب
وشمال المدينة ، فجاءت كارثة السياب والان ب ك وحولته إلى مزبلة .
**
هجر الناس مدينتهم وكما بات التونسيون
لا يرجون إلا مغادرة بلادهم للاستقرار في أي بلد في الخارج ، أصبح سكان صفاقس ،
بعكس عاداتهم ينتظرون الفرص للالتحاق بالعاصمة أو سوسة والمهدية والمنستير حيث
يستطاب العيش.
والمدينة التي كانت تعج بالحياة ،
باتت ميتة بحق ، بإرادة مبيتة استمرت على مدى عشرات السنين ، وتبدو نتيجتها واضحة
في ما ذكرنا طول الحلقات السابقة.
هل يمكن لهذه المدينة ، ومنطقتها أن
تخرج من هذا التهميش ، وتعود كما كانت قاطرة للتنمية لنفسها ولما يحيط بها وللوطن بأكمله ، تفعل و تتفاعل .
هناك وعد صريح من رئيس الحكومة يوسف الشاهد برد الاعتبار للمدينة ولمحيطها
بذله مرتين الأولى بمناسبة زيارة حدد فيها 40 مشروعا للإنجاز ليس فيها للحقيقة
واحد مصنع ( بتشديد النون) والثاني بمناسبة تدشين معرض صفاقس الدولي ، وقد تولى
بالمناسبة رئيس جمعية معرض صفاقس تعداد ما
تنتظره المدينة وجهتها من الدولة لرفع التهميش .
وهناك ما قاله السفير الفرنسي بتونس أوليفياي بوافر دارفور في حوار حصري أدلى به مساء اليوم الأربعاء لديوان
أف أم ان ولاية صفاقس تعد استثناء في صناعة الأدمغة وذلك نظرا الى ريادتها وطنيا
في عدة مناظرات على غرار الباكالوريا...
.
وأضاف دارفور أن النتائج المحققة في التعليم الأساسي والثانوي والعالي بولاية صفاقس جعلته يفكر في استراتيجية لصنع محور تعاون بين الجامعات في صفاقس وكبرى الجامعات الفرنسية مشيرا الى أنه بإمكان صفاقس أن تتحول الى 'سيليكون فالي ' Silicon vallée تونس.
وأفاد بأنه سيتم افتتاح المدرسة الفرنسية بصفاقس خلال شهر سبتمبر المقبل بالإضافة الى تدشين مشروع المعهد العالي الفرنسي بصفاقس والذي سيكوّن المهندسين خلال سنة 2018.
وأضاف دارفور أن النتائج المحققة في التعليم الأساسي والثانوي والعالي بولاية صفاقس جعلته يفكر في استراتيجية لصنع محور تعاون بين الجامعات في صفاقس وكبرى الجامعات الفرنسية مشيرا الى أنه بإمكان صفاقس أن تتحول الى 'سيليكون فالي ' Silicon vallée تونس.
وأفاد بأنه سيتم افتتاح المدرسة الفرنسية بصفاقس خلال شهر سبتمبر المقبل بالإضافة الى تدشين مشروع المعهد العالي الفرنسي بصفاقس والذي سيكوّن المهندسين خلال سنة 2018.
غير أن لصفاقس دينا كبيرا على فرنسا لا بد أن تسدده :
أولا آثار الحرب التي شهدتها صفاقس
بين 14 و16 جويلية 1881 والتي انتهت إلى مقتل 931 من سكان المدينة حسب المصادر
الفرنسية ذاتها من بين 10 آلاف ساكن كانوا يعمرونها وقتها ، وما اضطرت من دفعه من
غرامات ثقيلة لفرنسا لم تدفع مدينة تونسية مثيلا لها.
ثانيا ضرورة رفع الستار عن أسماء قتلة الهادي شاكر من الفرنسيين في عملية غادرة في نابل وهو في إقامة جبرية تحت
الحراسة الفرنسية ، وإذ عرف القتلة من التونسيين ونالوا جزاءهم في محاكمة علنية
عادلة فإن الجانب الفرنسي من المراقب المدني في صفاقس غانتاس والمراقب الفرنسي في
نابل وأعوانهما والمقيم العام ديهوتكلوك ووزارة الخارجية ووزارة الداخلية في باريس
بمن فيهما الوزيران آنذاك اللذان أعطيا الموافقة على هذا الاغتيال لا بد أن يعرفوا
بالأسماء ولا بد في غياب المحاسبة القانونية أن يحاسبوا أمام التاريخ وأن يقع
الاعتذار الفرنسي من هذا الاغتيال هو واغتيال فرحات حشاد ابن ولاية صفاقس هو
الآخر.
لكن لا بد من القول لإنهاء التهميش من
القول إن إرادة سكان المدينة ومحيطها غير
كافية ، وككل جهة متروكة حتى لا نقول مهمشة تحتاج إلى جهد وطني ، كبير ،
فالمشروعات للهيكل الأساسي لا يمكن أن تقوم بها إلا الدولة ، والصناعات المصنعة ،
لا بد لها من دفع الدولة.
ومن نافلة القول ، أن أبناء الجهة
سواء من الباقين فيها أم من دفعت بهم رياح الأيام لمغادرتها ، أن يكونوا على أهبة
الاستعداد للمساهمة بالرأي قبل أي شيء آخر: لماذا لا تعود أيام التنمية
السنوية التي أنشأها منصور معلى وجزت تحت ساقي المدينة ، لتصور ، بلورة ،
والبحث عن منفذين ، لبرامج طموحة ، لماذا لا تتحول المدينة وضواحيها ومنطقتها إلى
دور فاعل في الثورة الرقمية العالمية ، وهي تعج بالعقول النيرة ، لماذا لا تقام
مدينة للإعلام تكون منارة في هذه البلاد تشع تونسيا وعربيا وإفريقيا وحتى عالميا
على غرار مكتبة الاسكندرية وما يحيط بها ،
لماذا ، لا يحصل السعي لإنشاء مدينة للعلوم ، كما تم في العاصمة بتمويل فرنسي ،
وفرنسا تسعى اليوم لإعادة تركيز مدرسة لها في صفاقس ، ولم لا جامعة ، كما جاء على
لسان سفيرها بتونس؟
أسئلة ، لا يمكن أن يجيب عنها إلا
طلائعيين منها ، ولكن من سيقود السفينة؟ هل منصور معلى أطال الله عمره ما زال يتمتع برغبة وقدرة على
ذلك أم إن رجالا من أجيال جديدة سيتولون المهمة؟
الحلقة
الثالثة : الأسبوع المقبل
( 1) التيجاني مقني هو الذي كلف في
مجلس الأمة بدفع من جهات معلومة مقربة من
بورقيبة ومن الحكومة باقتراح قانون دستوري في 1975 يمكن بورقيبة من الرئاسة بقية
الحياة ، واعتبر في صفاقس قبل غيرها وصمة عار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق