تركيات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
إنتصار أم هزيمة
تونس/ الصواب / 09/06/2015
كانت الجماهير غفيرة جدا في إحدى أكبر
الساحات في أنقرة العاصمة التركية، ولقد تأخر الخطاب المنتظر مساء الأحد والذي كان
مقررا أن يلقيه أحمد داوود أوغلو رئيس الحكومة وزعيم حزب العدالة والتنمية
الحاكم ( منذ التخلي الإسمي لرئيس
الجمهورية أردوغان كما اقتضى الدستور من عدم الجمع بين رئاسة البلاد وزعامة الحزب
الحاكم) مباشرة بعد ظهور النتائج.
ومن المؤكد أن أحمد أوغلو كان يبحث عن
إخراج "ذكي " للإيحاء بانتصار انتخابي ، بدل الحديث عن هزيمة نسبية.
خرج أوغلو ليلقي خطابا طويلا جدا ،
يبرز فيه انتصار حزبه ، ما دام جاء في
المرتبة الأولى ولو بـ 41 في المائة ما لا يمكنه من أغلبية لا معززة (66 في المائة) كما كان يخطط ولا حتى أغلبية
مطلقة (51 في المائة) .
وما لم يقله أوغلو هو أن حزبه الذي
كان يسيطر على البرلمان منذ 2002، قد فقد تلك السيطرة بعد انتخابات الأحد الماضي
وأن أغلبيته النسبية في البلاد 258 مقعدا من بين 545 تقريبا يتشكل منها البرلمان بنسبة
46 في المائة من المقاعد لا تكفي لتشكيل الحكومة.
والجديد بالنسبة لحزب العدالة
والتنمية منذ 2002 أنه لم يعد يمتلك أغلبية كفيلة بجعله يتولى تشكيل الحكومة منفردا ، وتمثلت هزيمته
التي يحاول أن يسوقها على أساس انتصار بوصفه حاصلا على المرتبة الأولى بين الأحزاب
الأربعة التي دخلت البرلمان المنتخب في أمرين اثنين :
أولهما أنه لا يستطيع تشكيل حكومة إلا
بمدد من أحد الأحزاب الثلاثة ، وخلال
الحملة الانتخابية أكدت تلك الأحزاب أنها لت تدخل في ائتلاف مع حزب العدالة
والتنمية ، الذي تتحوط من مرجعيته الإسلامية ، رغم تأكيده الدائم على أنه حزب
لائكي.
وثانيهما أنه بعيد جدا عن مطامحه قبل
الانتخابات ، فقد كان طامعا في الحصول وحده على أغلبية معززة تسمح له ، بتعديل
دستور 1981 ، وإقرار نظام رئاسي لعل الناخبين الأتراك أصابتهم خشية من أن يتحول
معه أردوغان إلى تسلط ديكتاتوري، خصوصا
وأنه أتى تصرفات منذ استلم رئاسة الجمهورية في أوت الماضي تبشر بميول تسلطية ،
خصوصا أيضا ، وقد اعتمد طريقة غريبة عن الديمقراطيات في مواجهة مظاهرات إسطنبول
وأنقرة والمدن الأخرى في صائفة 2012.
وإذا صحت أقوال الأحزاب الثلاثة
الفائزة بمقاعد من عدم القبول بالدخول في ائتلاف حكومي مع حزب أردوغان ، فإن عليه
إما أن يشكل حكومة أقلية ، ستكون هشة وتسقط في أول مناسبة ، أو يضطر للدعوة
لانتخابات جديدة ، ليس متأكدا من أنها ستفرز أغلبية برلمانية لفائدته.
وعادة فإن الدعوة لانتخابات مبكرة
تعمق خسارة الحكومة التي تدعو إليها، ولكن ذلك قد يكون الحل الوحيد أمام حزب العدالة
والتنمية الذي رغم المناداة بانتصاره هو أول من يعرف أن أوراق اللعبة قد خرجت من
بين يديه ، وانه إن لم يجد حزبا من
الأحزاب الثلاثة ( قوميين طورانيين، وأكراد مؤيدين من المثقفين ، ولا ئكيين متشددين وجمهوريين) قابلا للدخول معه في حكومته
فإن أحلى الحلول مر وهو الدعوة لانتخابات جديدة ، في إطار عملية ( كيت أو دوبل )
كما يقول الفرنسيون.
وحتى لو وجد قبولا من أحد هذه الأحزاب
مع استبعاد مطلق للائكيين وحزب الأكراد والمثقفين أن يدخلوا معه في حكومة ائتلاف ،
فإن للجمهوريين تحفظات تجاه سياسة أردوغان الداخلية والخارجية ، فالجمهوريون وهم
الأقرب للدخول في ائتلاف (إن حصل) ، يدعون لتغيير كبير في السياسة الخارجية ،
تقتضي التقارب مع بشار الأسد ، بينما حزب أردوغان يعتبر في المقام الأول في عداء
النظام السوري القائم، كما إن الجمهوريين يعبرون عن موقف معادي للسياسات
الاقتصادية ، وهم يعتبرون أردوغان وحزبه منتحلين لما أسمي بالمعجزة التركية ، التي
كانت من صنع حكومة أوزال والخبير الاقتصادي الدولي كمال درويش ، وأن حزب أردوغان
استولى على جهود الجمهوريين وادعى أن ما حصل من تقدم اقتصادي هو من صنع حزبه ، بما
وصل بالبلاد إلى تحقيق نسبة نمو لسنوات متتالية تجاور 10 في المائة ، مع استثمارات
ضخمة ، والقضاء على بطالة كانت متفشية،وهي نتائج لم تعرف حكومات أردوغان كيف تحافظ
عليها ، ففي سنة 2013 نزلت نسبة النمو إلى 4 في المائة وفي سنة 2014 إلى 2.9 في المائة
، وينتظر أن تكون أقل في سنة 2015، مع ارتفاع في نسبة البطالة إلى 10 في المائة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق